غيّب الموت صباح أمس الممثل والمسرحي جميل الجودي الملقب بعميد المسرح في تونس وذاكرة المسرح والثقافة لأنه كان أحد الفاعلين في جزء كبير من تاريخ الفن الرابع والثقافة في بلادنا بمختلف قطاعاتها ليرحل عن سن يناهز 78 سنة فقد كان ولد في 4 أفريل 1934. رحل بعد تجربة زاخرة بالأعمال والأدوار المتنوعة من حيث المهام والمواقع تتراوح بين التمثيل والإخراج وكتابة السيناريو أو التأطير على امتداد أكثر من خمسة عقود شارك خلالها في عديد الأعمال المسرحية والسينمائية والدرامية وغيرها من الأعمال الأجنبية. ويبدو أن فقيد الساحة الثقافية كان تحسّب لحتمية الوجود بعد أن ألم به المرض ولزم بيته خلال السنتين الأخيرتين ولم يجد من سند سوى زيارة أصدقائه وأحبائه واستبق قدر الموت بأن اختار مصير إنجازاته وتجاربه المتمثلة في جملة أعماله وقدمها لمؤسسة الأرشيف الوطني لتكون على ذمة أهل القطاع. وما يحسب للراحل أنه لعب دورا كبيرا في تغيير وتطوير المشهد الثقافي عامة والمسرحي خاصة خلال تجربته التي انطلقت منذ سنة 1952 وهو تاريخ تقديم أول عرض مسرحي بالمسرحي البلدي. كما اضطلع خلال تجربته الطويلة بمهام إدارية وأكاديمية كانت بمثابة المنعرج الحاسم نحو مسار التطور والريادة في تاريخ الفن الرابع في بلادنا خاصة أنه كان رفيق درب بعض رموز هذا القطاع منذ الستينات لعل من أبرزها الراحل علي بن عياد. وساهم في تكوين أجيال من المسرحيين على غرار كمال العلاوي ومنجي بن ابراهيم وغيرهما ممن يضطلعون بأدوار هامة في المشهد الثقافي والقطاع المسرحي في بلادنا. تجارب زاخرة ومن أبرز المحطات التي توقف عندها خلال تجربته المتميزة بالعطاء والثراء أنه كان أحد عناصر فرقة بلدية تونس للتمثيل. إضافة إلى أنه أول من أشرف على أول فرقة مسرح جهوية تم بعثها بصفاقس سنة خلال الستينات فضلا عن تكليفه بالإدارة الفنية لمركز الفن المسرحي الذي تحول فيما بعد إلى المعهد العالي للفن المسرحي. كما تولى رئاسة لجنة التوجيه المسرحي بوزارة الثقافة. ولعل من أبرز الأعمال المسرحية التي لا تزال راسخة بالأذهان "قريتي" و"عم سلومة زميم الحومة" وغيرها. كما شارك في عديد الأعمال التلفزية من بينها "الأيام كيف الريح" و"الحصاد" و"عنبر الليل" و"التحدي" وغيرها من الأعمال الدرامية الأخرى والأفلام على غرار"سجنان" و"غدا" وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن جميل الجودي شارك أيضا في عديد الأعمال الكبرى من بينها عرض "غني يا ليل" الخاص بافتتاح مهرجان قرطاج الدولي منذ تسع سنوات. ولكن دوره التأسيسي لم يقتصر على ما هو وطني بل تجاوزه إلى خارج حدود الوطن باعتبار أنه أحد مؤسسي المسرح في السعودية أين تولى ترسيخ الفن الرابع في هذا البلد وفق قواعد خاصة به. ولئن حظي جميل الجودي بحضور ملفت في الأعمال التلفزية جلبت له الحب والشهرة الكبيرين من خلال اضطلاعه بأدوار كان خلالها رمزا للرجل البرجوازي والثري وصاحب الكاريزما الخاصة، فإنه ظل خلال السنوات الأخيرة بعيدا عن الأضواء ولم يحظ بالتفاتة سلطة الإشراف لاسيما بعد أن خانته القوى وأصبح عاجزا على الوقوف على الركح.