صدرت موخرا عن المركز الوطني للاتصال الثقافي أقاصيص زين العابدين السنوسي ضمن مجموعة قصصية عنوانها المهاجر جمعها واعدها وقدم لها الأديب محمد الهادي بن صالح خصيصا لسلسلة «ذاكرة وابداع» وهي سلسلة فصلية تصدر عن المركز الوطني للاتصال الثقافي وقد نشرت الى حد الآن 26 كتابا. والمركز وكما قال مديره د. بو بكر خلوج في تصدير المجموعة يأمل من وراء نشر أقاصيص مجموعة "المهاجر" أن ينال زين العابدين السنوسي اهتمام الباحثين والدارسين في مجالات الادب والصحافة والترجمة والمسرح وتحمل كلها بصمات رجل عاش بالفكر للفكر في عصر الشابي والحداد وترك آثارا غزيرة وعينات مضيئة في تاريخ الفكر التونسي في خطواته الاولى نحو الحداثة. والمجموعة من الحجم المتوسط تحتوي على 144صفحة تضمنت جزءين خصص الأول للتعريف بحياة وآثار زين العابدين السنوسي، بيبلوغرافيا وأهم الاحداث في حياته أما الجزء الثاني فتكون من سبع قصص قصيرة. قدم الأديب محمد الهادي بن صالح زين العابدين السنوسي فقال انه عاش كامل النصف الاول من القرن العشرين وجزء هاما من النصف الثاني لهذا القرن وقد كان شاهدا على اهم الاضطرابات والتقلبات التي عرفتها البلاد خلال الاستعمار وعاش مآسي حربين عالميتين كان لهما أسوأ الاثر في حياة كل الشعوب وواكب كل التقلبات الفكرية والسياسية التي شهدها زمانه. كان رافضا للفكر السلفي رافعا لشعارات الحداثة داعيا الى ثقافة جديدة قوامها الانفتاح والتحرر ونبذ التزمّت. وقد مكن البحث والتحقيق في آثار زين العابدين السنوسي الاديب محمد الهادي بن صالح من التاكيد على انه كان احد القطبين اللذين اثرا تاثيرا بالغا في الحياة الفكرية الحديثة بتونس منذ بداية القرن الماضي وكان احدهما في الفكر الاجتماعي وهو الطاهر الحداد وثانيهما في الفكر الادبي وهو زين العابدين السنوسي رغم ما تعرض له من مضايقات ومن اضطهاد ذلك انه آمن بأهمية الصحافة وبسلطتها رغم ادراكه لمخاطرها فاخلص لها ووضع فيها كل غال ونفيس دون حساب ودون ان يطلب في ذلك جزاء وقد كان له فضل في التعريف وفي نشر انتاج كل الادباء والمفكرين الذين عاصروه اذ كان صاحب مطبعة «دار العرب» وهو اول من نشر كتابا للطاهر الحداد وهو كتاب «العمال التونسيون» في طبعته الاولى اضافة الى ما نشره لهم في جريدة «البدر» او في كتابه «الادب التونسي في القرن الرابع عشر» او بمجلة «العالم الادبي» التي كان المسؤول وصاحب الامتياز فيها. ولكن المؤلم انه لم ينل حظه في واقعنا الادبي والفكري والسياسي لا حيا ولا ميتا ولم يحتل المكانة التي كان من المفروض ان تعود إليه وجوبا بل تعرض الى الانتقاد والتنكر ونفيت عنه صفة رائد القصة التونسية ظلما وبقيت آثاره متفرقة منشورة هنا وهناك ولم تخضع في نشرها الى خطة منهجية محكمة تمكّن من ابراز حقيقة الرجل واهمية اعماله اذ كتب في البحث والدراسة ص 28 وفي التراجم ص 29 وفي ادب القصة ص 30 اضافة الى اعمال اخرى متفرقة بالجرائد والمجلات وبعضها لم يجمع ولم يطبع. وقد بدأ الاديب محمد الهادي بن صالح الجزء الثاني من الكتاب وهو الذي حقق فيه القصص وجمعها قائلا: «عجبي وانا اقرأ واسمع ان علي الدوعاجي كان رائد القصة التونسية الأول دون منازع والحال انه ما كان الا صنيعة من صنائع زين العابدين السنوسي ومحمد بيرم التونسي». ولعل اهمية المواضيع التي طرحها زين العابدين السنوسي في قصصه هي التي دفعت بمحمد الهادي بن صالح لاطلاق هذه الصفة عليه إذ تحدث أيام كان الحديث تهمة عن وضعية المرأة والطفل «في قصة عزاء العروس» وعن واقع القرصنة في تونس في قصة «المهاجر» ورأى في قدوم الهلاليين الى تونس وسيلة لتوحيد لسان البلاد المتلعثم المقطع بين اللاتينية والبربرية والعربية في قصة «فاطمة» وعن خطر الحضارة الغربية على العائلة التونسية في قصة «من ضحايا الانقلاب» اضافة الى انه تصدى بقصصه لما علق بالرؤوس من افكار خاطئة حول الانسان المسلم والافكار المسبقة عنه كقصة «حديث شاب مسلم مع باريسيات حسان». كما تناول العادات التونسية وصوّر في قصصه بعض الاوهام الخرافية التي تستحوذ على عقول العذارى الشابات في تلك الحقبة الزمنية كالذي دونه في قصة «الحبيبة». وانتهى محمد الهادي بن صالح الى القول بان :«هذا الرجل لم يكن أبدا نكرة، حتى وان تألبت الظروف على اخماد جذوة نار حماسه وإسكات صوته وإطفاء سناه واشعاعه. كذلك لا يمكن ان تطمس لهذا الرجل معالم. لقد حمل شعار التحدي في حياته بانجازاته الكثيرة وابداعاته العديدة. فان لم نصادفه في دنيا الابداع والخلق فاننا نصادفه في دنيا النشر والطباعة او في دنيا الصحافة والترجمة او في دنيا السياسة والنضال. ميزاته كثيرة قلّ ان اجتمعت في رجل واحد وقد قال فيه الشاعر منور صمادح، احد الاوفياء والمعترفين له بالجميل «بحثت بين اهل المدينة عن الرّجل... فلم أجد رجلا لا يعرفه...» فهل يحظى زين العابدين السنوسي اليوم وبعد هذا التعريف والتحقيق لاعماله بالمكانة التي تليق به والتي تعود إليه وجوبا؟ وهل يمكن ان نوفي محمد الهادي بن صالح حقه اذ نفض الغبار عن مسيرة هذا الرجل الذي غمر بفضلة الساحة الثقافية في بلادنا واعطى لروادها دون حساب.