مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الأثيوبية في الصومال والسيطرة الأميركية على القرن الإفريقي
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008

الصومال بلد مترامي الأطراف تبلغ مساحته حوالي 600 ألف كم مربع، ويمتلك أكبر ساحل على المحيط الهندي. وتعتبر السيطرة على الصومال السيطرة على البحر الأحمر وخليج عدن ومداخل الخليج العربي وصولاً إلى باب المندب، أي أن شرايين النفط تكون في القبضة الأمريكية، وثرواته الطبيعية كاليورانيوم والغاز الطبيعي والنفط الذي يتواجد بكميات تجارية كبيرة، والنحاس والقصدير والملح والثروة البحرية الهائلة. أما الطابع المميز لهذا البلد الذي انضم إلى المجموعة العربية من خلال جامعة الدول العربية ،اعتماد اقتصاده على تربية وتصدير الماشية، فليس غريباً أن تعني كلمة الصومال باللغة المحلية"اذهب واحلب".ولكون اقتصاده ضعيفاً فإن إجمالي متوسط دخل الفرد السنوي لا يتجاوز600دولار.
وفي فترة انعدام الدولة زادت الأوضاع المحلية تردياً فلم تتح الظروف فرص التعليم إلا ل 10% من الطلبة والبالغ إجماليهم مليون طالب حيث لم يعد من وجود للمدارس الرسمية ليلتحقوا بها،بل حل محلها التعليم الأهلي وأقساطه الشهرية10دولارات، عجز عن سدادها العديد من الفقراء وضحايا الحروب،والأيتام،وراحت هجرة الكفاءات العلمية تزداد إلى الخارج بشتى اختصاصاتهم فلم يبق في العاصمة"مقديشو"سوى120طبيباً من اصل960 مجمل الأطباء في الصومال.
ومنذ القرن التاسع عشر حتى استقلال الصومال في 1تموز 1960 كانت كل الأراضي الصومالية تحت احتلال أثيوبيا و الدول الاستعمارية الأوروبية .ومرت عمليات تقسيم الصومال بمرحلتين رئيسيتين، تمت الأولى في بداية ستينات القرن الماضي، واستكملت الثانية في العقد الأخير من القرن ذاته! فبعد أن سقطت تحت الاحتلال البريطاني، أرغمت مصر على التخلي عن وجودها في الصومال الذي كان جزءاً من الدولة المصرية حتى عام 1884، وذلك قبل أن تسارع بريطانيا الى إقامة ما عرف بالصومال البريطاني في عام 1887. وكانت فرنسا قضمت قبل ذلك بثلاثة أعوام ما عرف بالصومال الفرنسي، وذلك بالتوازي مع قيام إيطاليا بالحصول على نصيبها من الكعكة الصومالية في الجنوب. في الوقت ذاته، منحت الدول الأوروبية الثلاث الحق لأثيوبيا في السيطرة على الصومال الغربي (أوغادين) الذي بات يعرف باسم الصومال الحبشي، ناهيك عن اقتطاع بريطانيا الإقليم الجنوبي الغربي من الصومال وضمه إلى مستعمراتها في كينيا ليكون بذلك الإقليم الشمالي الشرقي لتلك الدولة الأفريقية.
وعندما حان وقت جني ثمار الكفاح ضد الاستعمار، أصرت القوى الأوروبية الكبرى على عدم السماح لهذا الكيان الأفريقي - العربي الذي يسيطر على مساحة شاسعة، تمتلئ بالثروات، ويسيطر على موقع استراتيجي تحت البطن الطرية للشرق الأوسط أن يستقل بكامل أطرافه، وإنما أن يبقى كسيحا مقطع الأوصال. فكان أن منح الاستعمار الاستقلال لكل من الصومال الإيطالي والبريطاني في أول تموز (يوليو) عام 1960، وذلك من دون الصومال الفرنسي الذي منحته باريس الاستقلال في 27 حزيران (يونيو) عام 1977 ليحمل اسم جيبوتي، ولتمنح أثيوبيا رسميا الصومال الغربي (أوغادين)، ويتم إهداء كينيا الإقليم الجنوبي الغربي.
و في تموز 1977، قامت جبهة التحرير الصومال الغربي بمساعدة من القوات الصومالية النظامية بغزو أوغادين ،و أعادت الاستيلاء على حوالي 90في المئة من الإقليم في نهاية هجومها ضد أثيوبيا.وينظر الصوماليون إلى الحكم الأثيوبي على أوغادين بوصفه حكما استعماريا.
ولذلك فالصراع الصومالي- الأثيوبي ليس صراعا على الحدود بين دولتين،و لاهو قضية تتعلق بأقلية عرقية صومالية، إنه بالأحرى نضال ضد أثيوبيا الامبريالية التي استولت على أوغادين نتيجة مشاركتها المباشرة في التقسيم الاستعماري للمنطقة.من هنا بدأت جبهة التحرير الصومال الغربي نشاطاتها ضد أثيوبيا بعد عام 1961 و بدعم من الصومال(1).
وظل حلم التوحد لكل الأراضي الصومالية حاضرا في الوعي الجمعي الصومالي، وهو الأمر الذي أفرز - ضمن ما أفرز - حربا ضروساً بين نظام ديكتاتور الصومال السابق سياد بري، وديكتاتور أثيوبيا السابق منغستو هايلا ماريام عامي 1977 و1978، وذلك في محاولة من مقديشو لاستعادة سيادتها على ما اقتطع منها لحساب أديس أبابا.
والغريب وغير المسبوق في هذه الحرب - التي دارت رحاها أثناء ذروة سياسة الاستقطاب التي ميزت تلك الفترة من الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن - أن كلا من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة نحيا خلافاتهما العقائدية جانبا ليقفا وراء النظام الماركسي السابق في أثيوبيا وضد الصومال! وإذا كانت الولايات المتحدة وقفت في تلك الفترة داعمة لأثيوبيا بعدم دعمها الصومال، فإنها باركت تحالف الكيان الصهيوني مع الاتحاد السوفياتي في دعمهما لأديس أبابا. إلا أن علامات الدهشة لا تتوقف عند هذا الحد من التحالف الذي جمع بين الأضداد في حرب أوغادين، حيث انضم لهذا التحالف المعادي للصومال اليمنيون الجنوبيون الذين هم أقرب الأشقاء العرب للصوماليين، مدفوعين في ذلك الوقت بانتمائهم الأيديولوجي الشيوعي، إضافة إلى الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين! وأدى هذا التحالف غير المسبوق إلى هزيمة قاسية للصومال ، إلا أن الهزيمة لم تكن تكفي، وهو ما يقودنا إلى مزيد من تحرير المعاني المسكونة في ما ورد وما لم يرد على لسان زيناوي!(2)
يمثل الصومال حالة فريدة من نوعه في العالم، حيث يعيش مأساة حقيقية بكل المقاييس، فالحرب الأهلية تفتك به منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان في ظل انهيار الدولة وغياب حكومة مركزية تسيطر على البلاد، بعد الإطاحة بنظام الرئيس سياد بري من خلال ثورة شعبية في عام 1991 والذي حكم البلاد لأكثر من 12 عاما. وبعد سقوط نظام الديكتاتور منغستو في عام 1991 وتولى زيناوي مقاليد الحكم، كان لابد من تعامل جديد مع المشكلة المزمنة لإقليم أوغادين .وهو ما تم من خلال منح الجزء الصومالي في أثيوبيا (أوغادين) حق تقرير المصير في الدستور مع حظر نشاط جبهة تحرير أوغادين، وبالتالي تعطيل هذا الحق عمليا، على العكس مما حدث في حالة استقلال أسياسي افورقي بإريتريا، وذلك بسبب قرابة الدم والدين والكفاح المشترك التي ربطت بين زيناوي وأفورقي. فإقليم أوغادين هو خط أحمر دونه الموت للأثيوبيين.
