مليونا تونسي مسجلون عبر «شبكات الفايس بوك» حسب اخر الاحصائيات المتداولة على الشبكة العنكبوتية.. رغم ان دوره الاول كان إعلاما بديلا في ظل تقييد حرية الاعلام في تونس الا انه اليوم ورغم خروج عشرات الصحف والمجلات الى النور ورغم دخول الاعلام مرحلة اللامراقبة والحرية القصوى الا ان «الفايس بوك» حافظ على موقعه لدى التونسي كفضاء مستهلك بنهم يومي قد يصل حدّ الادمان ...فلماذا يهرب التونسي الى «الفايس بوك» ؟
لم يعد «الفايس بوك» مجرد موقع اجتماعي للتواصل بين الافراد خاصة بعد الدور الذي لعبه في احداث الثورة التونسية حيث ساهم بشكل كبير في نشر المعلومة وفي توزيع الاخبار للوقائع المحلية في دقائق لتصبح المعلومة متاحة للجميع في نفس الوقت دون قرصنة او صنصرة مع فرصة تبادل الآراء والمواقف ليس على المستوى الوطني فحسب بل عالميا ...
اليوم مازال الفايس فضاء اعلاميا لنشر الاخبار العاجلة وان كان بعضها اشاعات وساحة حرب افتراضية بين مختلف التيارات والفئات السياسية ..فضاء ما يزال يسيطر على اهتمامات التونسيين باختلاف اعمارهم لكل فئة منهم غايته التي قد تختلف عن غاية الاخرين ..فهذه ام تجد في الفايس بوك الفرصة للحديث مع ابنها المغترب والتحادث معه صوتا وصورة عبر «الشات المرئي» واخرى تتابع صور احفادها لابنتها المهاجرة ...
وعائلات خلقت مجموعات عائلية لتبادل الاخبار والحكايات والصور واطفال منتحلون لاعمار اكبر منهم يلعبون عبر العالم الافتراضي المزرعة السعيدة والحكايات التلمذية ...عالم عجيب جعل من العالم الكبير كله قرية صغيرة تخول لك لقاء مع عائلتك واصدقائك في نفس الوقت من اكثر من بلد واحد ...وساسة يفتحون الحرب تلو الاخرى ....لكنها تظّل دوما تحت طائلة العالم الافتراضي قد تختلف نتائجها من معركة الى اخرى ..
بحثا عن زوجة ملفوفة في تأشيرة سفر
لكل واحد منهم موقف ورأي مخالف يصر «عادل الفالحي» موظف ان «الفايس بوك» ما يزال ويظل العالم المصغّر لديه فمن خلاله يرى الجميع ويتحدث مع الجميع دون الحاجة للتحرك من الغرفة فهو كل العالم بين يديك ...مضيفا:«اعترف اني كنت ولا ازال ابحث عن زوجة ليس بمفهوم الزوجة بل أنثى تحمل في ابتسامتها تأشيرة سفر الى عالم الغربة ...لكن لكل واحد منا غايته خاصة اليوم فالفايس اضحى كل وسائل الاعلام مجتمعة معا ..وكل شيء بامكانك ان تراه «مباشر» ...ولن يتخلى التونسي عن هذه العادة الا اذا توفرت قناة تلفزية تبث كل الاحداث مباشرة ...فمثلا قنواتنا تكون نائمة في بث الحفلات والمسلسلات حينها تكون الاخبار الطازجة والمباشرة على الفايس لكل شيء ..».
الشعب يرى الحقيقة من خلال «الفايس بوك»
عاطف علوي ..شاب تونسي متحصل على شهادة التقني في الصيانة الصناعية من المعطّلين عن العمل بمفعول الوضع العام ومن مستعملي الشبكة العنكبوتية ويدير عددا من الصفحات عن الفايس بوك يقول: «الفايس بوك» في نظري كأدمين فايسبوكي هو عبارة عن شبكة اجتماعية داخلها يمكن التقاء العديد من الثقافات و الاديان والعادات و القضايا معا وقد ساهم بنسبة كبيرة في انجاح الثورات العربية, لذلك سارعت الحكومات المتساقطة في قطع هذه الخدمة أثناء اندلاع هذه الثورات و الهيجان الشعبي . وكشاب تونسي اراه محطة تواصل اجتماعي اعطى أكله فقد كان الملاذ الوحيد لي للتعبير عن حريتي في ما مضى و رفضي للظلم و القهر.
