يبدو أن المشهد السياسي ازداد ضبابية إلى حدّ انعدمت فيه الرؤية وتهاوت فيه القيم وسقطت الأقنعة بشكل أصبح يثير التساؤلات خاصة أن بعض التصرفات الغريبة طغت على التعاملات بين مختلف الأطراف بما ساهم في توتير الأجواء في ساحة تعاني بطبعها من الاحتقان ولا تحتمل المزيد من صبّ الزيت على النار في مشاهد تبدو استفزازية في كثير من الأحيان. ما كدنا ننسى وتلفظ ذاكرتنا عبارة أبو يعرب المرزوقي «إن السياحة بغاء سري» والتي «أطلقها» أثناء مؤتمر النهضة الأخير وما تبعها من جدل أسال الكثير من الحبر حتى وجدنا أنفسنا أمام مصطلح «جمهورية الموز» التي فاجأ بها النائب محمود البارودي الحاضرين لتتحول الجلسة إلى حلبة صراع أساء كثيرا إلى صورة تونس. ومثلت هذه «الطلعات» والمشاهد التي تزايدت مع مرور الأسابيع ضربة موجعة لديمقراطيتنا الناشئة التي مازالت «غضة» و»طرية» و»تحبو» ولا تحتمل التدخلات الاستفزازية من هذا الجانب أو ذاك وإنما تحتاج فقط إلى عقلانية وروية من مختلف الحساسيات باعتبار أن المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا تستوجب حنكة وحكمة وتفكيرا في تداعيات مختلف التجاوزات بعيدا عن إشعال فتيل الخلافات في مجتمع لم يحقق بعد الاستقرار الفعلي. إنها انفلاتات كلامية غير مدروسة وليست محسوبة العواقب ينخرط فيها أحيانا بعض المسؤولين الحكوميين وربما لا يعلم أصحابها أن «الكلمة كالرصاصة إذا خرجت لن تعود» بل إنها قد تنتشر «شظاياها» في كل الاتجاهات لتصيب وتجرح ولا يمكن وقتها حصر ردّات فعل «المجروحين» والغاضبين وكم من تدخل داخل المجلس التأسيسي أو تصريح خارجه أدّى إلى تعكير الأجواء ولم ينفع معه أي «دواء». غير أن ما نتمناه هو أن تدور جلسة التأسيسي ليوم غد في إطار هادئ وبناء. وفي ظل ما نعيش على ايقاعه من أحداث متواترة وتصريحات متضاربة واتهامات متبادلة يتعين على الحكومة التعاطي مع مختلف الملفات بوضوح وشفافية وكشف مختلف الحقائق ومعالجتها بما يساهم في تهدئة الأجواء ورأب الصدع ويمثل رسالة طمأنة للرأي العام. كما انه يتحتم على المعارضة التعامل بإيجابية والترفع عن بعض الممارسات بما ينسينا لامبالاتها وتجاوزاتها ويثبت دورها ويلمع صورتها. فأحذروا رصاص الكلمات الذي يفوق في كثير من الأحيان رصاص الرشاشات.