منذ انهيار مؤسسات الدولة في الصومال في عام 1991 بعد الإطاحة بنظام سياد بري، تعيش البلاد واقعيا بلا حكومة مركزية تحكمها، فلا يوجد جيش نظامي يدافع عن الدولة أو جهاز شرطة لفرض القانون ما أدى إلى انتشار الجريمة وأعمال النهب، كما لا توجد مؤسسات اقتصادية لتنمية البلاد أو مواجهة الفقر والمجاعة، وقد راح ضحية الحرب الأهلية خلال تلك الفترة أكثر من 500 ألف شخص إضافة إلى أكثر من مليون لاجئ صومالي في الدول المجاورة وفي العالم كله. ويعيش السكان أوضاعا معيشية قاسية، وقد شهدت الفترة الماضية وعلى مدى عقد ونصف العقد ثلاث عشرة محاولة لتنصيب حكومة وبرلمان من خلال جولات المفاوضات المتعددة في مصر وليبيا وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا، لكن هذه الحكومات كانت على الورق فقط، وانهارت جميعها نتيجة للتنازع بين الفصائل الصومالية على السلطة وتشابك دور الأطراف الخارجية خاصة إثيوبيا، التي دعمت فصائل بعينها حليفة لها وذلك لتحقيق مآربها في البلاد، وبقي الصومال على أرض الواقع خاضعا لحكم الفصائل والمليشيات التي أقامت الحواجز لفرض الاتاوات وانتشر مقاتلوها في المناطق التي تسيطر عليها خاصة العاصمة مقديشو، إضافة لذلك شهدت تلك الفترة استقلال جمهورية أرض الصومال وجمهورية بلاد بونت.
وقد شهدت جهود المصالحة تطورا إيجابيا، فبعد 41 جولة من محادثات السلام التي استضافتها كينيا وبرعاية الاتحاد الإفريقي، وقع السياسيون وقادة الحرب الرئيسيون في البلاد في 29 يناير/ كانون الثاني 2004 على اتفاق سلام يقضي بإقامة برلمان وطني جديد يقوم بدوره بانتخاب رئيس للبلاد معترف به، ونص الاتفاق على أن يتكون البرلمان الجديد من 275 عضوا، وأن يقوم قادة الحرب والشيوخ المحليون باختيار أعضاء البرلمان. وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2004 تم تشكيل البرلمان الجديد الذي انتخب بالإجماع عبدالله يوسف رئيسا للبلاد، واستمرت الحكومة الجديدة في كينيا حوالي عام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في الصومال، وبرغم عودتها أخيراً إلى الصومال إلا أنها غير قادرة حتى الآن على العودة للعاصمة مقديشو ولا تسيطر إلا على قسم بسيط من البلاد، وتتخذ من "بيدوا" شمال العاصمة مقرا لها، والحكومة منقسمة على نفسها وتبدو عاجزة عن إرساء النظام حيث لا يزال العديد من أمراء الحرب يعادونها برغم أن عددا منهم وزراء في تلك الحكومة.
ولا شك في أن الحكومة الانتقالية التي تتمركز بالقرب من العاصمة تواجه تحديات ضخمة للخروج بالبلاد من الوضع الحالي، أهمها نقص الموارد المالية لإعادة بناء مؤسسات الدولة التي انهارت بالكامل نتيجة للحرب الأهلية، وأهمها بناء أجهزة الجيش والشرطة للدفاع عن البلاد ووقف التدخلات الخارجية وحماية الأمن الداخلي، وكذلك أجهزة الإدارة المدنية، أيضا إعادة بناء الاقتصاد ونزع أسلحة المليشيات.
ظاهرة المحاكم الشرعية في الصومال جاءت نتاجاً طبيعياً لثقافة الحرب الأهلية واستتباعاتها الباهضة على الأرض. ونشأت فكرة المحاكم عطفاً على اليأس المُستبد والحيرة القاتلة التي عاناها الصوماليون بنتيجة غياب النظام والقانون، وفي مثل تلك الحالة كان من الطبيعي أن يبحث الناس عن خلاص مما هم فيه من مظالم وقهر واعتداءات، فجاءت الفكرة تلقائية بسيطة وواضحة المعالم والأهداف: يتم إنشاء محاكم شرعية تأخذ بالشريعة الاسلامية، ويسهم في تفعيل هذه المحاكم كل مقتدر على التمويل وكل عارف بفقه الشريعة، ويكون الهدف منها حماية الناس من شرور ميليشيات زعماء الحرب الذين استباحوا الأرض والإنسان.
وهكذا سارت التجربة بداية بإنشاء محكمة شرعية في العاصمة مقديشيو، وسرعان ما انتشرت التجربة لتشمل 11 محكمة في العاصمة حيث أسهمت في تلك التجربة المرجعيات الدينية والقبلية والمالية بصورة واضحة، وكان من الطبيعي أن يحدث صدام مؤكد بين المحاكم ومنطق أمراء الحرب، وكان من الطبيعي أيضاً أن تتحول يافطات المحاكم المعلنة بوصفها مجالس تحكيم وانصاف للناس إلى مضامين أخرى أشمل، فقد بدت تجربة المحاكم تنزاح إلى فضاءات جديدة سواء من حيث العمل المالي والتنظيمي أو من حيث التعليم والدعوة في المساجد، وكان من مآثر المحاكم المشهودة العمل عل نشر التعريب رداً على التعليم الاجنبي الموازي الذي بدأ يطل برأسه مجدداً في ظروف الحرب الأهلية وغياب مؤسسة تربوية تنظم العملية التعليمية.
