تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين يثيرون التهم للمصحف يفتقدون للموضوعية والإيمان : سلمان العودة
نشر في الفجر نيوز يوم 26 - 08 - 2009


- الإعجاز في حفظ السنة والقرآن
- بين أركون ومحمد عابد الجابري!
- مناشدة خادم الحرمين بإنشاء متحف للمصحف
- دور المرأة في حفظ القرآن
- بعض المعتكفين يرفعون شعار "الفوضى ها هنا"
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" أن هناك خارطة طويلة جداً من الافتئات التي أتت بها مدارس كثيرة من المستشرقين والعرب بإثارة التهم حول جمع المصحف، مشيراً إلى أن هؤلاء بعيدين كل البعد عن الموضوعية والإيمان الذي يمكن أن يحملهم على فهم هذه الأمور على شكلها الصحيح.
وقال الشيخ سلمان في حلقة أمس الثلاثاء من برنامج "حجر الزاوية"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "المصحف" إن بعض المستشرقين، والكتّاب العرب من أمثال محمد أركون وغيرهم الذين يتكلمون عن القرآن، هم بعيدون كل البعد عن لغة العرب وعن ثقافة القرآن،والإسلام، وعن قراءة الواقع كما كان، فضلاً عن أنهم لا يلتزمون بالحيادية والموضوعية.
حفظ السنة النبوية
وتابع الشيخ سلمان : ومع ذلك فلننظر إلى حفظ السنة النبوية كيف ضبطوها، وكيف أتقنوها، واشترطوا في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم؛ الإسناد، وأن يكون الإسناد متصلاً، وأن يكون الرجال كلهم ثقات عدول، وأن يكونوا متعاصرين، وألا يكون شاذاً , وألا يكون معللاً، وتوفر لذلك الأئمة والجهابذة والعلماء وصنفوا المصنفات المبكرة جداً .
متسائلا ً إن كان كل هذا الجهد والحرص الكبير في تدوين السنة فما بالنا بكيف كان الاهتمام بالقرآن الكريم؟!
وتابع الشيخ سلمان : ففي المئة الأولى كُتب بل حتى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحيفة الصادقة صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة، فهناك الضبط والإتقان حتى عاش لها الجهابذة وأُلفت الكتب الصحاح والمسانيد والمعاجم لحفظ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بينما لو أتينا إلى كتب أهل الكتاب الموجودة اليوم لم نجد عندهم رواية واحدة تروى بالإسناد المتصل، حتى في كتبهم المقدسة فضلاً عما سوى ذلك من الروايات عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- .
غاية السخف
وأكد الدكتور العودة أن ما كتبه المستشرقون هو بعيد كل البعد عن الموضوعية وبعيد عن الصدق، فهم لا يفقهون ويفتئتون حتى إن أحدهم يقول عندما يقرأ مثلاً (ألم) أو (كهيعص) : هذه ليست من القرآن وإنما هذه أسماء الصحابة -رضي الله عنهم- الذين يملكون المصاحف !، وهو كلام في غاية السخف دون أن يُكلّف نفسه أن يجد مستنداً تاريخياً أو مرجعاً ولو ضعيفاً أو حتى مكذوباً أن يكون سبقه إلى مثل هذه التهم والأشياء الضعيفة .
وأضاف فضيلته: هم لا يدركون كيف الإعجاز الذي جعله الله تعالى أن لغة العرب تحتوي هذا القرآن، وأن يستوعبه الصحابة بهذه السرعة حفظاً، ثم كيف لهذه الأمة الأميّة التي يقول الله -سبحانه وتعالى- (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ)، أن تطورت بهذه السرعة الهائلة، ولا غرابة عندما يقول -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا » .
وذكر الشيخ سلمان أنه يلاحظ أنه في وقت كان أوائل هذه الأمة أميين في الخط والكتابة إلا أنهم تحوّلوا إلى عباقرة في الأخلاق، ومن ذلك الاعتراف بالأميّة ذاتها وهو مبدأ عظيم يوحي بالقدرة على معرفة الذات وتطويرها، وكذلك القدرة على اكتساب الجديد، فقد كانوا أمناء على ما ائتمنهم الله -تبارك وتعالى- عليه.
بين أركون ومحمد عابد الجابري!
وتعقيباً على رسالة، تقول : ما تعليقكم على ما يكتبه الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه (المدخل لفهم القرآن) وما سواه، قال الشيخ سلمان: لقد قرأت سابقاً كتابه فيما يتعلق بجمع القرآن، ولا شك أن النتائج التي توصّل إليها غير صحيحة وغير مرضية لمن يقرأ جيداً في تاريخ القرآن وضبطه وإتقانه، وهذه النتائج بحاجة إلى تصحيح.
وأعرب الشيخ عن اعتقاده بإمكانية قبول الجابري للتصحيح ؛ لأنه لا يوجد في أسلوبه تلك الروح العدائية أو ذلك التهجّم البعيد عن الموضوعية الذي تجده عند المستشرقين أو عند أمثال محمد أركون.
وأضاف فضيلته: ومع ذلك فإن هناك عدداً من الالتباسات التي حدثت له لعجزه عن استيعاب وجود القرآن مكتوباً كاملاً ووجود القرآن منطوقاً عند جماهير الصحابة وإجماعهم في الجملة عليه، مشيراً إلى أن أيّ روايات ضعيفة تأتي هنا أو هناك لا يُلتفت إليها لأن هذه قد تكون من المنسوخ، وقد تكون مما يلتبس على الناس فيما بين القرآن وغيره.
العصمة لإجماع الصحابة
وأوضح الشيخ سلمان : أن الصحابيّ الواحد قد يُخطئ، فالصحابي ليس معصوماً ؛ ولهذا عثمان -رضي الله عنه- أحرق المصاحف لأن الصحابيّ قد يُثبت ما كان منسوخاً وقد ينفي شيئاً كما نُقل عن ابن مسعود -رضي الله عنه- لكن العصمة لإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- هذا الإجماع الذي تمثّل في المصحف الإمام في عهد أبي بكر ثم تمثّل في عهد عثمان -رضي الله عنه- بالمصاحف التي وُزعت على الأمصار.
