هو أبو المنذر، أو أبو الطفيل، أبي بن كعب بن قيس، الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة وبدار، وهو أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، وقد أثنى عليه عمر رضي الله عنه قال «أبي سيد المسلمين» وقد اختلف في وفاته على أقوال كثيرة، والأكثر أنه مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كان سيد القراء، وأحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم «وأقرؤهم أبي بن كعب» وليس أدل على جودة حفظه لكتاب الله تعالى من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الترمذي بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا" قال: «الله سماني لك؟ قال نعم فجعل أبي يبكي» وفي رواية أنه قيل لأبي: وفرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني وهو يقول «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فيلفرحوا هو خير مما يجمعون» (يونس آية 58) وروى الشعبي عن مسروق قال «كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، وأبي، وزيد، وأبو موسى». كان من أعلم الصحابة بكتاب الله تعالى، ولعل من أهم عوامل معرفته بمعاني كتاب الله، هو أنه كان حبرا من أحبار اليهود، العارفين بأسرار الكتب القديمة وما ورد فيها، وكونه من كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بالضرورة يجعله على مبلغ عظيم من العلم بأسباب النزول ومواضعه، ومقدم القرآن ومؤخره، وناسخه ومنسوخه، ثم لا يعقل بعد ذلك أن تمر عليه آية من القرآن يشكل معناها عليه دون أن يسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهذا كله عد أبي بن كعب من المكثرين في التفسير الذين يعتد بما صحّ عنهم، ويعوّل على تفسيرهم، كثرت الرواية عنه في التفسير وتعدّدت طرقها، وتتبع العلماء هذه الطرق بالنقد، فعدلوا وجرحوا، لأنه كغيره من الصحابة لم يسلم من الوضع عليه. ومن أشهرها (1) طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي رضي الله عنه، وهذه طريقة صحيحة، وقد ورد عن أبي، نسخة كبيرة في التفسير، يرويها أبو جعفر الرازي بهذا الإسناد إلى أبي، وقد خرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا، وأخرج الحاكم منها أيضا في مستدركه، والإمام أحمد في مسندة. (2) طريق وكيع عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، وهذه يخرج منها الإمام أحمد في مسنده، وهي على شرط الحسن، لأن عبد الله بن محمد بن عقيل وإن كان صدوقا تكلم فيه من جهة وحفظه، وقال الترمذي في سننه: «عبد الله ابن محمد بن عقيل، هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن اسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل، واسحق بن إبراهيم، والحميدي، يحتجّون بحديثي عبد الله بن محمد بن عقيل، قال محمد - يعني البخاري - وهو مقارب الحديث، ونص الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد على أن حديثه حسن...