ولم تبرز "المحاكم" التي تبلورت منتصف التسعينات نظاماً قضائياً قبلياً، سوى في شباط (فبراير) الماضي، حين أعلنت 11 "محكمة"، تنتمي عشر منها إلى قبيلة "الهويي" المتمركزة في مقديشو، تشكيل تحالف لطرد ميليشيات ثمانية من زعماء الحرب انضووا في كيان آخر تدعمه واشنطن حمل اسم "تحالف إرساء السلم ومناهضة الإرهاب". وقرر الإسلاميون إنهاء سيطرة زعماء الحرب على العاصمة التي فرضوا على سكانها اتاوات وروعوهم منذ سقط نظام الدكتاتور محمد سياد بري قبل 15 عاماً.
وبعد أربعة أشهر من المعارك العنيفة بين قوات " المحاكم الشرعية " و الجبهة المسلحةالجديدة المتشكلة من أمراء الحرب ،التي أطلقت على نفسها اسم "التحالف لمكافحة الإرهاب و استعادة السلام" ، و التي خلفت ما يقارب 400 قتيلا و 2000جريحا، أعلنت مليشيات المحاكم الإسلامية سيطرتها على العاصمة مقديشيوفي حزيران 2006، و سيطرت على مدينة جوهر حيث تتواجه على مشارفها قوات تابعة للمحاكم الإسلامية و أخرى تابعة لملشيات أمراء الحرب.
" التحالف لمكافحة الإرهاب و استعادة السلام" المدعوم من واشنطن ، خسر معركة مقديشيو، على الرغم من ملايين الدولارات التي دفعتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لأمراء الحرب.بيد أن حسابات الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تقوم على "تنظيف مقديشيو من الإسلاميين لبضعة ملايين من الدولارات" حسب شهادة خبير من المنطقة، منيت بإخفاق حقيقي.وشهد مطلع حزيران الماضي إعلان رئيس المحاكم الإسلامية الشيخ شريف شيخ أحمد طرد زعماء الفصائل المسلحة و ميليشياتهم من مقديشيو وسيطرة ميليشياته على كل أنحاء العاصمة، بشطريها الشمالي و الجنوبي، و هو الأمر الذي لم يتح لأي من الفصائل المسلحة منفردة أو مجتمعة طيلة سنوات الحرب الأهلية ال15 الماضية.
و صار الشيخ شريف، سيد إقليم بنادر(تقع ضمنه مقديشيو)الأوحد. لكن الجديد في تلك المعارك الطاحنة أنها مثلت حربا بالوكالة لحساب أطراف خارجية، فتحالف أمراء الحرب تدعمه الولايات المتحدة في إطار حربها على الإرهاب، حيث تتهم واشنطن أنصار المحاكم الشرعية وعددها 21 بأنها تضم عناصر إسلامية متشددة ترتبط بتنظيم القاعدة.
وقد تم تأسيس اتحاد المحاكم الإسلامية عام 1994 من أجل حماية المحاكم، ومن يومها ظل هو الجهة الوحيدة التي تستحوذ على ثقة الصوماليين بعد الخراب الذي حل بالبلاد وسقوط كل المؤسسات الشرعية والرسمية، وهو عبارة عن أجهزة أمنية وقضائية أسهمت إلى حد كبير في إعادة الأمن إلى أجزاء كبيرة من العاصمة وبسط السلم وتحكيم الشريعة.
وفي غياب القوى الأمنية بالبلاد استعانت هذه المحاكم بمليشيات مسلحة ورفضت نفوذ زعماء الحرب المتنافسين الذين كانوا يسيطرون على أجزاء كبيرة من العاصمة. وقد دعمت الولايات المتحدة إنشاء "تحالف إرساء السلام ومكافحة الإرهاب" في فبراير/ شباط 2006 لوقف نفوذ المحاكم الإسلامية، وقدمت له الدعم المالي والأسلحة، بل أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس صراحة أن بلادها "ستعمل مع العناصر التي تساعدنا على القضاء على القاعدة ومنع تحول الصومال إلى ملاذ آمن للإرهابيين ونحن نفعل ذلك لحماية أمريكا". وبعبارة أخرى فإن الصومال أضحى أحد ضحايا الحرب الأمريكية على الإرهاب التي راحت تشنها بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وأنها، أي واشنطن، إذا كانت تدخلت بصورة مباشرة واستخدمت القوة المسلحة في أفغانستان والعراق لإسقاط نظامي الحكم فيهما وما ترتب على ذلك من انتشار العنف والإرهاب، فإنها تتدخل بصورة غير مباشرة في دول أخرى ومنها الصومال لتحقيق أهدافها. غير أن تداعيات ذلك التدخل تكون أكثر سلبية على الشعب الصومالي وعلى جهود تحقيق المصالحة، خاصة في ظل انتشار الفوضى ووجود البيئة الداخلية المهيأة. وبالطبع لا تنسى واشنطن الخروج المهين لقواتها من الصومال في عام 1992 بعد قيام المقاتلين الصوماليين بسحل جثث الجنود الأمريكيين في شوارع مقديشو في إطار مهمة حفظ السلام للأمم المتحدة “ينصوم”، وتهدف واشنطن إلى الانتقام وتلجأ إلى أسلوب الحرب بالوكالة خاصة بعد فشل تدخلها المسلح المباشر في العراق وأفغانستان.
و بالمقابل ، فإن ميلشيات المحاكم الإسلامية تلقت دعما ماليا مهما من رجال الأعمال الصوماليين و من منظمات أصيلة من البلدان العربية، و كذلك الأسلحة.وقد استفادت أيضا من التجربة العسكرية للجهاديين الأجانب و الضباط الكبار القدامي الذين كانوا يعملون في جيش زياد بري، الرئيس الذي تمت إزاحته من السلطة في عام 1991.و من المعلوم تاريخيا أن ميليشيات المحاكم الإسلامية لم تظهر سابقا في أي من محاولات المصالحة الوطنية ال14 و التي نجح آخرها في تعيين برلمان و تشكيل حكومة و انتخاب رئيس جديد للبلاد، لكن أي من هذه المؤسسات لم تجرؤ على دخول العاصمة مقديشيو بسبب سيطرة أمراء الحرب، كل على حي من أحيائها.و ظلت الحكومة على مسافة 230 كيلومترا من جنوب العاصمة، في مدينة بيداوة، حيث مقرها المؤقت.
و لم تنجح فصائل المعارضة في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، إذ شهدت البلاد بعد زياد بري حربا أهلية على خلفية قبلية، للإستحواذ على السلطة، و النفوذ و الأراضي و الموارد. وطالت الحرب الأهلية .. و غدت نفقاتها مرتفعة جدا و كثيرة. و يبدو أن التجار أيقنوا ، أنه لا يمكن لقبيلة بمفردها السيطرة على كامل البلاد.و لاحظوا ثانيا،أن كل اتفاقات المصالحة التي وقعها زعماء الميليشيات التي يمولونها تؤول إلى فشل و لا تنفذ. كما شعروا ثالثا، أنهم بدأوا يخسرون في هذه"التجارة" مع أمراء الحرب الذين بدأوا يؤسسون لأنفسهم تجارة خاصة بهم.