أبوبكر..وجمع القرآن
وردا على سؤال حول: لماذا احتاج أبو بكر -رضي الله عنه- بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة أخرى إلى جمع القرآن؟، قال الشيخ سلمان:
لأن أبا بكر -رضي الله عنه- عندما أرسل القرّاء لقتال المرتدين، قُتل من القرّاء سبعين شهيداً، فخشي أبو بكر -رضي الله عنه- ضياع شيء من القرآن، وهذه الخشية هي دافع وحافز لجمع القرآن الكريم وتأويل قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فإذا تكفّل الله بنصر الدين أو بحفظ القرآن هذا ليس معناه أن ملائكة سوف يقومون بهذا العمل، وإنما معناه أن الله تعالى يُقيّض البشر لهذا العمل ويُسهله لهم ويُلهمهم الرشد والصواب فيه .
فأبو بكر رضي الله عنه طرح على عمر -رضي الله عنه- وعلى أهل الشورى من الصحابة -رضي الله عنهم- فكرة جمع القرآن الكريم وما زال يشرح لهم الفكرة فكانوا يتخوفون من عدة أشياء، بعضهم يقول : شيء لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعضهم كانوا يقولون : إن القرآن لو جُمع في كتاب واحد فإن هذا قد يجعل الناس يتساهلون في الحفظ ويتكلون على هذا الكتاب الموجود؛ شأن ذلك شأن أي شيء مشروع جديد يتشاورون عليه.
ضوابط الجمع
وأضاف فضيلته : ثم شرح الله صدورهم له واتفقوا على اختيار زيد بن ثابت ومجموعة من الصحابة وأعطوهم التعليمات والإرشادات في جمع القرآن وفي ضبطه، فبدأ هؤلاء يجمعون القرآن من العسب وصدور الرجال واللخاف وغيرها وهنا كانت ضوابطهم في الحفظ في غاية الجودة والإتقان، فقد كانوا يشترطون أن يوجد القرآن مكتوباً بحيث يجمعون هذا القرآن المتفرق من الصحابة -رضي الله عنهم- وفي الوقت ذاته يشترطون أن يكون مقروءاً بحيث يجتمع فيه القرآن ويجتمع فيه الكتاب.
التوثق من الوثائق!
وأردف الدكتور العودة : ولذلك عندما قال زيد إن آخر سورة التوبة : قوله تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)، ما وجدها إلا عند خزيمة بن ثابت، حيث كان هناك تركيز على التوثّق عندهم حتى من الوثائق فمع أنها وثائق من الصحابة -رضي الله عنهم- إلا أنهم كانوا يطلبون توثيق هذه المعلومات والوثائق والتأكد منها.
وأوضح أنه على الرغم من كونها محفوظات عندهم، لكنهم كانوا يتأكدون أن هذه النسخة نسخة أصلية للمكتوب، وفي الوقت ذاته فهم يحفظون القرآن في صدورهم، فقد كان زيد بن ثابت من الحفاظ، وكذلك أنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم-.
دور المرأة في حفظ القرآن
وبذلك جمع أبو بكر -رضي الله عنه- هذا المصحف وكان عنده في حياته ثم عند عمر -رضي الله عنه- بعد ذلك ثم عند حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- وكانت قارئة للقرآن ومجودة ومتقنة، وهذا فيه معنى جميل أن يكون الوارث الثالث للكتاب العظيم المقدّس حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- ويكون القرآن عندها حتى احتاج إليه عثمان -رضي الله عنه- فأخذه منها، وهذا يوحي بمكانة المرأة ودورها في حفظ القرآن ودورها أيضاً في حفظ الإسلام.
شجاعة عثمان وحكمته
وفيما يتعلق بجمع عثمان بن عفان رضي الله عنه القرآن في مصحف واحد، قال الشيخ سلمان : إن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، تميز بالشجاعة عندما شرع في جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، وقام بإحراق ما سوى ذلك من المصاحف، مشيراً إلى أن عثمان -رضي الله عنه- بجمعه القرآن في مصحف واحد قطع دابر الاختلاف، حيث كان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- عندهم مصاحف جزئية، لم تخضع للمراقبة الجماعية.
وأضاف فضيلته : كان ابن مسعود عنده مصحف خاص به لكنه لم يخضع للمراقبة الجماعية والمؤسسية، حيث كان اجتهاداً؛ ولذلك يقال إن فيه مئة وست عشرة سورة، كما أن أُبيّ بن كعب كان عنده مصحف ويقال أنه في مصحف أُبيّ كان هناك سورة الحفد التي في دعاء القنوت، وهكذا عبد الله بن قيس، أبو موسى الأشعري، مشيراً إلى أن هذه المصاحف هي مصاحف شخصية وبقاؤها يضر بالمصحف الأصلي الذي اتفق الجميع عليه واعتبروه مرجعاً.
وأردف الدكتور العودة : فكان من حكمة عثمان -رضي الله عنه- أنه أمر بإحراق ما سوى ذلك من المصاحف حتى يكون هناك نوع من الحفظ والضبط والإتقان والجماعية على مرجعية هذا المصحف الجديد وهذا النص الجديد، وهذا هو الذي وصلنا الآن، حيث ترسّم هذا المصحف وترسّمت اللغة العربية لأن تكون هي حاضنة القرآن الكريم ومستوعبة النص الرباني المقدّس، وبذلك أصبح له السيادة على العقلية والثقافة العربية بدلاً من النص الشعري الذي كان في الجاهلية قبل ذلك .
لم الشمل
وأوضح فضيلته أن عثمان احتاج إلى لم شمل الصحابة ليُعيد كتابة المصحف مرة أخرى، لأن القرآن كان مجموعاً بالفعل في عهد أبي بكر عندما خشي من موت القرّاء، وأصبح مضبوطاً متقناً، ولكن بسبب انتشار الناس في الأمصار وفي المغازي والفتوح ودخول أناس جدد في الإسلام أصبح هناك نوع من الاختلاف عندهم بسبب أن هذه النسخة ليست معممة على العالم الإسلامي، فأصبح أناس يقرؤون بقراءة والآخرون يُخالفهونهم حتى كاد الناس أن يقتل بعضهم بعضاً وأن يُكفّر بعضهم بعضاً بسبب عدم وجود مرجعية لقراءة القرآن الكريم .
