لاشك أن برامج التعليم في المعهد الأعلى للتوثيق على يقظة تامة لمتابعة التطورات في مجال التوثيق والمكتبات والأرشيف وخاصة ما تحدثه التكنولوجيا الحديثة من تأثير في نوعية الخدمات سواء في مراكز التوثيق والمعلومات أو في مراكز الأرشيف بالإدارات العمومية ومختلف المؤسسات والمنشئات.. إن هذه المواكبة من طرف المعهد الأعلى للتوثيق تمليها الحاجة إلى إعداد القوى العاملة القادرة عل المشاركة كعنصر أساسي وضروري في عملية التنمية بصفة عامة ونلاحظ ذلك خاصة في فهم المختصين والمختصين ورؤساء أقسام التوثيق والمكتبات والأرشيف لإحتياجات سوق المعلومات الحالية واستشراف التطورات لمراجعة المناهج المقررة وكفاءة الأساتذة المدرسين وتكييفها مع التحولات لإعداد المهنيين الذين تحتاج إليهم سوق الشغل وإزاء هذه الرهانات في قطاع حيوي مثل قطاع التوثيق والمكتبات والأرشيف يتعين رصد التطورات في هذا الإطار ومعرفة الملامح والمؤهلات المطلوبة للقوى العاملة، وإيمانا مني كمهني بضرورة الوقوف على كل صغيرة وكبيرة في ما يخص هذا المجال وتسليط الضوء على الوضع الراهن ومحاولة استشراف المستقبل إن ما تحقق هذا اليوم للمهنيين وللقطاع ككل من إنجازات لا يمكن تعدادها في مقال كهذا نفتخر به، إلا أني أرى أن التحديات التي يعيشها خريجو المعهد الأعلى للتوثيق ومهنيو هذا القطاع في حاجة إلى أن ننظر إليه من زاوية أخرى، فهذا الموضوع بات اليوم وأكثر من أي يوم آخر يطالب بطرحه في شكل حوار بين كل المؤسسات ذات الاختصاص وخاصة ونحن نعيش مناخا ملائما يؤسس للحوار ويتبنى تبادل الأفكار العملية بين المؤسسات الرسمية منها والخاصة إضافة إلى منظمات المجتمع المدني التي أصبحت شريكا فاعلا في هذه العملية حتى نصل إلى مرحلة التطابق والتوافق في كل الاختيارات المصيرية. إن المؤسسات الرسمية في قطاع المكتبات والتوثيق والأرشيف وأذكر منها على سبيل المثال المعهد الأعلى للتوثيق والأرشيف الوطني التونسي والمكتبة العمومية وإدارة المطالعة العمومية ومركز التوثيق الوطني ...حققت تقدما وتطورا مذهلا في رصد التطورات التي يشهدها مجتمع المعلومات وهي بصدد الانتقال بكل ثقة إلى البيئة الرقمية لكن السؤال الذي يطرح نفسه خاصة ونحن أمام قطاع غير قابل للتجزؤ هل هناك إستراتيجية وخطط إستشرافية لاحتواء هذا المجال مجال المكتبات والتوثيق والأرشيف في خطة التنمية المستديمة؟ هل نحن واعون تمام الوعي بالتحديات الداخلية منها والخارجية التي تنتظرنا؟ هل لدينا اليوم كفاءات فاعلة ومؤثرة في سوق الشغل قادرة على الصمود وافتكاك مكانتها في هذا المجتمع الجديد مجتمع التكنولوجيات والاتصال. الحقيقة أن مجتمع المكتبيين والموثقين والأرشيفيين رغم أن مجتمع المعلومات هو مجتمع ليس بالغريب عنهم بل بالعكس هو مجتمعهم إلا أني ألاحظ كما لاحظ الكثيرون من أهل الاختصاص أن هناك حلقة مفقودة في تعامل وانصهار مجتمعنا هذا وتكيفه مع سوق الشغل خاصة، فالمؤجر اليوم يطالب بمواصفات ومؤهلات معينة تناسب إحتياجاتة، فالقطاع العمومي يرضخ لعدد محدد من الانتدابات والقطاع الخاص شحيح جدا في تشغيل هذه الإطارات... والمبادرات الفردية لبعث مشاريع خاصة تكاد تكون مفقودة رغم ما توفره الدولة من مساعدات من المسبب في هذه الوضعية؟ أين يكمن الإشكال ؟ ما هي الحلول الممكنة ؟ أسئلة عديدة ومتنوعة لا أستطيع الإجابة عنها، ومن هذا المنطلق أرى أن استشارة موسعة بين كل الأطراف السالفة الذكر من مؤسسات رسمية ذات العلاقة ومنظمات المجتمع المدني من شأنها أن تجيب على مثل هذه الأسئلة وبالتالي معرفة طبيعة حاجات سوق العمل وصناعة الكفاءات : كفاءات اليوم وكفاءات الغد لتكون شريكا فاعلا في عملية التنمية.