في عام 1994، تبلورت لدى التجار فكرة إضعاف أمراء الحرب أو إقصائهم و إيجاد بديل مقبول لدى كل القبائل و الشارع الصومالي عموما، فوجدوا البديل في " التجمعات الإسلامية". و معروف أن كل الصوماليين يدينون بالإسلام و ينتمون إلى المذهب الشافعي . وهم عموما متدينون على الرغم من اعتماد زياد بري الماركسية نظاما لحكمه (1969-1991).
وهكذا ، أسهم التجار في تمويل الجماعات الإسلامية التي شكلت بدورها ما بات يعرف ب"المحاكم الإسلامية" و التي ظهرت أولا في مقديشيو، حيث أسس الشيخ علي محمود الملقب ب"شيخ علي طيري" أولى هذه المحاكم، الأولى من نوعها منذ استقلال الصومال العام 1960. وصار للمحاكم الإسلامية 3000 عنصرا من الميلشيات المسلحة يطلق عليها اسم "الخيالة"، ثم استقطبت لاحقا أكثر من 11000 رجلا للقيام "بالجهاد" -كما أعلن بذلك رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية الشيخ شريف شيخ أحمد . في البداية لم تكن لهذه المحاكم أية سلطة استثنائية أو شعبية، لكن الوضع تغير تدريجيا وتحولت المحاكم خلال 10 سنوات من "أداة" لفرض النظام والقانون إلى "سلطة بديلة" للسلطة المركزية التي ظلت مشتتة في "المكان" و"الأولويات" بسبب التنازع بين زعماء القبائل.
خلف هذا الصراع الأهلي في الصومال ، برز الصراع الإقليمي بين أثيوبيا و إريتريا، اللتان تساندان فرقاء الصراع الأهلي في الصومال منذ توقف الحرب بينهما في عام 2000. أثيوبيا تقدم السلاح لأمراء الحرب، بينما تساند إريتريا الإسلاميين. غير أن "المحاكم" المنتصرة أغراها تقدمها على الأرض وضعف الحكومة التي تعد المحاولة ال 14 لتأسيس سلطات انتقالية في الصومال، بتوسيع "فتوحاتها"، فطاردت فلول زعماء الحرب إلى مدينة جوهر (80 كلم شمال مقديشو) وهزمتهم هناك وأجبرت بعضهم على اللجوء إلى كينيا المجاورة، واحتمى آخرون بقبائلهم، فيما انضم مقاتلو الميليشيات المهزومة إلى الإسلاميين. وساعدها استيلاؤها على أسلحة ثقيلة وشاحنات مزودة رشاشات ثقيلة ومدافع خفيفة وأخرى مضادة للطيران.
ومع توسع الإسلاميين، برز المتشددون في صفوفهم، فأغلقوا صالات العرض السينمائي ومنعوا مشاهدة مباريات كرة القدم، وأطلقوا النار على متظاهرين احتجوا على هذه الإجراءات، كما نفذوا أحكاماً بالجلد والإعدام، وحظروا مضغ القات والتدخين، ما حرك تذمراً في صفوف الصوماليين وأثار مخاوف دولية من قيام نظام "طالباني" النزعة في الصومال. غير أن هذه المخاوف عززتها إزاحة شيخ أحمد من زعامة "المحاكم" ليتولاها رجل الدين المتشدد الشيخ حسن ضاهر عويس زعيم "الاتحاد الإسلامي" الموضوع على لائحة الأمم المتحدة لداعمي الإرهاب والمتهم بصلات مع "القاعدة". وشكلت المحاكم مجلساً أعلى ضم آخرين قاتلوا في أفغانستان.
وتزايدت التقارير عن معسكرات سرية لتدريب مقاتلي "المحاكم" يشرف عليها أجانب من أعضاء "القاعدة"، على رأسهم "أبو طلحة السوداني" المطلوب في تفجيرات كينيا وتنزانيا، إضافة إلى تقارير أخرى عن مشاركة عرب وأفغان وباكستانيين واريتريين في القتال.
وزاد قلق الولايات المتحدة على خلفية هذه التطورات، إضافة إلى تزايد المخاوف في إثيوبيا من إثارة تمرد في إقليم "أوغادين" ذي الغالبية الصومالية الذي كان سبب حرب طويلة بين البلدين انتهت العام 1978 بهزيمة ساحقة للصومال. واعتبر الأميركيون عويس "انتهازي متطرف" يسعى إلى إقامة "الصومال الكبير" الذي يشمل جيبوتي وشمال شرقي كينيا وأوغادين ومنطقة "أرض الصومال" التي تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي. واتهمته باستخدام علاقاته مع "القاعدة" للدفع بهذه الأجندة. وأنشأت "مجموعة الاتصال الدولية حول الصومال" للبحث في احتواء الأزمة.
من جانبها استقبلت الولايات المتحدة الأمريكية نبأ سقوط مقديشيو في أيدي المحاكم الإسلامية بقلق شديد. واتهمت الولايات المتحدة "المحاكم الإسلامية" أيضا أنها تأوي ثلاثة على الأقل من عناصر تنظيم "القاعدة" يشتبه في أنهم كانوا وراء تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998 وكذلك التفجيرات التي استهدفت فندقا وطائرة مدنية إسرائيلية في ممباسا عام 2002، والمحاكم الإسلامية بدورها تنفي هذه التهمة.
ومثل سقوط مقديشيو في أيدي المحاكم الإسلامية صفعة لإدارة الرئيس بوش . فهذه الأخيرة ، أقامت رأس جسر في دجيبوتي لخوض الحرب على الإرهاب ، بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ويعتبر القرن الإفريقي أحد الميادين الرئيسة لمسرح العمليات بالنسبة للقيادة المركزية ، التي تدير من ولاية فلوريدا العمليات ضد القرصنة في البحر الأحمرأو تدريب حرس الحدود المحليين مع ائتلاف متكون من ستين بلدا.
بيد أن سيطرة المحاكم الإسلامية على مقديشيو لم تكن تعني نهاية زعماء الحرب الصوماليين الذين كانوا يتنازعون حول السيطرة السياسية والعسكرية على الصومال، كما أنه لا يمكن القول إنها تعني هيمنة الإسلاميين كلية على المسرح السياسي الصومالي، لكنها قد تكون بداية لصعود الإسلاميين وتراجع قوة زعماء الحرب الصوماليين.
