حضر التشنج والمصطلحات الغريبة والاتهامات المتبادلة بين نواب المجلس التاسيسي الذين خير بعضهم ان يكون ممثلا لحزبه وكتلته وناطقا باسمها بدلا من الشعب الذي وضع فيه ثقته والذي أقسم على خدمته حين تأدية اليمين. وعلى ضوء الجو المشحون الذي عاشت على وقعه عدد من جلسات التاسيسي يتساءل المواطن عن مصير ومسار الجو العام بان مناقشة الدستور فصلا فصلا، هل سيستمر الوضع على ما هو عليه أم سيكون لنقاش الدستور ضوابطه؟. ولمزيد الحديث عن الأجواء المشحونة في بعض الأحيان داخل التاسيسي ومدى تاثيرها على الجو العام لمناقشة الدستور اتصلت «الصباح الأسبوعي» بعدد من النواب من مختلف الكتل والتيارات لمعرفة رأيهم. لا وجود لأي منع من بين الاحداث الاخيرة التي شهدت توترا داخل المجلس ما قامت به محرزية العبيدي نائبة رئيس المجلس التأسيسي عندما طردت المولدي الزيدي أحد النواب عن حزب نداء تونس بعد ان قام بالتطاول عليها وعلى بقية النواب وألقى بالنظام الداخلي للمجلس أرضا. وقد ظهر النائب في حالة من الهياج متوعدا محرزية العبيدي التي ردت «بان هذا الأمر مرفوض تماما وعلى الجميع احترام هيبة المجلس» فيما قام النائب إبراهيم القصاص بتهدئة الزيدي وقد رفعت الجلسة مباشرة بعد مغادرته بأمر من العبيدي. وتجدر الإشارة الى ان النائب قد اعتذر عما بدر منه للتونسيين وللنواب مؤكدا أنّه كان في حالة غضب جراء ما يحدث في جهته (قابس) من أحداث ولم يكن يقصد إلقاء النظام الداخلي، فيما اعتبرت نائبة الرئيس أنّ المجلس يعذر حالة الغضب التي كان عليها النائب الزيدي بسبب الأوضاع التي تمر بها ولاية قابس. ولعل هذه الحالة لم تكن الوحيدة في مجلس دخل عدد من نوابه في إضراب جوع وقام عدد آخر بوقفة احتجاجية أمام المجلس. يقول النائب المولدي الزيدي معلقا على ما حدث مؤخرا بينه وبين نائبة الرئيس: «لم يمنع النظام الداخلي أيّ نائب من التكلم بحرية خاصة اذا ما تعلق الأمر بوضع صعب وخطير تعيشه الجهة التي أوصلته أصوات الناس فيها الى التاسيسي، فما حصل في قابس دفعني الى التصرف بالشكل الذي أغضب نائبة الرئيس. اما بخصوص ما سيكون عليه الحال حين مناقشة الدستور فاعتقد انه على الذين ينادون بالوفاق فانه بقي محصورا داخل الترويكا فقط عوض التشاور مع بقية الأطراف داخل المجلس وخارجه دون إقصاء لأيّ حزب سياسي وليترك الكلمة الفصل للصندوق ليقصي من يريد. وفي حال غياب بوادر وفاق حقيقي فيا خيبة المسعى ولتبقى مصلحة الشعب الذي وضع ثقته في 217 نائبا فوق كل مصلحة حزبية وسياسيوية ضيقة وذلك خدمة لمصلحة الوطن». لا وجود لأيّة صراعات من جهته يرى زياد العذاري النائب عن حزب حركة النهضة أن لا وجود لأية صراعات او تجاذبات سياسية حيث قال: «لقد بدأنا فعلا في مناقشة أولى فصول الدستور حيث غابت الصراعات والأجواء المشحونة وأعتقد أنها ستكون هادئة فالكل يؤمن بحتمية التوافق ولدينا القدرة داخل المجلس كنواب على خفض حدة التجاذبات ان وجدت والتعامل بطريقة حضارية وناجعة ليكون عملنا رصينا يتماهى وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقنا». أما هيثم بلقاسم (رئيس كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية) فقد وافق النائب العذاري في الرأي حيث قال: «أظن أن مناقشة الدستور ستكون هادئة عكس ما شهدته البعض من الجلسات العامة لأن الدستور لا يمكن أن يكون منطلقا لحملات انتخابية بدت جلية في بعض تدخلات النواب الذين باتوا يتحدثون باسم كتلهم وأحزابهم بصفة يومية معبرين عن مواقفها ورؤاها وكأنهم بذلك بصدد دعوة الناس لانتخابهم دون غيرهم. عموما سيكون الصراع بين النواب على أشده وقت مناقشة الدستور لكنه ليس إلا صراع أفكار ومبادئ وأطروحات وهو ما سيخفف من حدة التوتر إن وجد وقتها». نسوا «اليمين» وفي حديثه عن الأجواء داخل المجلس ومدى تأثيره على المناخ الذي سيناقش فيه الدستور قال محمد البراهمي الأمين العام لحركة الشعب: «لقد نسي النواب انهم أدوا اليمين بان يكونوا في خدمة كل المواطنين وانهم يمثلون الشعب وليسوا أحزابهم او كتلهم. واذا تمت مناقشة الدستور في جو شبيه بالجو الحالي فان النقاش سيكون صعبا على الجميع ولن يكون تجاوز الخلافات الحادة والقضايا المصيرية يسيرا، فالترويكا لا تزال منتشية بالنصر في انتخابات اكتوبر وآمل ان يتجاوزوا لغة التعصب والقوة وينفتحوا على الآخرين من أجل دستور سيكون لكل التونسيين وليس لحزب النهضة أو المؤتمر أو التكتل. إن أمام المجتمع المدني واجب الضغط على الترويكا وخاصة النهضة من اجل إذعانها الى الإرادة الوطنية والشعبية لان التعصب والتعالي على مصلحة الوطن سيؤدي بالضرورة الى العنف وهو أمر خطير على تونس وعلى النهضة في حدّ ذاتها». على أساس تصورات انبنت العلاقة بين المعارضة ونواب الائتلاف داخل التاسيسي على نقد سياسات الحكومة في العديد من المجالات كالإعلام والتحركات الاحتجاجية وكيفية تعاطيها مع العنف لكن سيكون لمناقشة الدستور ضوابط اخرى وقواعد حوار، وفي هذا الصدد يقول النائب المنجي الرحوي: «نحن الآن بصدد مناقشة دستور فلن تكون محل جدل بين المعارضة والحكومة بل سيكون الاختلاف بين النواب على أساس تصورات فكرية سياسية لتونس ما بعد الثورة. كما سيكون النقاش محكوما برؤى فكرية مجتمعية مرتبطة بطبيعة التونسي وتقاليده وهويته حيث من المقرر أن تتكون أغلبيات وتوافقات جديدة، تغيب فيها الترويكا التي اختلفت في مسألة التطبيع حيث يرى المؤتمر تجريمه فيما للنهضة رأي آخر لذلك فان العلاقة التي تحكم الائتلاف الحاكم لن تكون نفسها في صياغة الدستور».