نسبة إلى عثمان وليس الدولة العثمانية
وأضاف فضيلته أن عثمان طلب من أُبيّ بن كعب مرة أخرى أن يقوم بعملية المراجعة والضبط، ولذلك سمي بالرسم العثماني نسبة إلى عثمان -رضي الله عنه-، وذلك على خلاف اعتقاد البعض بأن تسميته نسبة إلى الدولة العثمانية، لافتاً إلى أن عثمان لم يكتب المصحف بيده وإنما أمر زيداً ومن معه أن يكتبوه وأن يستدرجوا ضمن كتابة القرآن ما يمكن للرسم أن يستوعبه من القراءات لأنه هناك القراءات السبع التي نزل بها القرآن تخفيفاً، فالقرآن نزل والأمة فيها الشيخ الكبير والعجوز والصغير ومن لا يستطيع أن يتقن القراءة فكان في القرآن نوع من السعة والتخفيف في القراءات السبع .
وأردف: إن مصحف عثمان كان مستوعباً لما يمكن استيعابه من القراءات السبع لأنه لم يكن فيه النقط والإعجام وكذلك التشكيل (الضمة والفتحة والكسرة ) فكان هذا يسمح بأن يستوعب أكثر من قراءة، وهكذا عمل عثمان -رضي الله عنه-.
قرآن أم مصحف ؟!!
وفيما يتعلق بالفرق بين المصحف والقرآن، قال الشيخ سلمان: إن المصحف مأخوذ من الصحف، فهو المجلد الذي يجمع الصحف، والتي هي جمع صحيفة، وعلى ذلك فهي كلمة عربية، وإن كان البعض يقول إنها حبشية وهو الاسم الرسمي الذي أصبح يُطلق على القرآن المكتوب اسم المصحف ولا يثبت في ذلك حديث مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن كان الصحابة يتعاطونه حتى كان يسمون المصحف الموجود في المدينة عاصمة الخلافة يسمونه بالمصحف الإمام والمصاحف الأخرى يسمونه بغير ذلك.
وأضاف فضيلته أن الكتاب الذي أنزله الله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- يجمع اسمين : الاسم الأول اسم "القرآن"، في سورة البقرة مثلاً ذكر الله تعالى في مواضع القرآن لكن في البداية قال : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ)، ولفظ القرآن جاء في مواضع مثل قوله -سبحانه وتعالى- : (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً)، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، وكذلك في السنة النبوية : « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ »، إلى غير ذلك .
وعد من الله
وأردف : وعلى ذلك ف"الكتاب"، و" القرآن"، كلاهما اسم للمصحف فهو يسمى "كتاباً": باعتباره مكتوباً كما يسمى قرآنا أيضا . كما أن الله عز وجل تعهد بحفظه مكتوباً، يقول تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، كما أن في الآية دعوة إلى المسلمين لحفظه لأن قوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وإن كان وعد من الله إلا أن فيه دعوة المسلمين إلى الاقتداء بهذا الوعد والعهد الإلهي وإلى تنفيذه وهكذا فعل أبو بكر حينما خشي أن يضيع القرآن بموت القرّاء، فهذا هو حفظ القرآن مكتوباً على الورق وبذلك يُسمى كتاباً، كما أن هناك حفظه منطوقاً مقروءاً بالألسن.
ولذلك تقول : "قرأت القرآن"، وغالباً في القرآن يأتي الأمر هكذا مطرداً، فإذا ذُكرت القراءة مع الكتاب كان لها معنى خاصاً، فعندما يقول الله -سبحانه وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) (يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ) لم يقل " يقرؤون القرآن " لأنه لم يكن المقصود يقرؤون هذا القرآن وإنما يقرؤون الكتب، المقصود الكتب السماوية، أو أنهم يقرؤون القراءة والكتاب يسمى الكتابة أحياناً بمعنى أنهم ليسوا أميين وإنما كانوا متعلمين .
وعلى ذلك فهو "المصحف" الذي يجمع الصحف وهو "القرآن" الذي يُحفظ مقروءاً يُهذّ على الألسن وهو "الكتاب" الذي يُحفظ مكتوباً في الورق وغيرها، وكل ألوان الحفظ الحديثة .
تدوين القرآن
وفيما يتعلق بمرور عملية تدوين القرآن الكريم بعدة مراحل، قال الشيخ سلمان :
نعم هناك مراحل للتدوين، والذي يقرأ قراءة واعية متبصرة يجد أن الأمر في غاية الإعجاز، و الوضوح، والعظمة ولكن طول العهد، ووجود بعض القراءات والدراسات غير المتخصصة أو المغرضة يجعل إبراز هذا الجانب أمر مهم .
وأضاف فضيلته أنه في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان القرآن الكريم موجوداً ومحفوظاً عند الناس، فالنبي نفسه -صلى الله عليه وسلم- كان معنياً أشد العناية بضبط القرآن وحفظه إلى حد أن جبريل حينما ينزل عليه بالوحي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحياناً يستعجل في القراءة حتى يُتقن ويضبط الذي نزل إليه حتى أنزل الله تعالى عليه قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ).
لأنه من شدة الحرص كان -صلى الله عليه وسلم- يُحرك لسانه بالقرآن مع جبريل ويُبادره بذلك فقال الله -سبحانه وتعالى- له : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)، أي نحن سوف نجمعه (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي : إذا انتهت القراءة وألقى إليك جبريل فهنا اتبع القراءة واقرأ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، وفي الآية الأخرى قال -سبحانه وتعالى- : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُردد ويحفظ ويقرأ القرآن ويقوم به في الصلاة ويُلقيه لأصحابه -رضي الله عنهم- في مكة .