دخلت هذا العالم ككل شاب تونسي بغية تحقيق الثروة السريعة والهروب الى جنة اوروبا الوهمية بزوجة او عقد عمل لكني وجدت نفسي اغرد خارج السرب وجدت نفسي تائها اما بالبحث عن الثروة او الثورة فوجدت نفسي لا اراديا اتخلى عن حلمي لابحث عن نفسي وسط ثورة.
كنت احلم بثورة أسعى لها واخصص لها من مالي و جهدي ووقتي لنقل المرارة التي يعيشها التونسي الى ان من علينا الله بهذة الثورة المباركة .. كنت اتعرض للقمع من اصدقائي في الواقع قبل أن اتعرض للقمع ممن هم في العالم الافتراضي خشية من نظام طاغوتي يراقب كل تحرك فيسبوكي كان يلغي حساباتنا باستمرار . ورغم مرور أكثر من عام على سقوط النظام الا ان الشعب التونسي الى اليوم يعتبر أن «الفايس بوك «هو عينه التي يرى بها ..الواقع ..فهو الجريدة و التلفاز و الراديو.
ناشطون افتراضيا لابلاغ الفكرة
يضيف عاطف: «الشاب التونسي، كأي شاب في العالم، يبحث عن سعادته وفق الحراك الاجتماعي الذي وجد فيه، والحدود التي تضعها أمامه أعراف المجتمع الأخلاقية. عنده مشاكله، وهمومه، ومساربه اليومية التي يخلق من خلالها أبجديته الروحية، والشخصية، والمادية. ولكنه دائما متأصل في دينه الاسلامي فما معنى ان تكون ثوريا وتقف في وجه نظام ديكتاتوري لم يجد احراجا في اطلاق الرصاص لتغادر هذه الارض وانت عاص لله و لا تؤمن بالله و تحارب في دين الله لا اجد حقا فرقا بينه و بين بن علي. الثائر الحق هو من يهدم النظام الطاغوتي ليقيم دولة الاسلام دولة العدل..لذلك تجد اغلب الشباب ينشط افتراضيا ليبلغ عن فكرته وما يؤمن به فانا مثلا مازلت لا اومن بان اعلامنا تحررّ لذلك مازلت احاربه «بمنطق ثوري» و ساواصل لان النفس الثوري هو مكسبنا فنحن لم نغنم من الثورة كما فعل البعض بل بالعكس قضينا هذه الثورة في الشارع والى حد الساعة لا نزال.
حياة افتراضية أفضل من متاعب واقعية
محمد بالريش طالب بالمعهد العالي للدراسات القانونية بقابس يمتلك حسابا نشطا بعنوان «التوانسة الأحرار «سألناه عن سبب هروب التونسي للفايس بوك في نظره ليقول: «ببساطة التونسي ككل أضحى يبحث عن حياة افتراضية أفضل من متاعب وشقاء الحياة الواقعية و«الفايس بوك» أصبح ركنا أساسيا ورئيسيا في حياة التونسي الذي أصبح ينقل اليه همومه وصراعته من الواقع الى الافتراضي ايضا فهو يهرب من واقعه الى الافتراضي وينقل واقعه الى الافتراضي معا . ولا ننسى ان الفيس بوك تحول الى حلبة مصارعة ونزاع خاصة بعد الثورة وكأن التونسي يحارب خصومه في ساحة الافتراضية
العالم الافتراضي هو الحريّة
هروب الشباب إلى الفايس بوك له أسباب عديدة، بدايته كانت هروبا من العالم الأليم إلى عالم يؤثثه الشاب بنفسه، يختار الإسم والشخصية والموضوع الذي يريد. بل إنه قد يتقمص يوميا عشرات الشخصيات دون خجل أو حياء ودون رقيب أو حسيب، ثم في الثورة كان «الفايس بوك» هو الملاذ الوحيد للمعلومة الصادقة الصحيحة عن حقيقة ما يحصل في البلاد، بينما كان الإعلام يغالط الرأي العام ولا يجرؤ حتى على التلميح بالواقع الأليم».
