منذ تشكيل الكتل داخل المجلس التأسيسي شهدت عدّة أحزاب وتيارات تقلبات وانشقاقات أدّت إلى تغيير الصورة داخل المجلس دون أن تؤثر كثيرا على التوازنات داخله، لكن تشكيل كتل جديدة تضم المنسحبين من الكتل المنقسمة يثير تساؤلات عن مدى استقرار الخارطة السياسية داخل المجلس. التساؤلات تُثار أيضا حول كتل في طريقها إلى التشكّل دون أن يكون الحزب السياسي الذي ستحمل اسمه قد شارك في انتخابات 23 أكتوبر، كما هو شأن حزب حركة نداء تونس الذي حصل على تأشيرة العمل القانوني منذ أسابيع وبدأ باستقطاب سياسيين ونواب من داخل المجلس كانوا قد غادروا احزابهم وتياراتهم (مثل خميس قسيلة الذي غادر التكتل منذ أشهر) أو انحلّت كتلتهم بسبب الانسحابات وعدم توفر النصاب اللازم لتشكيل كتلة، أي 10 نواب (مثل إبراهيم القصاص والمولدي الزيدي اللذين غادرا تيار العريضة الشعبية) وبالتالي سيكون بإمكان «نداء تونس» أن يمارس العمل السياسي من داخل المجلس التأسيسي إذا تمكّن من تشكيل كتلة ويعارض مقترحات الائتلاف الحاكم وقراراته وقد يكون له وزنه في حسم بعض القضايا والملفات الخلافية.
خارطة متحرّكة
ظاهرة الانسحابات من الكتل بدأت مع بدء عمل المجلس التأسيسي حين استقطب التيار الوطني الحر، الحاصل على مقعد وحيد بالمجلس عددا من نواب العريضة الشعبية لتشكيل كتلة الحرية والديمقراطية، قبل أن تتتالى الانسحابات التي لم تقتصر على أحزاب المعارضة بل شملت أيضا حزبين من الترويكا (المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل). وشهد المؤتمر تصدّعا كبيرا بانشقاق 12 نائبا يتقدّمهم الأمين العام السابق عبد الرؤوف العيادي الذي أسس حزب الوفاء ومعه كتلة الوفاء داخل المجلس، ومنذ ذلك الحين لم يعد المؤتمر القوة الثانية في المجلس بل لم يبق من كتلته سوى 17 نائبا.
أما كتلة التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات فشهدت انسحاب 3 نواب هم خميس قسيلة، الذي انضم إلى حزب حركة نداء تونس وصالح شعيب الذي أسس تيار «الخيار الثالث» وهو تيار لا يزال في طور التشكّل ولم تتضح الرؤية بشأن تركيبته وهيكلته، كما انسحب من كتلة التكتل النائب عن دائرة بنزرت محمد العلوش. وحافظت الكتلة الديمقراطية على تركيبتها التي تضم 30 نائبا معظمهم من الحزب الديمقراطي التقدمي (سابقا) رغم أنّ مجموعة يتقدمها محمد الحامدي، رئيس الكتلة انشقت عن الحزب بعد مؤتمره التوحيدي الذي غيّر فيه اسمه وأصبح الحزب الجمهوري.
لكن مصادر تحدثت مؤخرا عن احتمال التحاق هذه المجموعة المتكونة من 9 نواب أبرزهم محمد الحامدي ومحمود البارودي بحركة نداء تونس، لتشكيل كتلة جديدة، وقد تشمل هذه الكتلة أيضا في حال تشكيلها التحاق بعض النواب عن المسار الديمقراطي الاجتماعي وربما نواب الحزب الجمهوري إذا ما حصل الاتفاق بين هذه الاحزاب وحزب الباجي قائد السبسي على صيغة للالتقاء ضمن حزب واحد أو جبهة انتخابية واحدة.
حراك عادي
وأكّد أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار أنّه لا مانع قانونيا من أن يشكل حزب ما كتلة داخل المجلس التأسيسي وإن لم يشارك في الانتخابات، وإنّ ما يضبط تشكيل الكتل هو النظام الداخلي للمجلس والقواعد المتعلقة بالحدّ الادنى من النواب لتكوين كتلة.
وتكاد كتلة حركة النهضة التي تضم 89 نائبا تكون الوحيدة التي لم تشهد تغييرات في تركيبتها منذ بدء عمل المجلس التأسيسي، وقد دأب نواب هذه الكتلة على عقد اجتماع مغلق قبل كل جلسة عامة للمجلس التأسيسي، وبدت مواقف نواب هذه الكتلة متجانسة ومتقاربة في أكثر من موضوع.
لكن «النهضة» تخشى من مزيد تفتتّ كتل حلفائها في المجلس وخاصة كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية التي أظهرت مرارا تمايزا عن مواقف حركة النهضة في عدة قضايا وخاصة شكل النظام السياسي والتصويت على تعيين الشاذلي العياري محافظا للبنك المركزي.
وأكّدت النائبة عن كتلة المؤتمر سامية عبو أنّه لن تكون هناك «ترويكا» او ائتلاف في التصويت على فصول الدستور وإن كل كتلة ستصوت على ما تراه مناسبا ومتماشيا مع مواقفها بصرف النظر عن الائتلافات السياسية، وفي المقابل تبدو كتلة التكتل أكثر انسجاما وتوافقا مع كتلة النهضة... ويبقى تأثير تغيير تركيبة الكتل خاضعا لحسابات انتخابية بالأساس.