الصحابة..كتّاب وقرّاء
وأوضح الدكتور العودة أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً كانوا من أشهر كتّاب القرآن الكريم وكانوا يكتبونه بمكة حتى قبل الهجرة وكذلك بعد الهجرة، كما كان في الصحابة -رضي الله عنهم- القرّاء الذين يحفظون القرآن، مثل : أُبيّ بن كعب، والذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: « يَرْحَمُ اللَّهُ أبيّ بن كعب، كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ أَذْكَرَنِيهَا اللَيْلَةَ كُنْتُ أُنسيتُها »، أي نسيها النبي -صلى الله عليه وسلم- نسياناً عابراً طارئاً وهو يقرأ في الصلاة فأُبيّ يفتح على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيُذكّره بالآية فيعود إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- .
كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- من حرصه على حفظ القرآن يقوم بجولات استكشافية على الصحابة للتأكد من الجودة والإتقان والضبط، وقد كان النبي يمر بأبي موسى الأشعري، وهو أحد الصحابة الحفاظ والكتّاب للقرآن الكريم، في الليل وهو يقرأ القرآن ويجلس يتسمع إليه حتى ينتهي من قراءته، وفي الصباح يكافئه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يقول له: « لَوْ رَأَيْتَنِى وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ » فَقَالَ يا رسول الله : لَوْ عَلِمْتُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا.
تجويد وإتقان
وأكد الشيخ سلمان أن الاهتمام بالقرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على مستوى الحفظ فقط، ولكن والتجويد والإتقان في قراءة القرآن وضبط مخارجه، كذلك تجد عبد الله بن مسعود النبي -صلى الله عليه وسلم- يناديه وهو من القرّاء أيضاً المجوّدين : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه قَالَ قَالَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « اقْرَأْ عَلَىَّ الْقُرْآنَ » . قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ قَالَ « إِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى ».
ويوضح فضيلته أن من مقاصد سماع النبي القرآن من غيره أن يتأكد من ضبط الصحابة للقرآن في ضبطه ومخارجه وحروفه، فيقرأ ابن مسعود سورة النساء حتى يصل إلى قوله -عز وجل- : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) قَالَ -صلى الله عليه وسلم- « حَسْبُكَ الآنَ » . فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ؛ لهذا المعنى العظيم .
فكرة الختم
وأشار الشيخ سلمان إلى أن هناك مصحفاً موجوداً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن لم يكن كاملاً مجموعاً ؛ ولذلك جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص : « اقْرَأ الْقُرْآنَ فِى شَهْرٍ » . قَالَ إِنِّى أُطِيقُ أَكْثَرَ. فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ فِى ثَلاَثٍ .
وأضاف فضيلته أن فكرة الختم كانت موجودة في عهد النبي أيضاً، كما كان جبريل عليه السلام يُعارض النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن في رمضان في كل سنة، فيقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، ويُبيّن ما نزل في هذه السنة من القرآن جديداً، ويُبيّن المنسوخ وغير ذلك من الأحكام، ويؤكد على لفظ القرآن الكريم وحفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- له حتى كانت السنة التي توفي فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- فعارضه جبريل بالقرآن الكريم مرتين .
التحزيب
وأوضح الدكتور العودة أن "التحزيب" كان موجوداً أيضا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد وغيره حديث أوس أنهم كانوا يُحزّبون القرآن، أي : يحفظون القرآن أو يقرؤونه في سبعة أيام في صلاة الليل أو في غيره، بحيث خلال الأسبوع يكونون قد ختموا القرآن.
وتابع فضيلته : أن هذه الصورة الواعية السهلة تدل على أن القرآن كان موجوداً ومشاراً إليه؛ ولذلك قال -سبحانه وتعالى- : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ)، في إشارة إلى أن هناك شيئاً موجوداً ومكتوباً، فكان موجوداً عند الصحابة في العسب، و الجلود، و اللخاف كاملاً ولكنه متفرّق، كما كان موجوداً في صدور الصحابة -رضي الله عنهم-، فكان هناك المنسوخ الذي نُسخت تلاوته من القرآن الكريم، كما كان هناك الجديد، فآخر آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً) نزلت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بواحد وثمانين يوماً بالضبط .
وذكر الشيخ سلمان أنه من حرص الصحابة رضوان الله عليهم على حفظ القرآن، كانوا يعرفون المكيّ والمدنيّ والسفري والحضري والليلي والنهاري والناسخ والمنسوخ وجميع الأحكام الواردة والمتقدم والمتأخر .
اجتهادا أم توجيها ؟!!
ورداً على سؤال، حول ما إذا كان التحزيب من عند الصحابة اجتهاداً أم من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- توجيهاً ، قال الشيخ سلمان: إن التحزيب كان من عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك الحديث فيما يتعلق بتقسيم القرآن إلى سبعة أقسام، لكن هناك تحزيبات بعد ذلك اجتهادية وفرعية طرأت فيما بعد، وكان المقصود أن يتبيّن من هذا بشكل واضح وجلي أن القرآن كان موجوداً مكتوباً ولكنه متفرقاً، وكان موجوداً محفوظاً في صدور الصحابة -رضي الله عنهم- .
مخطوطات المصحف
وفيما يتعلق بوجود بعض المخطوطات في مكتبات عريقة مثلاً في مصر في تركيا في بلدان أوربا مخطوطات تشير إلى عصور كُتب فيها القرآن الكريم، وما إذا كانت هناك مرجعية تحقق هذه المخطوطات ، أنشد الشيخ سلمان:
وأضم قرآني إلى قلبي
بيدي عظيم قد رُسمت شديد
متجدد فيك الشباب وكم

وأقول : أنت غمامة الحب
الحول مطلع على الغيب
أكل التراب صحائف الكتب
وأوضح فضيلته أن لديه نسخة من مخطوطة لمصحف كان يُتوقع بأنه هو مصحف عثمان الذي قُتل وهو في حجره، لكن المحققين الأتراك وصلوا إلى أن هذا المصحف مكتوب في القرن الأول، وقد عُثر عليه في تركيا محفوظاً في متحف اسمه "طوبقبي"، وأصله في مصر.