هكذا رآه مروان محمد وهو في نفس الوقت ادمين فايسبوكي مضيفا: «لذا فكل أرشيف الثورة التونسية هو من صفحات الفايس بوك ولا توجد أي وسيلة إعلام تمتلك صورا أو فيديوهات عن الثورة.. بعد 14 جانفي أصبح الفايس بوك بمثابة قاعة العمليات التي تبرمج وتخطط التحركات القادمة للشباب وتحدد أولويات المطالب، ففي «الفايس بوك» برمجت القصبة 1 و2 و3 والتي كانت سببا في حل حكومة الغنوشي الأولى ثم في تحديد موعد إنتخابات المجلس التأسيسي .. بعد الا نتخابات لم تعد للفايس بوك القوة التي كان عليها، بسبب تحزب بعض مشرفي الصفحات أو بسبب الاختراقات المتعددة وصفحات الثورة المضادة ، التي تنشر الأكاذيب والاشاعات وتشوه المشرفين وصفحاتهم ، وذلك حتى تقلص من شعبيتهم أو تشكك في مصداقيتهم ، ورغم كل هذا فيبقى الفايس بوك المفضل لدى الشباب لأنه يعطي الفرصة لكل الآراء والأفكار ، فهو بحق صوت من لا صوت له، ولأنه أيضا الأكثر جرأة وشجاعة على طرح المواضيع وعلى كشف الملفات وفضح رموز الفساد ، وهذا عمل يتجنبه أو يخشاه الإعلام إلى حد الآن ، خوفا أو طمعا ...
مروان يضيف متسائلا: «هل فتح الإعلام يوما ملف الماسونية في تونس؟ هل تحدث عن الموساد أو عن المخابرات الأجنبية التي ترتع في البلاد؟ هل تطرق يوما إلى حملات التشيع والتنصير المتزايدة يوما بعد يوم؟ هل ذكر يوما بالأسماء والأدلة رموز الفساد في الداخلية والعدل وفي كل القطاعات ؟ هل فضح رجال الأعمال الفاسدين وكشف مخططاتهم وعلاقتهم بالمخابرات الأجنبية أو بالوجوه السياسية و الإعلامية؟ هل أعطى الفرصة للسلفيين للدفاع عن أنفسهم؟ هذه الأسئلة وغيرها ورغم خطورتها لم تطرح يوما في الإعلام التونسي بينما تطرح وتناقش يوميا على صفحات «الفايس بوك».
العالم في بيتك
العالم في بيتك هكذا راته السيدة هناء الشريف معتبرة ان الدخول الى الفايس كمن يستقبل العالم في بيته: «في الفايس بوك تجد كل شيء الاخبار والمستجدات وكل الخبايا والاسرار لذلك هو ما يزال يحافظ على موقعه الاجتماعي لدى التونسي.
العالم الافتراضي يؤدي للاكتئاب
محمد اقبال تحدث بدوره عن العالم الملقب ب«الفايس بوك» معتبرا ان الهروب الى العالم الافتراضي قد يصيب المرء بالاكتئاب مضيفا: «أنا ضد الهروب الى «الفايس بوك» والعالم الافتراضي لأنه يمارس ضغطا كبيرا على الانسان فأحيانا حين يغادر المرء للشارع وللعالم الحقيقي قد يفاجأ بان الاجواء عادية والناس عاديون وهناك من ينتقدك. وهناك من يعترضك ليسأل عن حالك وهناك من يلومك عن الغياب ومن يقف ليتحدث اليك وآخر يتجاهلك. ذاك هو العالم الحقيقي...
في نهاية الأمر نجد احيانا تهويلا فظيعا عبر الفايس بوك وكانها الحرب الأهلية وانطلاقا من الفضاء الافتراضي من المفترض أن هذا الشخص المدمن على الفايس ينتحر شنقا في اعلى شجرة لذلك احمد الله ان العالم الذي نعيش فيه مختلف اختلافا كبيرا عن العالم الافتراضي وارحم منه.
«تقطيع وترييش» الكتروني
«تقطيع وترييش» الكتروني «هكذا رأته سعاد ضاحكة من الساعات التي تقضيها في هذا العالم ضمن مجموعة تضم كل افراد العائلة الكبرى لتبادل الاخبار العائلية والصور او بلغة اخرى حسب رايها ممارسة الهواية النسائية في نقد الاخبار لتؤكد: «من الاشياء السلبية فعلا في العالم الافتراضي ان اسرتك نفسها لم تعد لديك الفرصة للجلوس اليها الا افتراضيا وهو ابعد صلة الرحم لدى الكثيرين ..هناك احاسيس صرنا نفتقدها لكن ربما الوجه الايجابي ان البعيد عنك يصبح عبر الفايس وكانه يقيم الى جوارك وتلك هي العولمة ...فربما مستقبلا نتحول الى واقعيين في عالم افتراضي.
الحرّية الحريّة
التونسي يهرب «للفايس بوك» لانه غير متعود على الحريّة و وجد في «الفايس بوك» مساحة حريّة غير مراقبة espace de liberté non contrôlée فهنا بإمكانه ان يفعل ما يريد متى شاء ويقول ايضا ما يريد دون قيد أو شرط ...ودون ان يتدخل أي كان لصنصرة الآراء او المواقف هكذا رأته آسيا بن عياد.