لم تهضم الولايات المتحدة الأميركية سقوط العاصمة مقديشيو في شهرحزيران من العام الماضي على أيدي قوات " المحاكم الشرعية " التي هزمت الجبهة المسلحةالجديدة المتشكلة من أمراء الحرب ،التي أطلقت على نفسها اسم "التحالف لمكافحة الإرهاب و استعادة السلام" ، المدعوم من واشنطن .و اعتبرت أميركا في حينها أنها خسرت معركة لكنها لم تخسر حرب القرن الإفريقي.
ومنذ ظهور المحاكم الإسلامية على الخريطة السياسية في القرن الإفريقي، بدأ ت المقارنات تعقد بينها و بين تجربة طالبان في أفغانستان في بدايتها عندما استطاعت أن تزحف على أفغانستان بدعم من المخابرات الباكستانية في حينها ، مستغلة حالة الفوضى و الفراغ والاقتتال الداخلي الذي لا ينتهي بين مختلف زعماء القبائل و أمراء الحرب لتفرض نفسها كقوة مسيطرة قادرة على فرض الأمن في البلاد، حيث لا قت قبولا من الأفغانيين في وقتها.
وخوفا من استنساخ تجربة طالبان في الصومال ، و من أن يتحول هذا الأخير في ظل سيطرة المحاكم الإسلامية إلى قاعدة استراتيجية يمكن للقاعدة أن تستغلها في شن عمليات ضد القواعد الأميركية و الدول المجاورة، قامت إدارة الر ئيس بوش بتدشين حرب جديدة في القرن الإفريقي - تقودها بالنيابة عنها أثيوبيا- على الرغم من المآزق، و التراجعات ،و الفضائع ، التي تعاني منها في كل من أفغانستان ، و العراق، و لبنان .
ومنذ ظهور المحاكم الإسلامية في مقديشو عام ،2006 بدأت إثيوبيا تتوجّس خيفة منها، لأن دويلات المحاكم بدأت العمل على توحيد الصومال بعد أن فرّقته الحرب الأهلية إلى دويلات ومناطق عدة. وكلما كانت المحاكم تنجح في السيطرة على مدينة أو منطقة صومالية، كانت إثيوبيا تصعّد من لهجتها ضدها. وبعد أن تطور الموقف، مؤخراً، واتجهت المحاكم للسيطرة على بيداوا مقرّ الحكومة الصومالية المؤقتة، لم تمتلك إثيوبيا نفسها، فقررت الدخول في الحرب إلى جانب هذه الحكومة. وثمة في الواقع أسباب مباشرة وغير مباشرة دفعت إثيوبيا في هذا الاتجاه.
هناك أسباب داخلية ، و أخرى لها علاقة بالصراع الإقليمي في القرن الإفريقي ، أسهمت في إشعال الحرب الأثيوبية – الصومالية.
1-خوف إثيوبيا من تمكّن المحاكم الإسلامية من السيطرة على كامل أرض الصومال، وبناء دولة صومالية قوية وبالتالي حرمانها من المجال الحيوي الذي توفّره لها الآن أرض الصومال، لاسيما أن إثيوبيا وبعد أن اضطرت إلى إعطاء ارتيريا استقلالها عام ،1993 أصبحت دولة داخلية بلا منافذ بحرية، وأصبحت تضطر إلى استخدام المرافىء في جيبوتي أو الصومال لتصدير أو لاستيراد ما تريده من دول العالم. وقد استغلت إثيوبيا الفوضى التي أعقبها انهيار نظام الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري عام ،1991 فعقدت تحالفات مع بعض زعماء الحرب في الصومال بهدف جعل الصومال تحت حمايتها ما قد يعوّضها خسارتها لارتيريا. لكنها يئست من قدرة هؤلاء على بسط السيطرة على الصومال، ولذلك اتجهت إلى دعم الحكومة الصومالية المؤقتة التي تشكّلت بعد مرور عدّة سنوات من الفوضى. وأصبحت هذه الحكومة تابعة بشكل كامل لإثيوبيا بسبب دعمها لها بالمال والسلاح.
2-القتال الذي كانت تخوضه "المحاكم الإسلامية"في الصومال ضد خصومها المحليين المرتبطين بأثيوبيا و الولايات المتحدة الأميركية، ولاسيما ما تسمى الحكومة الصومالية المؤقتة للسيطرة على أرض الصومال.
3-استغلال ارتيريا دعم إثيوبيا للحكومة الصومالية المؤقتة، وبادرت هي إلى تقديم الدعم للمحاكم نكاية بغريمتها إثيوبيا. وأصبحت إثيوبيا وارتيريا تتقاتلان بالوكالة على أرض الصومال.
4-تذرع أثيوبيا بالدخول في الحرب بدعوى أن “المحاكم الإسلامية” تشكّل تهديداً لأمنها القومي.
5- رغبة الولايات المتحدة ودول الغرب في الحفاظ على وجود إثيوبيا كدولة مسيحية موالية للغرب في شرق إفريقيا.
وهكذا تحوّل الصراع الأهلي في الصومال إلى صراع إقليمي مفتوح قد تتدخل فيه دول أخرى ما قد يهدد أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي برمتها.
وأعلنت إثيوبيا في 24/12/2006 الحرب رسمياً على "المحاكم الإسلامية" في الصومال. ويحدث هذا التدخل الإثيوبي المكشوف في شؤون الصومال الداخلية على مرأى ومسمع من العالم، ولاسيما دول الغرب التي كانت تسارع دائماً إلى منع تدخّل الدول الصغيرة في سواها من الدول، لكنها اليوم لا تقف ساكتة أمام تدخل إثيوبيا الفاضح في شؤون داخلية لبلد آخر، بل تؤيد هذا الغزو رسمياً وتقف في وجه إصدار الأمم المتحدة قراراً بوقف الحرب، كما هي حال الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت تأييدها للحملة العسكرية التي تشنها إثيوبيا ضد المحاكم الإسلامية في الصومال، وعللتها بما تثيره التطورات فيها من مخاوف أمنية وباستجابتها لطلب الحكومة المؤقتة الصومالية.
الدعم الغربي لأثيوبيا ليس جديدا، بل إنه يمتد إلى الفترة ما بين 1887 و 1891 ، عندما قدّمت بريطانيا وفرنسا دعماً عسكرياً كبيراً لإمبراطور أثيوبيا منيليك(Menelik)، إذ تمكّن هذا الامبراطور بفضل هذا الدعم من قهر الإمارات العربية الإسلامية ، و مضاعفة مساحة أثيوبيا مستخدما في ذلك الأسلحة الفرنسية و الإيطالية، كما شارك منيليك مع بريطانيا و فرنسا و شإيطاليا في جهودها الرامية إلى تقسيم القرن الإفريقي، بأن تأخذ بريطانيا و فرنسا و إيطاليا السواحل الصومالية ، و تستولي أثيوبيا على أراضي الداخل بما فيها أوغادين . وبصفته مسيحيا، فقد سمح لمنيليك أن يحصل على أسلحة حديثة من أوروبا لاستخدامها في غزواته لآراضي الصومال(3).
