مثلما كان متوقعا انقسمت الساحة السياسية إلى معسكرين أحدهما بنكهة "إسلامية" بقيادة حركة النهضة وثانيهما بنكهة "دستورية" بقيادة الباجي قائد السبسي. و لئن بلغ الصراع السياسي أشده بين المعسكرين و دخل مرحلة "حرب" الاستنزاف مع بداية العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية فإن بعض القراءات السياسية المقارنة لم تجد فرقا كبيرا بين ندائي الباجي و الغنوشي باستثناء تقديم الأول لضمانات أكثر في ما يخص المحافظة على مدنية الدولة و طابعها الحداثي. وفي الوقت الذي انشغلت فيه أغلب الأحزاب و التيارات السياسية من شتى العائلات الايديولوجية و السياسية بلملمة شتاتها و عقد مؤتمراتها الأولى و توحيد فصائلها السياسية، ما انفك معسكر الحكم و المعارضة يحثان الخطى نحو عقد تحالفات تكتيكية و أخرى استراتيجية للاستعداد للمرحلة المقبلة. وقد علمت "الصباح" أن اخر الاحزاب التي قد يكون لها الرغبة في اللاتحاق بنداء تونس على قاعدة العمل المشترك هو حزب الاتحاد الوطني الحر الذي ما يزال مترددا في ان يخطو الخطوة الأخيرة قرر العمل في هذا الاتجاه بعد أن وجد الحزب نفسه محل "منافسة" بين النهضة و نداء تونس. كما علمت "الصباح" إن الهيئة التأسيسية لهذا الحزب فاجأت الجميع من خلال التوجه نحو ترشيح أحمد القديدي نائب رئيس الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية في حال تم إقرار النظام الرئاسي كمبدا للحكم في تونس.
فبعد أن كانت الحملة الانتخابية لحزب " توة " موجهة ضد حركة النهضة فقد تدخلت بعض الاطراف لتسوية الامر بين الطرفين و كانت اولى النتائج ما حظي به سليم الرياحي من استقبال "حار" في افتتاح المؤتمر التاسع للنهضة و"الثناء الجزيل" لراشد الغنوشي في احد حواراته الصحفية حيث منح الرياحي "صك البراءة" من كل التهم التي علقت به قبل واثناء الحملة الانتخابية الفارطة والتي اعتبرها الغنوشي "محض تشويه لا يستند إلى أي دلائل".
وبدخول نداء تونس على الخط تكثفت الاتصالات بين الطرفين بشكل مباشر وأخرى غير مباشرة مع الرياحي والتحادث معه مطولا و تبادل و جهات النظر في مسائل تتعلق بتقييم المرحلة السياسية الراهنة و أهم السبل التي يفترض اتباعها لإنجاح الثورة والتعجيل بتحقيق مبادئها و أهدافها والوصول بالبلاد إلى بر الأمان .
صكوك الغفران و كان قائد السبسي قد قدم ايضا للرياحي "صكوك الغفران " حيث دافع بشراسة عن ضيفه في حوار أجراه منتصف الأسبوع المنقضي منزّها إياه مما علق به من بقايا حملات التشهير و التشويه التي استهدفته خلال الحملة الانتخابية السابقة ايضا. و بذلك يكون صاحب "نداء تونس" ثاني شخصية ذات وزن في البلاد (بعد راشد الغنوشي) تفك ألغاز الرياحي وتشهد بأنه لم يكن سوى هدف لحملات التشهير الممنهجة و مرمى لسهام التهم التي وصفت بانها " تلقى جزافا تحت غطاء حرية التعبير".
وإذا ما وضعنا هذه المستجدات و"صكوك البراءة " تحت مجهر التمحيص والتقييم و تساءلنا عن سبب التصريح بها الآن بالذات وعدم الاصداح بها سابقا عندما كان الرياحي في امسّ الحاجة إلى "كلمة حق" من هذا الطرف او ذاك يتبين بالكاشف بأنّ حزب الاتحاد الوطني الحر ذو التوجه الوسطي والذي نجح في تكوين كتلة نيابية من مستقلين ومنشقين عن العريضة أصبح "محور" الفاعلين السياسيين من كلا المعسكرين "النهضة" و"النداء" على اعتبار أن شعبية رئيسه آخذة في الاتساع والارتفاع بسبب مواقفه السياسية وبفضل التعاطف الكبير للقاعدة الجماهيرية " للنادي الافريقي" معه من جهة أخرى ما سيؤهله للعب دور مركزي في سباق التحالفات الراهنة التي ستبنى على أساس تكتيك انتخابي قد يغير وجه الخارطة السياسية ويحوّل أعداء الامس إلى حلفاء لاغنى عنهم على قاعدة "لاعدو دائم ولا صديق دائم".
ويبقى السؤال المطروح هنا.. أي مستقبل لحزب "توة" في ظل هذا التجاذب الثنائي و إلى أي النداءين سيستجيب الرياحي.. نداء الباجي أم نداء الغنوشي؟؟