مشيراً إلى أن هناك مخطوطات كثيرة جداً حتى أن هناك مستشرقاً ألمانياً اسمه موراني يقول : " مما لا شك فيه أن بعض النسخ الموجودة في صنعاء من القرآن الكريم ترجع فعلاً إلى القرن الأول الهجري، وأنه من الثابت بعد دراسة هذه المخطوطات التي في صنعاء أن بعضها يرجع إلى القرن الهجري الأول حسب ما يسميه بحامض الكربون14"، وهذه كأنها دراسة للورق، فضلاً عن الرسم طبيعة الرسم رسم الكتاب الحجازي المائل، وكذلك الكوفي العتيق .
مخطوطات نادرة
وأكد الشيخ سلمان أنه يوجد في العالم في حدود 100 مخطوطة نادرة، أكثرها في العراق نحو 18 مخطوطة، وفي تركيا 16 مخطوطة، وفي بريطانيا، و أمريكا، واليمن، و المغرب، وطاشقند، والصين، والهند، و في أماكن كثيرة جداً من العالم. لافتاً إلى أن هذه المئة مخطوطة موثّقة ونادرة وربما ترجع إلى القرن الأول والقرون اللاحقة له قريباً منه .
وذكر فضيلته أن من المخطوطات "مصحف طاشقند"، والذي كان يُتوقع أنه مصحف عثمان لكن تبيّن أنه ليس كذلك، حيث ضاع جزء منه لكن بقي جزء آخر واستطاع المسلمون أن يميزوا أن أحد المستشرقين الروس بالقلم كتب على بعض الحروف التي خشي أنها تضيع، فميزوا ما بين الخط الأصلي وما بين ما كتبه ذلك.
وقال الدكتور العودة إن هناك الكثير من المخطوطات، والتي هي غاية في الروعة والجمال وتستطيع أن تقرأها بسهولة، حيث منها ما هو في تركيا، ومصر، وفي باريس، فضلاً عن العديد من المخطوطات التي توجد على شبكة الإنترنت، كما يقال إن أقدم مخطوطة للمصحف موجودة في شانغهاي في الصين، و أن هناك مخطوطة عجيبة كتبها إمبراطور هندي عمرها 400 سنة، يزن 13 كليوجراماً وطوله حوالي ثلاثين سنتيمتراً، وارتفاعه عشرين سنتيمتراً، كُتب بخطوط ذهبية وكل ورقة من المصحف لها رائحة من العطر ليست لغيرها، حاولوا سرقته وأُنقذ، وكان سيُسرق مقابل خمسين مليون دولار .كما أنه يوجد في الهند وروسيا في متحف الفنون الجميلة، وفي إسبانيا، كماً هائلاً جداً من المصاحف.
العناية بالقرآن
وأضاف فضيلته : نحن ننادي بملء أفواهنا وأصواتنا أنه ينبغي أن تُجمع المصاحف في كل مكان والمخطوطات، فنحن لسنا قلقين، بل متأكدون يقيناً قطعياً كإيماننا بالله أن كل حرف في هذا المصحف هو موجود وثابت ؛ مشيراً إلى أنه مما يؤكد على عناية المسلمين بالقرآن الكريم :
1 الحفظ:، أنهم يقومون بحفظه، حيث يوجد الآن في باكستان فقط أكثر من أربعة ملايين حافظ للقرآن الكريم ، وفي تركيا مثل ذلك يحفظون النصوص، بل إنهم يحفظون حتى أرقام الآيات أرقام الصفحات، وهذا نوع من الإعجاز، وأيضاً حفظ بالأسانيد ومع ذلك هناك حفظ المخطوطات .
2 الطباعة: حيث يوجد مصحف "المدينة المنورة"، والذي يقوم مجمع الملك فهد بطباعة ملايين النسخ وتوزيعها على العالم وهذه من أعظم الأعمال التي يعني تُذكر وتُشكر للملك فهد رحمة الله تعالى عليه .
مناشدة للملك عبدالله
وناشد فضيلة الشيخ سلمان العاهل السعودي الملك عبد الله لإنشاء متحف أو مكتبة خاصة لمخطوطات المصحف الشريف في المدينة النبوية يُجمع ما كان في المدينة، وغيرها من المخطوطات حول العالم، أو نسخ خطيّة أو بأي شكل من أشكال التقنية الحديثة.
وأوضح الدكتور العودة : لقد رأيت في لندن ما يسمى ب"متحف الأديان" للإسلام واليهودية والنصرانية، حيث جمع أشياء كثيرة مما يخص أهل هذه الديانات، ونحن نريد متحفاً أو مكتبة خاصة لمخطوطات المصحف الشريف في المدينة النبوية يُجمع فيه كل نسخ ومخطوطات المصحف.
وأضاف فضيلته: هناك ضرورة ملحة لقيام بهذا العمل الآن، من أجل أن يكون هناك مكان تجتمع فيه مخطوطات المصحف الشريف من هولندا إلى بريطانيا إلى فرنسا إلى العالم العربي لضبطها وحفظها وإتقانها وتقديم الدراسة عنها، فضلاً عن إمكانية طباعته مثلما قامت منظمة المؤتمر الإسلامي.
عثمان طه..ورسم المصحف
وأشاد الشيخ سلمان ب"عثمان طه"، الذي خطّ الكثير من المصاحف في المملكة، مشيراً إلى أنه يستحق الإشادة والدعاء، مشيراً إلى أن أحد الأتراك وصغير معوّق يُحمل ويوضع لا يستطيع أن يقوم وفي يده ارتعاش، كان يريد أن يكتب المصحف ويتردد على القراء والخطاطين كلهم يطردونه لعدم كفاءته لكن أحدهم أشفق عليه وأبقاه وبعد ذلك تحول إلى واحد من أمهر الخطاطين .
وفيما يتعلق برسم المصحف، قال الشيخ سلمان : هناك كتاب مهم جداً اسمه (رسم المصحف دراسة لغوية وتاريخية)، الدكتور غانم قدوري حيث جمع مؤلفه فيه أكثر من 800 صفحة معلومات في غاية الأهمية، والكتاب في حوالي سبع فصول، وهو مطبوع ومتداول .