ولعل ما يؤكد أن واشنطن شكلت الداعم الأساسي لحرب إثيوبيا على المحاكم الإسلامية، هو اندلاع الحرب بعد 6 أيام فقط على اعتبار واشنطن أن المحاكم أصبحت جزءا من تنظيم القاعدة، ووصف مسؤولين أمريكيين لقادتها بأنهم خطر على استقرار القرن الافريقي وأمنه، كما ترافقت الحرب مع تأكد وجود مخزون كبير من اليورانيوم في المناطق التي كانت القوات الإسلامية تسيطر عليها، وهو ما أدى لتخوف واشنطن من احتمال بيع المحاكم الإسلامية لليورانيوم لدول مناوئة لواشنطن.
وتعتبر الحرب التي اشتعلت مؤخراً بين أثيوبيا وتعداد سكانها 60 مليون نسمة ، وجارتها الصومال وسكانها عشرة ملايين نسمة ، من أكثر الحروب عبثية في التاريخ . فهي حرب لا أثنية ، ولا دينية ، ولا قبلية ، حرب بين بلدين هما من أكثر البلدان فقراً في العالم . بل إنها حرب ناجمة بالدرجة الرئيسية من عودة الولايات المتحدة إلى استخدام القوة في تلك المنطقة الحيوية من العالم، غير أن عودتها إلى المنطقة جاءت عن طريق حرب بالإنابة، استخدمت فيها إثيوبيا، وذلك لتورط واشنطن في العراق، ولما يمثله الصومال من ذاكرة سيئة في الذهنية الأمريكية بعد حادث التمثيل بجثث 18 من قوات المارينز عام 1992.
ويجمع المحللون السياسيون لشؤون القرن الأفريقي ، أن هذه الحرب المدمرة الأخيرة التي صورتها الولايات المتحدة أنها حرب للسيطرة على الإرهاب ، و ترجمتها أثيوبيا إلى غزو عسكري لكامل لأجزاء من الأراضي الصومالية ، و تنصيب حكومة مواليه لها و لواشنطن ، التي قامت بإنفاق ملايين الدولارات للتجهيزات العسكرية الأثيوبية ، وإعادة بناء قواتها العسكرية ، وكذلك حصولها مجاناً على آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية لجيشها للهجوم على الجبهات الصومالية، هو الحصول على موطىء قدم مباشرفي منطقة في غاية الإستراتيجية.
فالقرن الإفريقي هو منطقة جديدة غنية بالنفط.وهو يعتبر من أكثر مناطق إفريقيا إثارة لاهتمام الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية المباشرة . ويقف القرن الإفريقي عند مداخل البحر الأحمر و المحيط الهندي , و يقع على بعد عدة أميال من السعودية، و يطل على الممر اليومي لكميات كبيرة من ناقلات النفط و السفن الحربية عبر البحر الأحمر.
و بحكم موقعه الجيوبوليتيكي أصبح القرن الإفريقي مسرحا لصراعات إقليمية و دولية ، و عاملا في الاستراتيجيات العربية و الصهيونية في البحر الأحمر . و منذ الخمسينيات دأبت الدول الكبرى على إذكاء نار الصراعات في منطقة القرن الإفريقي و البحر الأحمر ، و منها بالذات الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي ( سابقا ) بسبب تعدد مشكلات القرن الإفريقي ، و تنوعها في إطار خصوصية القارة الإفريقية ، و هي مشكلات نشأت نتيجة الرواسب التاريخية التي مازالت قائمة ، و منها ما هو وليد مخلفات عصرنا الراهن كالخلافات العرقية و الدينية و الثقافية ، و المشاكل الحدودية و مستويات الحرمان التي يعيشها معظم سكان المنطقة و التحالفات المتعددة التي ساندتها الدول الكبيرة و شجعتها .
في هذه الحرب الجديدة تبدو أثيوبيا حليفة واشنطن الطرف الإقليمي الأقوى داخل الصومال. ونظرا لميلان ميزان القوى لمصلحة إثيوبيا ، فقد امتنعت اريتريا من التورط في النزاع الصومالي بصورة مباشرة، حيث خشيت اريتريا أن يتم استخدام هذا النزاع كذريعة من جانب إثيوبيا حتى تستطيع أن تضم بعض الأراضي التي تطالب بها منذ عام ،1991 لاسيما في ظل الدعم العلني من واشنطن لأديس أبابا.كما سعت كينيا للتدخل لوقف الحرب خوفا من انتقال التوترات على حدودها الشمالية الشرقية، وسعيا لتجنب ازدياد النفوذ الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي بعد أن تأكد أن واشنطن تصوغ أقوى تحالفاتها في المنطقة مع أديس أبابا على حساب بقية علاقاتها بدول المنطقة.
وكان الغربمتخوفا من تعاظم نفوذ "المحاكم الإسلامية" في الصومال، لاسيما وأن صعود الإسلام في الصومال يترافق مع نهضة إسلامية تمتدّ على نطاق واسع في دول العالم الإسلامي. وبالتالي، فإن نجاح المحاكم في الصومال سيؤدي إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية لمنطقة القرن الإفريقي، كما أنه سيشكّل دفعة قوية للمشروع الإسلامي العام، ما قد يُلحق ضرراً بالغاً بمصالح الغرب في العالم الإسلامي وفي العالم أجمع، لأن تدهور سلطة الغرب في منطقة من العالم سيؤدي إلى تدهور سلطته في مناطق أخرى. وهكذا سوف تتراجع سلطة الغرب العالمية.
ولذلك، وحفاظاً على مصالح الغرب في منطقة القرن الإفريقي والعالم، أعطت الولايات المتحدة والغرب الضوء الأخضر لإثيوبيا كي تتدخّل في الصومال وتقضي على “المحاكم الإسلامية”. لكن هل ستنجح إثيوبيا في هذه المهمة المصيرية بالنسبة لها وللغرب؟ هذا ما ستبيّنه الأحداث في المقبل من الأيام.
واعتبر عدد من الخبراء والمسؤولين الإقليميين أن طرد اتحاد المحاكم الإسلامية من مقديشو، وبالتالي تفكك تحالف الميليشيات الذي ظل حتى عيد الميلاد يحكم معظم الصومال يمثل البداية. ولكنهم حذروا أيضاً من أنه ما لم تتمكن قوات حفظ السلام الدولية من الانتشار بسرعة لدعم الحكومة الانتقالية القائمة حديثاً، فإن البلاد قد تنزلق إلى الفوضى التي كانت السبب الأول لمجيء المحاكم الإسلامية إلى السلطة.
