تمّ مؤخرا تقديم عرض بقاعة دار المسرحي لمسرحية "قمرة 14" من إنتاج لشركة عطيل للمسرح وهي عن نص لفاتن الخميري وإخراج جمال ساسي وجسد الأدوار كل من فاتن الخميري وفتحي بوسهيلة. أولى الملاحظات التي سجلناها أن مضمون هذا العمل قد يكون قراءة استشرافية فنية انطلاقا من معطيات اجتماعية وسياسية معيشة.. أو هو توقع لما كان سيحدث قبل الثورة.. أو لعلها مؤشرات منطقية لواقع اجتماعي كان منغلقا، يتسم بضيق الآفاق، ومشحونا بصراعات فكرية وإيديولوجية وسياسية متداخلة ومتشابكة... و رغم أن الفنان جمال ساسي كثيرا ما يصرّ على أن هذا العمل قد تم إنتاجه قبل حدوث الثورة بعدة أشهر إلا أن الملاحظ لأحداث المسرحية سرعان ما يقتنع وكأنه أمام لوحة فنية، كل ألوانها وخيوطها تجتمع لتجسم ابرز الملامح وأدق التفاصيل لما حدث تحديدا يوم 14 جانفي 2011 بل وأكثر من ذلك. نص العمل ارتكز بالأساس على أحداث متقاطعة من خلال تسليط أضواء مختلفة ومقتضبة وموجزة لمجموعة من القضايا انطلاقا من حياة زوجين يطرحان واقعا اجتماعيا مترديا تسوده الصراعات اليومية والتكتلات عبر سرد مشحون تارة بالانتقاد وطورا بالتهكم.. مشاهد هذه المسرحية تراوحت بين الصمت والحوار.. وبين الحكمة والانفعال.. تهدأ أحيانا.. لتصخب أحيانا أخرى.. وبين الرصانة والفوضى إيحاءات وقراءات رمزية قابلة للتأويل.. حركات وتعبيرات.. تجعل المتلقي يفكر ليتساءل.. ليفهم ثم يستوعب.. مسرحية فيها توق إلى النجاة ومحاورة لذواتنا وتساؤل مشروع للخروج من حيرة أصابتنا ومن واقع مترد فرض نفسه علينا ومن بقايا أحلام في طريقها للتلاشي... مسرحية قمرة 14 ومهما اختلفنا في تاريخ وطريقة إنتاجها تبقى عملا فنيا انطلق منا ليرسم ملامحنا بصدق وعمق ويعيدها إلينا أكثر نقاء وهذا طبعا ما يحسب للفنان جمال ساسي مخرج العمل.