لولا الحرب على العراق لكان بلير سيحقق استثناء في تاريخ بريطانيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ليكون أشهر رئيس وزراء على الإطلاق غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي «قناعاته» وتحالفاته في السياسة الخارجية. فرغم ما حققه رئيس الوزراء العمالي من نتائج إيجابية على أصعدة عديدة مثل توفير مواطن شغل والحد من عدد العاطلين عن العمل إضافة إلى الخدمات الصحية والتخفيض في نسبة الإجرام ودفع النمو الاقتصادي فإن جانبا كبيرا من الشارع البريطاني ومن قاعدة حزب العمال لم يغفروا له الزج ببريطانيا في غزو العراق والانحياز التام للسياسة الأمريكية. ومع ذلك يبقى لبلير الفضل في إخراج حزب العمال من بوتقته الايديولوجية الضيقة التي صبغت أدبياته وتوجهاته طيلة عقود طويلة ليجعل من الحزب حزبا للوسط منفتحا على الطبقة الوسطى بعد أن كان اهتمامه منصبا على الطبقة الشغيلة محدثا في الأثناء ثورة في الحزب بالتخلي عن مقولة الصراع الطبقي ومغيرا توجهاته الاقتصادية والاجتماعية بصورة نادرة في التاريخ البريطاني. وإذا كان قطاع كبير من الرأي العام العالمي يركز على احتمال تغير توجهات السياسة الخارجية البريطانية في مرحلة ما بعد بلير فإن خليفته المنتظر أكد أنه سيحترم التزامات بلاده دون أن ينسى التذكير بأن أخطاء ارتكبت في تنفيذ تلك التوجهات في إشارة واضحة إلى التورط البريطاني في العراق، ولعل جانبا من البريطانيين يهمهم أيضا الإبقاء على نفس المكاسب التي حققها بلير على الصعيد الداخلي. ويتعين على رئيس الوزراء الجديد إصلاح بعض أخطاء بلير ولكن في الآن نفسه الاستعداد لانتخابات عام 2010 بنسق جديد خصوصا أن استطلاعات الرأي تبرز ارتفاعا في شعبية حزب المحافظين المنافس التقليدي للعماليين، ولا شك أن غوردون براون لديه أسلوبه الخاص في العمل وربما لديه الكثير بما يمتاز به عن بلير لأنه عرف بالجدية والرصانة وهما صفتان يتعين على البريطانيين الاعتياد عليهما لأنهما تعطيان صورة مخالفة مقارنة ببلير الذي استفاد من أسلوب العلاقات العامة في التعامل مع البريطانيين منذ توليه زعامة الحزب عام 1994 ثم فوزه في انتخابات 1997. وأمام براون عامان لإعادة الأمور إلى نصابها أولا داخل حزب العمال لتوحيده وثانيا إيجاد تجديد خطاب الحزب لأن ما جاء به بلير قبل عشر سنوات من أسلوب وتوجهات جديدة قد تم «استهلاكها» ولا شك أن المحافظين يريدون العودة إلى سدة الحكم في بلد صبغت الثنائية الحزبية حياته السياسية ولم تترك مجالا لأحزاب أخرى لكي تبرز ولتطرح نفسها بديلا.