كان ذات يوم وقودا لثورة أتت على نظام لم يتوقع احد سقوطه،فقد لعب «الفايس بوك» دورا هامّا في إسقاط نظام بن علي وكان المساند الرسمي للتحركات الشعبية التي شهدتها البلاد منذ ديسمبر 2010 وقبيل انتخابات اكتوبر الفارط بأشهر قليلة، اذ كان المصدر الاول للأخبار والمزود الرسمي لوسائل الإعلام العادية لكن دوره تراجع بعد الانتخابات واصبح مستغلا من طرف البعض لهتك اعراض الناس ونشر الاخبار الزائفة وتاليب الراي العام حول عدد من الملفات وهو ما افقده شيئا من المصداقيه لدى التونسيين. ومع انتهاء الجدل حول شرعية موعد 23 اكتوبر عاد الموقع الاجتماعي الاكثر انتشارا للظهور مجددا حاملا معه الجديد. فما سر هذه العودة.. وهل هناك قانون يجرّم ما يحمله من تجاوزات؟ أظهر الإصدار الأخير من تقرير الإعلام الاجتماعي العربي الصادر في جويلية من السنة الجارية وصول عدد مستخدمي» الفايس بوك» في الوطن العربي الى 45 مليون شخص بزيادة قدرها 50 % عن الفترة ذاتها في 2011، وبواقع ثلاثة أضعاف منذ جويلية 2010. وفي تونس ومصر وغيرهما من دول الربيع العربي فان نسب مستعملي هذا الموقع الاجتماعي قد ارتقعت بشكل كبير وهو ما اكده التقرير الذي لم يات على ذكر التجاوزات الحاصلة في هذه المواقع المستغلة من قبل اطراف وكل حسب توجهاته واهدافه. جرائد خاصة يقول الدكتور سالم لبيض (مختص في علم الاجتماع السياسي): «لابد من الاقرار بان صفحات «الفايس بوك» باتت تشكل نوعا من الجرائد الخاصة بالافراد او بالمجموعات تنشر فيها يوميا وعلى مدار الساعة ما تراه يخدم توجهاتها ومصالحها مما جعلها تؤثر في امبراطوريات الإعلام التقليدي عبر تزويدها بالمعلومات الفورية ليصبح بذلك «الفايس بوك» نوعا من الصحافة العصامية. لقد اتاح الحراك في الفضاء الافتراضي القابل للاختراق من قبل افراد ومجموعات ظهور مجتمع مدني خاص بالجمعيات والنقابات والمنظمات وآخر سياسي خاص بالاحزاب والكتل الكبرى وثالث تمثله مؤسسات الدولة. لقد ساهم هذا المجتمع الاقتراضي في اسقاط نظام بن علي». انحرافات .. لقد اصبحت المواقع الاجتماعية وصفحات «الفايس بوك» فضاء للتجاوزات ولتنظيم الحملات والمسيرات (حملة«اكبس»..) ولقتل الشخصيات الوطنية على غرار ما جاء من تحذير في عدد من الصفحات «خطير جدا: شاهدوا يا شعبي أساليب ما يسمى ب«لجان حماية النهضة». يدعون علنا إلى القتل» (دون ان نذكر الاسم المقترح)، او التحذير من سياسيين مثل ما يروج حاليا حول شكري بلعيد الامين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد حول التحذير منه واعتباره فردا لبث الفتنة والفوضى في البلاد، او الدعوة من خلال صفحات عدد من الاحزاب الى تحييد وزارت السيادة من كل انتماء حزبي والتوافق على كفاءات مستقلة بشانها.. وغيرها من مهام صفحات «الفايس بوك» في المرحلة الحالية. يقول سالم لبيض: «لعب المجتمع الافتراضي دورا كبيرا في كل التجاوزات السياسية التي عشناها منذ 14 جانفي الى الان رغم التباس الحق بالباطل فيه والحقيقة بالكذب وسقوط مدوي لاخلاقيات التعامل الانساني والاجتماعي بين الافراد والمجموعات المتنافسة والمتصارعة على خلفية كسب المساحات السياسية ومن ورائها تحقيق المكاسب والمزايا بانواعها حتى ان الفكرة الوطنية التي تعطي أولوية لمصلحة المجتمع وتحافظ على مؤسسات الدولة قد ضاعت في ثنايا تلك الصراعات الطفيلية وعلى هذا الاساس تشتبك القوى السياسية افتراضيا ونصل احيانا كثيرة الى ممارسة العنف الرمزي وكل ذلك يدخل في سياق حملة انتخابية بدات مبكرا بين سلطة لها انصارها تريد ان تثبّت مواقعها وتحسنها في الانتخابات القادمة ومعارضة تقوم بتحسين شروط التفاوض السياسي في هذه المرحلة بالذات من اجل احتلال مواقع تساعدها على تحسين تمثيلها النيابي في الانتخابات المنتظرة وذلك في اطار الحصول على نصيبها من الكعكة السياسية او في السلطة». تطوير التشريع من جهته يؤكد الدكتور قيس سعيد (استاذ في القانون الدستوري) ل«الصباح الاسبوعي» ان بعض التجاوزات الحاصلة عبر صفحات «الفايس بوك» خاصة تلك المتعلقة بهتك اعرض الناس وتهديد امنهم ونشر اخبار زائفة اركان قائمة بالقانون وفي التصوص القانونية لكن يشدد على ضرورة وضع تشريع جديد في تونس للتعامل مع هذه الوسائل الحديثة لان الامر يتعلق بالقانون المدني والتجاري (عملية الاشهار بطريقة غير قانونية لبعض الشركات والاسماء) والجزائي. ويضيف في هذا السياق: «لن تكون التشريعات الوطنية كافية للتعاطي مع وسائل الاتصال الحديثة لاتساع شبكة التواصل لذلك وجب وضع اطارآخر على المستوى الدولي. اما بخصوص الدعاية الانتخابية حيث تستغل المواقع الاجتماعية افضل استغلال فتونس لم يعد بإمكانها التعامل معها بنصوص قانونية وضعت في القرن العشرين وبذلك يصبح تشريعنا خارخ التاريخ».