يبدو أن ملف المشرفين على السجون التونسية زمن النظام السابق ما تزال تلقي بظلالها على الساحة الحقوقية والسياسية، خاصة أن البعض منهم علقت بهم تهم تعذيب سجناء سياسيين، وما زال البعض منهم على راس عدة وحدات سجنية بل تم ترقية البعض منهم حسب ما أكده عدد من السياسيين والإعلاميين الذين تعرضوا للقمع والتعذيب ايام الجمر. لكن وزارة العدل نفت في ردها على التصريحات الإعلامية لهؤلاء -نشر قبل أسبوع - وجود مورطين في التعذيب ممن شملتهم الترقية مؤخرا ودعتهم إلى تقديم أدلة تدينهم.. فيما يلي تعقيب الصحفي سليم بوخذير على رد وزارة العدل: " فيما إنتظرت شخصيًّا وإنتظرَ معي عديد الحقوقيين والسياسيين المدافعين عن خيار المحاسبة والتطهير وإعلاء راية العدالة بعد الثورة، أن تتبادر وزارة العدل بِأخذ ما ورد في تصريحاتي لصحيفة "الصباح" المنشورة بتاريخ 9 أوت 2012 حول تعيين الوزارة لضالعين في قمع السجناء السياسيين السابقين على رأس مؤسسات سجنية مؤخرا مأخذ الجدّ فتبادر الوزارة مثلا بِتصحيح مساراتها وإنْ لزِم الأمر تعتذر على إنحرافها عن أهداف الثورة، فوجئت بالوزارة تنشر على أعمدة "الصباح" بتاريخ 11 أوت 2012 ردًّا عجيبًا لا تقلّ دهشتي منه عن دهشتي من أشياء عديدة حدثت بعد الثورة من ذلك دهشتي من خبر أنّ السيد وزير العدل الحالي نور الدين البحيري إنّما هو قياديّ في حركة النهضة المقموعة والمسحوقة والُمنكّل بأبنائها والمدمّرة أوصالها على يد رحى الدكتاتورية قبل 14 جانفي. أجلْ، لقد سمعت ذلك الخبر بعد 14 جانفي (خبر أن السيد البحيري قياديّ في النهضة) وأنا الذي كنت قريبًا جدّا من نضالات حركة النهضة وغيرها من الأحزاب والأطياف السياسية والحقوقية وقد جمعنا كلّنا بن علي في موائد التنكيل والتعذيب والمحاصرة والتجويع والإضطهاد فقُلت: يا سلامْ ، نور الدين البحيري المُقيم طوال حكم بن علي في تونس قياديّ في النهضة وأنا لا أعلم! لماذا إذن لم أسمع به نال يومًا سجنا أو يومًا تنكيلًا مثل كلّ أبناء الحركة ومثل كل مناضلي الأحزاب السياسية والحركة الحقوقية والمنتفضين على الدكتاتورية من محامين وصحافيين وقضاة ونقابيين وغيرهم ؟ هل كان النظام البوليسي الأرعن لِبن علي وحشيًّا مع كل قيادات النهضة وأبنائها صغيرهم وكبيرهم وكان رحيمًا فقط مع البحيري؟ أمُرّ الآن إلى ماورد في ردّ وزارة العدل نقطة بنقطة: فقد ورد في الردّ أنّ الوزارة "تعاملت بكل جدّية مع كل ما توفّر من ملفّات سابقة النشر ومن تشكيات وتذمرات" قبل إتخاذ قراراتها بشأن التعيينات في سلك السجون أو الإقالة وأن يتوفرّ لديها "حد أدنى من القرائن والحجج الجدّية لا الإدعاء المجرّد" بحسب تعبير الردّ، وهنا تنتفض الأسئلة في خاطري إنتفاضًا يا سيدي البحيري، فهل هناك من الحقوقيّين من لا يعرف مثلاً حقيقة شاكر العاشوري الذي عينته الوزارة مؤخرا على رأس سجن المرناقية وإبراهيم منصور الذي عيّنته على رأس سجن المهدية وعادل برك الله الذي عينته على رأس سجن صفاقس؟ لقد أورد ردّ الوزارة عبارة "ملفات سابقة النشر" وهنا أسأل: ألمْ يقرأ السيد الوزير ما نُشر عن هؤلاء الثلاثة بعديد المواقع من بيانات المنظمات الحقوقية زمن بن علي؟ ألم يسمع السيد البحيري بما فعله المدعو العاشوري مع محمد عبو زمن سجنه حين كان مديرًا لمعتقله بالكاف والتنكيل الذي مارسه عليه لأكثر من عاميْن والذي إنتهى بدور لعبه العاشوري نفسه في الضغط على عبو لكسر إرادته لِيُتوَّجَ الأمر بِتوسّط محامٍ قريب من السيد البحيري في أن يُوقّع عبو للأسف كتابيًّا على طلب من نظام بن علي للعفو؟ ألم تسمع وزارة العدل بِبيانات المنظّمات عمّا إقترفه المدعو منصور حين كان مديرا لسجن المرناقية زمن إعتقال وتعذيب سجناء قضية سليمان وزمن سجن زهير مخلوف وتوفيق بن بريك وما إقترفه منصور هذا من تعنيف للأستاذ المحامي عبد الرؤوف العيادي والسطو على هاتفه الجوّال الشخصي لمجرّد محاولته تصوير سجين سياسي كانت على جسده آثار التعذيب الشديد؟ هل يجوز للسيد البحيري أن يُجازي منصور بتعيينه مجدّدا بدل محاسبته والإمعان في الدفاع عن قرار تعيينه ثانية؟ ألم تقرأ وزارة العدل ما نالني من تنكيل يومي في معتقل صفاقس طوال فترة إعتقالي التي كانت كلّها في زنزانة السجن المضيق الإنعزالي على يد المدعو برك الله نائب مدير المعتقل وآخرين تحت قيادته وقتها وتطاوله حتّى على محامين حاولوا زيارتي ومنعهم ونال منهم حمايةً لسيّده بن علي وقتها ؟ ويشهد بتاريخ برك الله زميل السيد البحيري في الحكومة السيد سمير ديلو أحد محامييّ الذي حضر تصريحي للقاضي الفاسد الذي حكم عليّ في الإستئناف حول التنكيل المسلّط عليّ في المعتقل المضيق الإنعزالي وقتها.. دعانا ردّ الوزارة صراحةً نحن السجناء السياسيون السابقون إلى "أن نتعالى عن كلّ آلامنا" من تلك الفترة السجنيّة القمعية التي دفعنا فيها الفواتير الباهظة من صحتنا وعمرنا وكرامتنا وحقوقنا وأن نتجاوز ما وصفه الردّ بِ "كل أنواع الثأر والانتقام وأن نضع مصلحة البلاد فوق كلّ إعتبار"، فبأيّ حقّ تنصّب الوزارة نفسها نائبًا عنّا لتقرّر بدلًا عنّا تجاوز الآلام ؟ هل عانى معنا الأستاذ البحيري ومسؤولو وزارته ليشعروا بآلامنا تلك وبِجراحنا التي لم تندمل بعدُ؟ ومن قال للوزارة إنّ مطالبتنا بالعدالة هي نوع من الإنتقام؟ هل مطلوب منًّا مثلا بدل تقديم من نكّل بنا إلى العدالة أن نكرّمهم ونوشّح مثلا صدورهم بالأوسمة والنياشين؟ هل أنّنا حين نطالب بالعدالة نكون قد عاديْنا مصلحة البلاد؟ إتهمني ردّ الوزارة بِ "التسرّع في إصدار أحكام إلى حدّ الحديث عن ترقيات وتكريم للجلاّدين" في تعليقها على تصريحاتي لِ"الصباح" ، فماذا يسمّي السيد البحيري تحويل المدعو بركة الله من نائب مدير سجنٍ إلى مدير؟ أليس إسمها ترقية أم أنّ إسمها "بطّيخًا" مثلاً؟ وماذا يسمّي تعيين مورّطين في القمع والتعذيب النفسي والجسدي ؟ أليس تكريما لهم بدل المحاسبة؟ لي أسئلة كثيرة أخرى تخصّ وزارة العدل تتعلّق بِبقاء ضالعين آخرين في قمع السجناء السياسيين السابقين من غير محاسبة وتخصّ أيضا قضاة كانوا ذراع بن علي في إصدار أحكامهم الباطلة في القضايا المفبركة ضدّنا ومازالوا يعملون الآن ومن غير محاسبة، وهي أسئلة ليست موضوع هذا المقال وسيأتي الوقت بإذن الله لطرحها.. بقلم: سليم بوخذير صحفي سجين رأي سابق وناشط حقوقي