مراحل توثيق المصحف
وتعقيبا على مداخلة من مشارك، يقول : لماذا لا يقوم مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بصناعة فاصلاً سينمائياً، بحيث يتم إدراجه على اليوتيوب بدرجة عالية من المالتيميديا يحكي قصص توثيق المصحف، قال الشيخ سلمان : لقد أطلعني مجمع الملك فهد في أحد معارض الكتب على مراحل طباعة المصحف، وكان شيئاً مذهلاً وهو عبارة عن عمل آلي مبرمج، فكيف لو استطاعوا أن يعرضوا جزءاً من مراحل طباعة المصحف أو توثيق، بحيث يكون هذا جزءاً من عملية وجود متحف بشكل أوسع لجمع مخطوطات المصحف الشريف من أنحاء العالم.
المصحف ..والفاعلية
وعن كيفية ربط الحديث عن المصحف وتاريخه بالفاعلية ؟، قال الشيخ سلمان : إن الحديث عن المصحف، من شأنه أن يفعل ما يلي:
1 قرآنية هذا القرآن:
فإن الحديث عن المصحف يُوجد في قلب الإنسان فلج اليقين القاطع بقرآنية هذا القرآن، وربانيته وأنه من عند الله -عز وجل- وأن الله تعالى حفظه كما وعد -عز وجل- بواسطة جهود المخلصين النبلاء النجباء من وزراء محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهذا اليقين لا يتكون بين يوم وليلة، ولكنه يحتاج إلى وقت، وأن يسمع الإنسان ويقرأ ويتابع ويطالع حتى يصل إلى ذلك .
فالصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يعرفون أول ما نزل وآخر ما نزل، فهم متفقون في الجملة أن أول ما نزل (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، وفي هذه السورة بالذات (كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) ففي آخرها الدعوة إلى السجود لله -سبحانه وتعالى- والاقتراب منه.
2 حب القرآن الكريم:
كما أن الحديث عن القرآن الكريم، يجعلنا نؤكد على ضرورة أن يكون هناك، ليس فقط علاقة عاطفية بالقرآن الكريم، لكن ينبغي أن يتحول مع الوقت إلى نوع من حب القرآن الكريم، كما يروى عن عكرمة ابن أبي جهل -رضي الله عنه- أنه كان يحمل المصحف ويضمه إلى صدره ويبكي ويقول : "قرآن ربي كلام ربي" ، كما أن بعض الناس الذين يكون عندهم إشراق قد يسمعون آيات من القرآن الكريم الآية بذاتها قد تتعلّق بحكم من الأحكام ومع ذلك (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ)؛ لأنهم عندما يتذكرون منزله وقائله وغير ذلك يقع في قلوبهم هذا المعنى .
تعاط وواقعية
3 التعاطي مع القرآن:
فلابد أن يكون هناك علاقة التلقّي والأخذ والاستلهام والتعاطي مع القرآن الكريم باعتباره مرجعية، وعلى كل واحد منا أن يتخلى عن خصوصياته وعن ثقافته الخاصة وعن مسابقاته الفكرية والثقافية، وأن ينتفع ويستفيد من هذا القرآن الكريم بشكل كبير.
4 واقعية القرآن الكريم:
فالقرآن نزل للناس للدين وللدنيا معاً، فهو ليس كتاب تاريخ كما يزعم أركون وأمثاله ويحتجون بأسباب النزول، ولكن قولهم مردود بأن العبرة بعموم اللفظ وسياقه، وأن سبب النزول قد يرشد إلى المعنى الأدق في مجموعة من المعاني لكن هذا لا يعني أن القرآن كتاب نزل للتاريخ أو لمرحلة معينة القرآن فيه هداية لمن وعي وفقه وكان عنده عقل وإدراك لكل الأديان .
شمولية ونشر
5 شمولية القرآن الكريم:
فمن عجيب الإعجاز في القرآن الكريم، الإعجاز التربوي و السلوكي، حيث تجد آية -مثلاً- في حكم من الأحكام، وبعدها في نهايتها حديث عن أسماء الله الحسنى أو عقيدة من العقائد، ثم حديث عن الآخرة، ثم حديث عن الدنيا ثم حديث عن قصص الأنبياء وتجد هذا كله في سياق واحد وكأن الإنسان في روضة يتأنق فيها.
6 نشر القرآن :
كما أن من شأن الحديث عن المصحف أن يدعونا إلى العمل على نشره، فقد قامت منظمة كير في أمريكا بحملة اسمها (شاركني القرآن)، حيث نشروا أكثر من مليون نسخة طبعاً فيها ترجمة للقرآن الكريم ووزعوه على مسؤولين وأساتذة الجامعات ووزراء وشخصيات، وكان هذا العمل عملاً جليلاً، وهو جزء من ائتماننا على هذا المصحف.
قراءة ..وتبصر
7 القراءة المتبصرة :
ومن شأن القراءة المتبصرة أن تساعد الإنسان على وجود الكثير من الأدلة على وحدة هذا الكتاب سواء من الناحية اللغوية في أساليب القرآن وعباراته وصيغه وضمائره، أومن الناحية التاريخية، حيث تجد أن أخبار القرآن الكريم منتظمة ليس بينها تناقض، أو من الناحية التشريعية تجد أن تشريعات القرآن والأوامر والنواهي والأحكام على سنن الوفاق والانسجام، بل من الناحية النفسية حيث تجد الكثير من الإيحاءات النفسية يتكلم عنها خبراء وعلماء النفس بشكل غريب الآن فتجد دلالاتها من القرآن الكريم، بل حتى ما يسمى اليوم بالجانب العلمي والإعجاز القرآن الكريم، حيث تجد أن نص القرآن يستوعب متغيرات العلم دون أن يكون كتاباً متخصصاً في الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك أو الأحياء أو الجيولوجيا أو غيرها.
تلاوة القرآن ..كم أم كيف ؟!!
