أيام قليلة تفصل جميع التونسيين عن موعد 16 أكتوبر لتتوضح الرؤية السياسية وتتلاشى غيمة التجاذبات التي طرحها موعد 23 أكتوبر وذلك بجلوس جميع الحساسيات السياسية على طاولة الحوار وتشخيص مختلف الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال هذه المرحلة الانتقالية. ولئن يبدو انّ هذا المؤتمر قد يكون صفحة جديدة في تاريخ تونس السياسي لتكريس مبدأ التوافق إلا انّ فرضية العودة الى المربع الاول محتملة خاصة بوجود حساسيات سياسية لها رؤى متناقضة مع الطرح المدني والجمهوري وهي التيارات التي يطلق عليها التيارات السلفية. فما هو موقف هذه التيارات من موعد 23 أكتوبر؟ وهل سيتمّ تشريك هذه الاحزاب في الحوار الوطني؟ اعتبر رضا بلحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير انّ كل الالتزامات التي انبثقت عن هيئة عياض بن عاشور ومن بينها موعد 23 أكتوبر لا تلزم حزبه في شيء ولا يدافع عنها البتبة بل يرى فيها كثير من المغالطات. وعن موعد 23 اكتوبر والازمة السياسية المطروحة حاليا حوله قال بلحاج "الدعوة الى اعتبار هذا الموعد موعدا نهائيا وشبة مقدّس هي دعوة خطيرة وهذا ليس دفاعا عن من هم في السلطة اليوم بل ان في هذا دعوة الى احداث فراغ سياسي في المقابل البلاد تعيش حالة من الفوضى وقد صّح بعض السياسيين جهرا بدعوتهم الجيش لتولي الامور وهذا امر خطير وقد ينتج ديكتاتورية جديدة". انقضاض على السلطة ورأى بلحاج انّ ما طرح خول احداث هيئة انقاذ للبلاد تضم 10 شخصيات توكل لهم مهمة وضع رزنامة المرحلة المقبلة هي دعو للانقضاض على السلطة وليست لانقاذ البلاد. واستبعد الناطق الرسمي باسم حزب التحرير دفاع حزبه عن المجلس التاسيسي او الحكومة مؤكدا ن ما يهم حزبه هو الطرح الذي تتبناه بعض التيارات السياسية وهو طرح تآمري لاعداد مشروع فوضوي بامتياز وللانقضاض على الحكم بعناوين مختلفة حسب قوله. واضاف" لم تقم الثورة لتعطى لبعض الانتهازيين بل قامت لإرجاع ذاتية الأمة والشعب ولا سلطة عليها من الغرب ولا من الديكتاتورية ولا من العلمانية التي اصبحت من الغابرين وانمّا لإيصال صوت الامة الصحيح وهو تطبيق الإسلام بطريقة راشدة واقرار دستور على اساس إسلامي بل انّ الامة قد خذلت في مشروع دستور كتب في الظلام". وعن الحوار الوطني الذي دعا اليه الإتحاد العام التونسي للشغل في 16 اكتوبر الجاري قال بلحاج "إلا حدّ اليوم لم تتمّ دعوتنا الى الحوار الوطني ولكن اذا تمت دعوتنا سنحمّل الجميع مسؤولياتهم الحكومة والمعارضة اللذين اثبتا أنهما اصغر حجما من الثورة علما ان الحكومة الحالية مهما بلغت من جهد ستبقى خطواتها متعثرة وستبظلّ المعارضة مقتصرة على ردود افعال ولن يكون البديل سوى اسلاميا بجميع تفصيلاته". وقال بلحاج "ان حزب التحرير خارطة طريق ليحرّك الشارع التونسي ولدينا رأس مال من المعتصمين والمحتجين ومشروع حكم بآليات مفصلة وضمانات لإخراج البلاد من عنق الزجاجة". تشريك كل الحساسيات السياسية ورغم اعترافه بانّ موعد 23 اكتوبر هو التزام ادبي بين بعض الاطراف السياسية راى محمد خوجة رئيس جبهة الاصلاح انّ "سحب الثقة من الحكومة يعود الى المجلس الوطني التاسيسي الذي لا نعترف الا به لكن نقترح كحزب مواصلة الحكومة للخروج من الازمة السياسية "المفتعلة بهدف تشريك كل الحساسيات السياسية الممثلة داخل التاسيسي او خارجه". وعبّر خوجة عن خشيته من ان ينساق المجتمع في هذه الفتنة وتلهيهم عن مطالبهم الأساسية وبذلك يجب تشريك كلّ الحساسيات السياسية في الحوار حسب رايه. وحول الحوار الوطني قال خوجة انه "لم تتم دعوتنا في هذا الحوار، كما لن نسعى الى المطالبة بمنصب سياسي او حكومي بل لإعطاء رأينا في كل المجالات التي حدثت فيها أزمات". التزام اخلاقي وخلافا للموقفين الأولين فقد راى محمد مجاهد امين عام حزب الأصالة انّ موعد 23 اكتوبر هو "التزام أخلاقي اتفقت عليه جميع الأحزاب ولا بدّ من الوفاء بالعهد والوعد وكان من المفروض على