في إطار الدورة الخمسين لمهرجان طبرقة الدولي تم تخصيص ليلة الأحد للإنتاج المحلي في إطار سهرة أطلق عليها «ليلة المسرح» حيث تم عرض مسرحيتين الأولى بعنوان «عم صالح» لمسرح الوجدان بطبرقة والثانية بعنوان «أنفلونزا الكركدن» لجمعية الأربعاء للثقافة والمسرح بجندوبة. ورغم الإقبال المحتشم للجمهور فإن الفرقتين أبدعتا وقدمتا عرضيهما بكل جدية ولاقتا احترام وتقدير المولعين بالفن الرابع. العرض المسرحي الأول «عم صالح» من إنتاج شركة الوجدان والبحوث المسرحية بطبرقة» نص وإخراج الفنان حسين العمامري تمثيل الأزهر الهميسي وحسين السعيدي بمساعدة الأستاذ نوار الضويوي(إضاءة). هذا العمل الجديد لشركة الوجدان هو عبارة عن سيرة ذاتية لفنان تألم أثناء الحكم الدكتاتوري السابق، إذ سدت أمامه كل الأبواب وحوصر وتم تتبعه ومضايقته. عم صالح شخصية اتخذت موقع الطبيب النفساني الذي يحاول علاج الفنان بالحوار والتذكر حيث يكتشف معاناته وآلامه منذ نعومة أظفاره إلى حد قيام الثورة أين أحس بحريته وعبقريته وانتزع منه الخوف شأنه شأن كل من أقصي وتم تهميشه في هذا الوطن. في هذه المسرحية تحوم الشخصية حول نفسها، حول معاناتها ما يفرض إيقاعا بطيئا في غياب أحداث بعينها. إلا عملية التذكر وما يتلوها من قرارات تدفع بالإيقاع إلى السرعة فيصبح النسق تصاعديا حادا. ولعل عودة الشخصية لأحداث خلت يجعل من الإيقاع يتصاعد وينزل ليسقط في دائرة هي أشبه بالعبثية. وكما تألمت الشخصية المحورية، انزاح عنها الغم لما حلت الثورة لتصبح حرة و يصبح الإيقاع خطيا. اعتمد المخرج في هذا العمل على ما قل ودل من الديكور والمؤثرات الصوتية والإضاءة لتمكين المتفرج من متابعة النص والحوارات المضحكة المبكية، وقد نجح في توخي هذه الطريقة وأبدع الممثلان حركة وقولا وإيحاء. العرض المسرحي الثاني «أنفلونزا الكركدن» إنتاج جمعية الأربعاء للثقافة والمسرح بجندوبة، اقتباس وإخراج وتمثيل عبد الباقي المهري بمشاركة الفنان محمد الغزواني وعادل ومعز الخميري(توظيب إضاءة) وعبد الكريم العبيدي (توظيب عام). هذا العمل المسرحي المقتبس عن نص لأوجين يونسكو «الكركدن» هو شخصية لا تحمل اسما وهو نموذج لموظف يعيش في حلقة مغلقة (الوظيفة- المقهى- البيت) تحت ضغوطات هذا العصر وروتينية الحياة المملة. هذه الروتينية الجاثمة على مزاجه قد نسقت في داخله أشياء كثيرة لتستقر به في حدود سلوك مرضي أتلف من ذهنه الصورة الآدمية للأخر واستقرت بدلها صورة «كركدن». من هنا تبدأ مأساته لينزوي في بيته بعيدا عن الناس لاستحالة التواصل بل العيش معهم. يقول المخرج عبد الباقي المهري:» بين تدفق السرد ورشاقة التجسيد اخترنا الخط الجمالي لإخراج هذه المسرحية، في إيقاع متصاعد يتحقق تدريجيا بأداء الممثلين والحركة المتواصلة لعاصر الديكور». ومهما يكن من أمر فإنه يحسب لإدارة المهرجان الدولي بطبرقة برمجتها هذين العملين في سهرة واحدة لعدة أسباب منها بالخصوص تشجيع الإنتاج المحلي بتقريبه من الجمهور وتحسيس رواد مسرح البازيليك على التأقلم مع عروض الفن الرابع وإدراك جمالية النصوص العالمية التي ستظل مفيدة ومثقفة في كل زمان ومكان.