وقالت كارين فون هيبّل مسؤولة الأمم المتحدة السابقة عن إعادة الإعمار في الصومال وتعمل اليوم في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن، إن "المجتمع الدولي يحتاج لأن يثب إلى هناك بسرعة".
و قالت هيبّل إن هناك درساً واحداً يجب أن نتعلمه من أفغانستان وهو الحاجة إلى القيام “بالعمل الصعب من أجل بناء وإرساء دعائم الحكم والمؤسسات”. وأضافت أن الفشل في فعل ذلك في أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان عام 2001 مكّن مقاتليها من إعادة التجمع وإطلاق التمرد المستمر إلى اليوم. ورأت أن الحكومة الانتقالية تحتاج “لأن تجلس بسرعة مع القادة المعتدلين” لاتحاد المحاكم و”ضم ما يمكنها منهم إلى الحكومة”.
لم تجد المحاكم الشرعية نصيراً حقيقياً في العالم، فقد تصرفت الادارة الامريكية على نحو يجيز الغزو الاثيوبي، بل ان الادارة الامريكية أوعزت الى دبلوماسييها بعدم الادلاء بتصريحات تتعلق بالاوضاع الناشئة في الصومال، مؤيدة الغزو الاثيوبي بوصفه دفاعاً عن النفس، وعلى خط متصل تُرك الموقف العربي لجامعة العرب المعوّقة والتي تحركت باتجاه المطالبة بوقف اطلاق النار، وانتظم معها على الخط الاتحاد الافريقي كنوع من براءة الذمة، فالجامعة والاتحاد لا يقلقان اثيوبيا لأنهما غير قادرين على اتخاذ أي اجراء يضر اثيوبيا من قريب أو بعيد، وبالتالي فإن ما يفعلانه لا يعدو أن يكون نوعاً من الطبطبة على الرؤوس الساخنة في الساحة الصومالية.
4-أمركيا و"درس الصومال"
يمكن النظر إلى تلك الحرب الخاطفة على أنها جزء من حرب واشنطن على الإرهاب، والتي تمثل أساسا تطبيقا عمليا لخطة "القرن الأمريكي"التي تستهدف الإبقاء على السيادة الأمريكية خلال القرن المقبل من خلال تصفية "نقاط التوتر" فيه، ولاسيما في أكثر أقاليم العالم حيوية (الشرق الأوسط).
ولذا يلاحظ أن واشنطن أعاقت صدور قرار في مجلس الأمن يأمر الأطراف بوقف إطلاق النار في الصومال على الرغم من تبني غالبية الدول لمثل هذا القرار، حيث كانت ترغب واشنطن في أن تتمكن حليفتها الرئيسية في القرن الإفريقي إثيوبيا من الإطاحة بقوات المحاكم الإسلامية خارج العاصمة، وإن أمكن تدميرها تماما قبل إصدار مثل ذلك القرار، وقبل أن تدعو للمفاوضات بين الطرفين.
بل سمحت واشنطن بعد ذلك للقوات الإثيوبية بالزحف على مدينة كيسمايو المعقل الأخير للمحاكم، فيما وصف بالمحاولة ل “تصفية” المحاكم الإسلامية بصورة تامة، أو “لكي تصبح المحاكم الإسلامية منتهية وغير موجودة” وفقا للتعبير الرسمي الإثيوبي.
ويلاحظ هنا أن الولايات المتحدة فشلت في استخدام الدبلوماسية لاحتواء الأزمة الصومالية، حيث دعمت واشنطن المفاوضات بين المحاكم الإسلامية والحكومة، قبل أن تستخدم الدعم المادي للحكومة الصومالية إلا أن المحاكم استمرت في التقدم نحو العاصمة مقديشو.
بعد أعوام في قلب الصراع واللعب من أجل السيطرة على السلطة في منطقة القرن الافريقي أصبح رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي وحليفه الرئيس الصومالي عبدالله يوسف أحمد وخصمهما اللدود الزعيم الإسلامي شيخ حسن ضاهر عويس ،اللاعبون الأساسيون في الصراع الذي يخشى كثيرون أن يمتد في شتى أنحاء المنطقة. فهم يعرفون بعضهم بعضاً بشكل جيد للغاية ومن جديد يضعون مهاراتهم العسكرية في مواجهة في الحرب المندلعة بالصومال.
فإثيوبيا مثلا المتهمة بإرسال حوالي عشرة آلاف من جنودها لدعم الحكومة الانتقالية في الصومال تريد عدم التفريط في إقليم "الأوجادين"الذي اقتطعته من الأراضي الغربية للصومال، وتسعى إلى تفشيل أي نظام حكم ذي توجهات قومية أو إسلامية في البلاد، وتعمل على تكريس يدها الطولى في القرن الإفريقي، باعتبارها الدولة التي تحاول دوائر غربية تنصيبها كعنصر ضبط لكثير من مفاصل المنطقة، وثمة مجموعة من المؤشرات تؤكد أهمية أديس أبابا، أبرزها كثرة المساعدات الاقتصادية التي تدفقت عليها في الأعوام الماضية، مقارنة بدول أخرى في الإقليم، في حين لا يزال نظامها السياسي مليئا بالثغرات والعثرات ويواجه تحديات هيكلية لا تتناسب مع إمكانياته العملية.
ويرى محللون ان الدعم الاميركي للغزو الاثيوبي للصومال يمثل فشلاً آخر لواشنطن في استخدام الديبلوماسية، بدل القوة العسكرية، في التعامل مع التهديدات الإسلامية لحلفائها المعتدلين.وقال الخبير في الشؤون الافريقية في مجموعة الازمات الدولية جون برينديرغاست ان الولايات المتحدة "تتبنى السياسة العسكرية فقط في الصومال الخالية من اي عناصر لبناء السلام". ولفت الى ان ديبلوماسيين اميركيين غابوا عن معظم المبادرات الديبلوماسية التي جرت اخيرا وقادها الاتحاد الاوروبي هذا الشهر لاحياء المحادثات في شأن تقاسم السلطة بين الجانبين المتنازعين في الصومال. واضاف ان النتيجة كانت ان "اثيوبيا والمحاكم الاسلامية تعتقد ان الولايات المتحدة تدعم الحل العسكري في الصومال مما يزيد الاوضاع المتوترة تفاقماً ويجعل السلام حلما بعيد المنال".
وتظل الحكومة الصومالية الموالية لأثيوبيا لكثير من الصوماليين حكومة فرضها الغرب تعتمد على القوة العسكرية لإثيوبيا في صعودها المفاجئ. كما تتعين عليها أيضا مجابهة ظهور زعماء الميليشيات المسلحة مجددا الذين تراجعوا خلسة إلى الخلف بعد أن هزم مقاتلو المحاكم ميليشياتهم في وقت سابق من العام الماضي. وقد يجدون أيضا أن مسلحي المحاكم ينتهجون نمط حرب العصابات الدائرة في العراق ويستحثون "المجاهدين" الأجانب المتطلعين إلى هزيمة “الغزاة المسيحيين”.