الذين تحملوا مسؤوليات الإيفاء بتعهداتهم وإتمام مهمة كتابة الدستور في 23 اكتوبر الحالي". ونبه مجاهد إلى انّ "عدم الالتزام بإعلان موعد الانتخابات القادم وموعد الانتهاء من كتابة الدستور هي أخطاء إستراتيجية وتمرد على الشرعية". واكد انه لم يتم الى حد الان دعوتهم الى الحوار الوطني الذي دعا اليه الاتحاد العام التونسي للشغل. ورغم ان الوضع الراهن يتطلب جلوس جميع التيارات السياسية بمختلف أطيافها الا انّ بعض المحللين السياسيين يرون ان دعوة الأحزاب الإسلامية قد تفتح أجندات تنحرف بالقضايا الوطنية. قضايا وطنية بالاساس ومن وجهة نظره راى جمعة القاسمي الإعلامي والمحلل السياسي انه يتعين ان يكون الحوار الوطني مفتوحا امام كلّ القوى والأطياف السياسية لكن بالنظر الى طبيعة هذا الحوار الذي ستناقش فيه قضايا وطنية اساسية وبالتحديد منها مدنية الدولة والنظام الجمهوري لا تتفق مع طرح الأحزاب التي تصف نفسها بالإسلامية ما يعني ان مشاركة هذه التيارات في هذا الحوار لا فائدة ترجى منها باعتبار رفضها للديمقراطية ومبدأ الانتخابية كوسيلة للتداول السلمي على السلطة. وفي قراءته لمسألة تشريك التيارات الاسلامية من عدمه قال القاسمي "ان لهذه القوى قراءات مختلفة لمستقبل تونس فمنها من يدعو صراحة الى مايسمى بالخلافة الاسلامية ويرفض قطعيا الانتخابات والديمقراطية بشكل عام ومنها من يحاول المزاوجة بين طرح يستمد أصوله من الشريعة الإسلامية وآخر يحاول أن يجاري العصر ويجهر بأنه مع الانتخابات لكنه في نفس الوقت مع مجلس شورى". ورغم تعدد القراءات فان القاسمي اكد" ان الواقع الذي نشهده اليوم في تونس خاصة في هذه المرحلة وبالنظر الى حجم التحديات الكبيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يتهدد البلاد من مخاطر متنوعة بات من من الضروري ان تتكاتف جميع الأطراف الغيورة على هذا الوطن لإنجاح مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل وبالتالي يتم ضبط رزنامة عمل واضحة لإخراج البلاد من المأزق الذي يترصد بها على ضوء التجاذبات المرتبطة بموعد 23 أكتوبر". وقال المتحدث "في حال وجد طرف رافض لأحد المبادئ الأساسية التي يستند إليها الحوار الوطني فبالتالي تصبح مشاركته لا معنى لها لانّ المطلوب من هذا الحوار هو رسم خارطة طريق والتوافق على مستقبل البلاد وإخراجها من المأزق الراهن عبر التوافق على مدنية الدولة والنظام الجمهوري كأساس غير قابل للنقاش ويبقى الدخول في قضايا اخرى متناقض مع مبدأ مدنية الدولة وقد يجرّ البلاد في متاهة جديدة لا احد بامكانه الخروج منها بسلام ويبقى الخوف من العودة الى مربع ادراج الشريعة في الدستور قائما". ومن جانبه اعتبر صلاح الدين الجورشي الإعلامي والمحلل السياسي انّ الحوار الوطني حدد اطرافه وهي الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي والتي شاركت في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي لاّنّ القضايا التي ستطرح هي حول الهيئات التي سيقع إحداثها مثل هيئة الانتخابات وهيئة الاعلام وهيئة القضاء وفتح نقاش حول القانون الانتخابي ومساءل متعلقة باهداف الثورة ولو تم تشريك التيارات الإسلامية في هذا الحوار فقد تفتح أجندات تنحرف بالقضايا الأساسية ويتعطّل الحوار. الاتحاد.. عدم الدعوة ليست اقصاء بدوره افاد سامي الطاهري الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل ان الاتحاد دعا الاطراف التي شاركت في الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي او الاطراف الممثلة في المجلس الوطني التاسيسي او الخبراء الذين قدموا مشاريع في الدستور مؤكدا ان عدم دعوة بعض الأطراف التي برزت بعد الثورة لا يعتبر إقصاء مثل الاحزاب الإسلامية التي اعلنت انها لا تتبنى مدنية الدولة والنظام الجمهوري والتي ربما تفكر في أشكال سياسية أخرى لفرض ذاتها وهي أشكال تخيف الى حدّ ما التونسيين وعلى هذا الاساس لم نقم بدعوتهم الى الحوار الوطني.