وفيما يتعلق بتلاوة القرآن وتركيز البعض على الكم لا الكيف، قال الشيخ سلمان : إن القرآن كله خير ومن قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، ومن قرأ وراعى الكم أو راعى الكيف يُرجى له أجر، والقرآن له تأثير و بركة، ولكن لا شك أن القرآن أصلاً نزل حتى يتدبر الناس آياته : يقول تعالى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) .
وأضاف فضيلته: ولذلك فإنه ينبغي أن يتدبر الإنسان القرآن، وإذا أعاد قراءة الصفحة مرة أخرى يمكن يكون خيراً له من أن يقرأ التي بعدها إذا كان بحاجة إلى هذه الإعادة أو كانت الإعادة تمنحه مزيداً من الإيمان أو مزيدا ًمن المعرفة، يقول تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ) .
العلم والإيمان
وتابع الشيخ سلمان : إن هذا يؤكد على أن هناك قضيتان ؛ هما العلم: الذي يمنحه لنا القرآن، والإيمان ، مشيراً إلى أن الاستماع إلى القرآن يعطي الإنسان بعداً جميلاً جداً، وإذا كان الذهن صافياً والنفس مستعدة للاستيعاب وسمع قراءة كثيراً ما تحلّق بالإنسان وتذهب به بعيداً عن أوهاق النفس والماديات .
التدبر صعب ؟!!
وفيما يتعلق بأن التدبر أمر صعب على البعض ، قال الشيخ سلمان : إن التدبّر مراحل، فالقرآن الكريم نص تعرفه العرب، لأنه من لغاتها، فالإنسان العربي بالفطرة عندما يسمع -مثلاً- قصص الأنبياء أو الوعد بالجنة أو الوعيد بالنار أو بعض الأخبار تكون واضحة جداً لا يحتاج فيها إلى أن نرجع إلى معجم ؛ لأن هذا من إعجاز النص القرآني أيضاً لأنه في ذروة البلاغة .
ومع ذلك هو في غاية الوضوح والسهولة في الغالب، لكن هناك أسرار، فالإنسان يفهم المعنى المباشر لكن هناك معاني وأسرار لماذا عبّر الله تعالى بهذا اللفظ ولم يعبر بغيره ؟، وهذا باب واسع جداً يتميز فيه أهل العلم ؛ ولذلك بقدر سعتهم وهنا التفاسير الميسرة يمكن أن تنفع هناك تفاسير مختصرة كتفسير الدكتور عبد الله التركي، الشيخ عائض القرني، حسانين مخلوف وغيرها.
حصص التفسير
و أيضاً هناك حصص التفسير في القنوات الفضائية للشيخ محمد متولي الشعراوي، حيث له إشراقات عجيبة جداً، وهناك كثيرون أيضاً يمكن أن يساهموا ، كذلك أشيد بكتاب "التحرير والتنوير" للشيخ محمد الطاهر بن عاشور الشيخ الإمام مفتي تونس السابق، هذا الكتاب يعني من أفضل وأعظم المراجع للمتخصص والحريص على فهم القرآن الكريم.
وأضاف فضيلته : لقد بدأتُ محاولة بسيطة أرجو أن أنال بركة القرآن الكريم بإشراقات قرآنية بجزء عمّ وجزء تبارك وجزء قد سمع ، وكانت عبارة عن دورات علمية، آخرها كان قبل ثلاثة أشهر كانت هناك دورة في مدينة جدة.
تأثير القرآن
وفيما يتعلق بتأثير القرآن على المسلم، كيف يفترض أن يكون؟، قال الشيخ سلمان : إن القرآن من الممكن أن يصنع أمة مجدداً، يبعث فيها روح الحياة والأمل وهو إحدى الثوابت المهمة العظيمة في نهضة الأمة .
أما تأثير القرآن على غير المسلمين، فذكر فضيلته قصة لسيد قطب -رحمه الله – وكيف أنه خطب مرة في السفينة، وكان يتلو بعض الآيات وجاءه شخص يبكي وقال له من خلال خطبتك تقول بعض الألفاظ التي أشعر بأن في داخلي تجاوباً خفياً معها، مشيراً إلى أن بعض الأطباء في أمريكا مثل الدكتور أحمد القاضي أو غيره قاموا بإجراء تجارب طبيّة على بعض المرضى وقرؤوا عليهم آية الكرسي فوجدوا أن هناك تأثيراً في الدماغ وبعض مواضع الحركة في البدن.
القرآنيون ..إلى أين؟!!
وفيما يتعلق بالقرآنيين، والذين يدعون بأن القرآن لابد ان يكون بعيداً عن السنة، قال الشيخ سلمان : إن القرآنيين هم جماعة ينكرون السنة النبوية ويؤمنون بالقرآن الكريم، مؤكداً أنه لا معنى بالقرآن الكريم ما لم نؤمن بإحالاته فالله -سبحانه وتعالى- يقول : (وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، ويقول : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، ويقول سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ )، فيحيل الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم إلى هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- .
ولذلك القرآن فيه مجملات كثيرة توضحها السنة النبوية، فالقرآن فيه القيم و فيه المحكمات، وفيه عدد من المعاني الكلية، فمثلاً عندما يقول الله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) كم الصلوات ؟ أن تكون الصلوات خمساً الظهر أربعاً، المواقيت، الوضوء، الأذكار .. هذه جرى عليها الإجماع والاتفاق والإطباق العملي القطعي من الأمة من عهد النبوة إلى اليوم، ومع ذلك هي ليست موجودة في نصوص القرآن الكريم .
القرآن والجان
وتعقيبا على مداخلة، تقول : هل قراءة القرآن تحرق الجان، وهل هناك تفسير علمي لتأثير القرآن على الماء الذي يرقى رقية شرعية، قال الشيخ سلمان : إن القرآن بلا شك أنه شفاء كما قال الله -سبحانه وتعالى- (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ، وفيه طرد للشياطين، خاصة آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، كما أن فيها شفاء -بإذن الله تعالى- من الأمراض والسحر ومن كثير من المعاناة، وتمنح الإنسان راحة نفسية تطرد عنه كثير من الهموم والغموم والأحزان .