وقال مات برايدن الخبير في شؤون الصومال إن الحكومة بحاجة ماسة إلى طلب العون من عشيرة هاويي التي ينتمي إليها كبار قادة المحاكم الإسلامية والتي شعرت أنها استبعدت من العملية التي دعمها الغرب وأسفرت عن تشكيل الحكومة عام ،2004 مشيرا إلى أن "الأولوية الكبرى هي للمصالحة وليس التهدئة.. المسألة حاليا هي إدراج قبيلة هاويي وعقد اتفاق يضم قيادة من هاويي تتمتع بالمصداقية إلى الحكومة".
وحظيت فكرة تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة بتأييد حذر من جانب واشنطن واديس ابابا. وحثت الولايات المتحدة الحكومة على التعامل مع كل الأطراف السياسية في الصومال ومن بينهم أعضاء مجلس المحاكم الإسلامية المهزومون الذين قد يرغبون في التعاون.
على هذا الأساس، يمكن القول إن مصالح دول الجوار وتعقيداتها هي أحد مرتكزات الفوضى والاستقرار في الصومال، ومادامت هذه المصالح غير واضحة ولها امتدادات متنوعة وخيوطها متشابكة مع دوائر إقليمية وأخرى دولية، فلن ينعم الصومال بشيء من الهدوء والأمن ما لم تتوافر ثلاث قواعد رئيسية: الأولى خروج أي قوات أجنبية من الأراضي الصومالية والالتزام بحظر السلاح الذي فرضه مجلس الأمن منذ سنوات على البلاد، والذي تم خرقه على نطاق واسع في الآونة الأخيرة، والثانية تغليب المصلحة الصومالية على كل الحسابات الإقليمية وتقاطعاتها الدولية، فانتشار الفوضى سوف تكون له تداعيات سلبية على الجميع، بحكم التداخلات الاجتماعية وحساسياتها الإقليمية وضعف البيئة السياسية في غالبية دول الجوار، لأن سيناريو التفكك أخطر من سيناريوهات الوحدة على القرن الإفريقي، والثالثة رعاية مصالحة وطنية توافقية بين كل القوى السياسية وبالتعاون والتنسيق مع المنظمات الإقليمية المختلفة.
لذا فإن السيناريو المرجح للصومال يشير إلى احتمال أن تتحول المحاكم الإسلامية من تنظيم موحد إلى عدد كبير من الخلايا العنقودية التي تفتقد الإدارة المركزية ويصعب التحكم فيها، وهو ما تؤكده تصريحات الشيخ شريف أحمد قائد "بالاعتماد على حرب طويلة الأمد ضد القوات الإثيوبية لأن ذلك أكثر ملاءمة من التصدي للإثيوبيين.
وبذا فإن القرن الافريقي سيتحول- وخلافا للرغبة الأمريكية- إلى منطقة تشكل مناخا ملائما لنمو المناخ المتطرف حيث سيتسم المناخ فيها بحالة شديدة من الفوضى، تختلف كثيرا عن الفوضى الخلاقة التي تتمناها واشنطن، لاسيما بعد أن أصبح الكثير من الصوماليين يرون الكثير من الإيجابيات في تجربة حكم المحاكم الإسلامية حيث اختفى خلالها التناحر بين أمراء الحرب السابقين واستعادت العاصمة الكثير من أمنها المفقود.
كما ستسمح الحرب الأخيرة بتولد مواجهات إقليمية واسعة في منطقة القرن الإفريقي في المستقبل القريب، حيث رأى العديد من الخبراء أن كل أطراف القرن الإفريقي توترت بدرجة أو بأخرى في النزاع الأخير، وأن بعضها ساهم في زيادة اشتعاله ووصوله إلى مرحلة المواجهات العسكرية، حتى إن مسؤولا أوروبيا أكد أن كل دول المنطقة تورطت في النزاع الصومالي ماعدا جيبوتي.
كما ازدادت التوترات بصورة ملموسة بين اريتريا وإثيوبيا، حيث اتهمت الأولى الثانية بالتسبب في الحرب، بل أكد كثيرون أن الحرب الأخيرة كانت بمثابة حرب بالإنابة بين إثيوبيا التي تدعم القوات الحكومية واريتريا التي تدعم المحاكم الإسلامية.
ويلاحظ هنا أن عدم تكافؤ ميزان القوى لصالح إثيوبيا منع اريتريا من التورط في النزاع الصومالي بصورة مباشرة، حيث خشيت اريتريا أن يتم استخدام هذا النزاع كذريعة من جانب إثيوبيا حتى تستطيع أن تضم بعض الأراضي التي تطالب بها منذ عام ،1991 لاسيما في ظل الدعم العلني من واشنطن لأديس أبابا.
كما سعت كينيا للتدخل لوقف الحرب خوفا من انتقال التوترات على حدودها الشمالية الشرقية، وسعيا لتجنب ازدياد النفوذ الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي بعد أن تأكد أن واشنطن تصوغ أقوى تحالفاتها في المنطقة مع أديس أبابا على حساب بقية علاقاتها بدول المنطقة، هذا فضلا عن محاولات العديد من الأطراف الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية التدخل لوقف النزاع.
ويشهد تاريخ التدخل الأمريكي في الصومال، على أن الولايات المتحدة كانت تتدخل انطلاقاً من مصالحها وغاياتها، لا من أجل منفعة الشعب الصومالي. وفي حقيقة الأمر كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يعاملون الصوماليين بازدراء وقليل من الاهتمام برفاههم. وقد أمضيتُ قبل عشرين سنة، حين كنتُ خرّيجاً جديداً، ستة أشهر، وأنا أعمل مع اللاجئين في الصومال، كجزء من اتفاقية ثلاثية بين الأمم المتحدة، والحكومة الصومالية، ومنظمة غير حكومية. وفي ذلك الوقت، كانت شركة النفط الأمريكية أموكو، تنقب عن النفط في شمال الصومال وقبالة شواطئها.
الهوامش:
(1)-عبد الله عبد المحسن السلطان، البحر الأحمر و الصراع العربي-الإسرائيلي- التنافس بين استراتيجيتين-مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، الطبعة الأولى آب/ أغسطس 1984,(ص151).
(2)- يحيى غانم ، نظرة الى الدور الاثيوبي في الصومال في جلسة مع ميليس زيناوي، صحيفة الحياة - 26/01/07//
(3)- عبد الله عبد المحسن السلطان، مرجع سابق (ص150).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.