كما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول عن سورة الفاتحة أنها رقية، والصحابة -رضي الله عنهم- وجدوا الرجل اللديغ فرقوه بسورة الفاتحة وشفي بإذن الله -عز وجل- ، لافتاً إلى أن الرقية تأخذ أحياناً أبعاداً تحتاج إلى ضبط ومراجعة .
أما فيما يتعلق بالتفسير العلمي لتأثير القرآن على الماء، فقال فضيلته: أذكر كتاباً جميلاً ومصوراً وحقيقة جذاب للمهندس يحي كوشك عن "تأثير القراءة على الماء "فعلاً والغريب أنه استعان بنظريات ألمانية ويابانية وصور كثيرة جداً بما في ذلك ماء زمزم في وجود تأثير ملموس، ويمكن رصده لاستمرارية القراءة أياً كانت القراءة بما في ذلك طبعاً قراءة القرآن وجدوا لها تأثيراً إيجابياً عظيماً.
نظرة مادية وطرفة
وتعقيباً على مداخلة، تقول إنه في كثير من البلدان الإسلامية يعتقدون أن المصحف هو البركة بحيث أنه ممكن يغطي على كثير من الذنوب والمعاصي، فلا تكاد تدخل محلاً تجارياً إلا تجد المصحف يكون على الدرج، قال الشيخ سلمان : أذكر أن ابن الجوزي ذكر عن أحد الحمقى يقول أنه سُرق خرج له فيه أشياء، قالوا له : لو وضعت فيه آية الكرسي ما سُرق. قال : والله إن فيه المصحف كله !، ففعلاً كثير من الناس ماديون في نظرتهم حتى للقرآن، حيث تجد مثلاً من الناس من يرفع المصحف ومنهم من يُقبّله باستمرار وإلى آخره..، ولكن عندما تنظر إلى حجم تأثرهم بالقرآن وارتباطهم به وعملهم وقراءتهم له وتأثرهم به لا تجد الأمر بهذا المستوى، ولكن تجد أن علاقتهم بالقرآن تحولت إلى علاقة فيها نوع من الاحترام والشكلية مع عدم التطبيق ؛ ولذلك بعضهم يقول : " كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه"، أي : أن يكون يخالف أوامر القرآن الكريم، يقرأ القرآن ويُناقضه.
صلاة النساء في جماعة
وردا على سؤال حول : صلاة النساء في جماعة هل تكون جهرية أم سرية ؟، قال الشيخ سلمان : إن صلاة النساء جماعة مستقلّة مباحة ليس فيها نصوص كثيرة، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أم ورقة أن تؤمّ أهل دارها وهو في سنن أبي داود بسند لا بأس به وفيه مقال يسير، فلو صلت النساء جماعة والأمر هنا فيه سعة أن تكون الإمامة متقدّمة عليهن أو تكون الإمامة بينهن أو تجهر بالقراءة إذا كانت الصلاة جهرية أولا تجهر بها في ذلك سعة إن شاء الله.
مريض الربو ..هل يفطر ؟!!
ورداً على سؤال حول : هل يجوز لمن هو مصاب بالربو أن يفطر في رمضان، قال الشيخ سلمان: يقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فالمريض عنده رخصة بنص القرآن الكريم أن يفطر ويصوم وقتاً آخر فإذا كان لا يتيسر له الصيام بمعنى أن المرض ملازم له طول العام فهنا عليه أن يُطعم كما قال الله -سبحانه وتعالى- ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، ومريض الربو إن شقّ عليه أفطر حتى لو كان صائماً في أي وقت.
وأضاف فضيلته : أما إذا كان يحتاج فقط بخاخ الربو فكثير من بخاخات الربو أفتت المجامع الفقهية وكما أفتى عدد من أهل العلم العارفين بأن هذا لا يُفطّر لأنه لا يذهب إلى الجوف والمعدة وإنما يذهب إلى الرئة، وقالوا : إنه في الغالب لا يكون فيه مادة بل المواد التي فيه ضئيلة جداً أقل من المواد التي تبقى في الفم من أثر السواك أو من أثر المضمضة وتذهب إلى الجوف، ومع ذلك باتفاق أهل العلم أن هذا لا يؤثر على صيام الصائم.
المصافحة.. وأنفلونزا الخنازير
وتعقيبا على مداخلة، تقول: إن إصرار البعض على المصافحة قد يزيد من انتشار أنفلونزا الخنازير، قال الشيخ سلمان : من الممكن أن تكون المصافحة من بعيد لبعيد، ومع ذلك لا ينبغي أن يكون عندنا هلع من هذا المرض، ففي النهاية الإنسان سيحضن أطفاله وسيُقبّل زوجه وسوف يحتك بالكثير من الناس، فلا ينبغي أن يتحول هذا إلى همّ أو هاجس عند الإنسان في كل شيء.
الفوضى ها هنا!!
وكان الشيخ سلمان العودة قد بدأ حلقة الأمس بالحديث عن رسالة مصورة أرسلها بعض الإخوة من الحرم إلى جوال فضيلته ، تقول هذه الرسالة بمناسبة أنكم رفعتم شعار التقوى ها هنا وخصصتم حلقة عن الحرم، وفي الرسالة مشاهد عبر عنها الشيخ العودة بقوله: " في غاية الغرابة التي تحصل في الحرم وخاصة من الإخوة المعتكفين" ، وأوضح أنه " لا يتصور من يشاهد هذه الصور أنها في الحرم، وسائد وفرش وثياب معلقة، تجعلني أقول لماذا لا نقول " الفوضى هاهنا"!.
لافتاً إلى عدم استشعار بعض الناس معنى التقوى والنظافة وتطهير البيت كما في قوله تعالى: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ، مؤكداً أن تحويل هذه المعاني إلى سلوك شخصي على الصعيد البسيط فإن ذلك من أهم المقاصد والمطالب.

الإسلام اليوم/ أيمن بريك
الاربعاء 05 رمضان 1430الموافق 26 أغسطس 2009

للاستماع إلى الحلقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.