توافدت الجماهير التونسية بكثافة على قاعات السينما في اليوم الثاني من أيام قرطاج السينمائية الذي وافق- لحسن حظ محبي السينما - يوم الأحد.. وكانت مشاهدة شريط "إنسان شريف" ممتعة لأغلب الحاضرين في قاعة الكوليزي في السادسة مساء، حيث تعالى التصفير والتصفيق مع نهاية أحداث شريط المخرج جون كلود قدسي والذي تخللته مشاهد عديدة أثارت ضحك البعض وأخرى أثارت السخط على المجتمع العربي في بعض دول المشرق خاصة التي تشرع لجرائم الشرف... البعض من الجمهور التونسي تقبل إطراء مخرج "إنسان شريف" في خصوص القوانين والحقوق التي تتمتع بها المرأة التونسية بتهليل فيما بانت علامات الخشية من تراجع هذه الحقوق بالنسبة لمتفرجين آخرين... الحديث في قالب كوميدي عن بعض تقاليدنا العربية على لسان أحد شخصيات "إنسان شريف" أضفت البهجة على رواد الكوليزي خلال مشاهدتهم للفيلم. لقاء إبراهيم بليلى صدفة في بيروت اللبنانية وهي تركب سيارة "تاكسي" مع ابنتها المراهقة، كشف الماضي الذي حاول بطل الفيلم لعشرين سنة الهروب منه... هذا المشهد الاستهلالي للشريط لم يحمل الحقيقة كاملة أو لعّله راوغ المشاهد فظننا للوهلة الأولى أننا أمام عاشقين فرقهما الزمن.. يلاحق إبراهيم ليلى، التي كانت تظنه ميتا فتصاب بالصدمة لوجوده ونستخلص من الحوار الذي دار بينهما أن ليلى هي الفتاة التي أنقذها إبراهيم من الموت على يد أخيها رياض وهي أخت لزوجته "أسماء" وذلك بتعلة غسل العار.. لتعود بنا الحكاية إلى الأردن أين كانت البداية. ...إبراهيم يعتبر بطلا في عشيرته لأنّه قتل ليلى وصديقها الانقليزي"ريك" فيما يعد رياض أخاها جبان لأنه خاف من تنفيذ عقوبة الإعدام على شقيقته وغسل عارها.. لكن الحقيقة هي أن إبراهيم قتل رياض وأنقذ ليلى وصديقها من الموت ليهربا إلى انقلترا ويغلق الملف.. لكن مرض أسماء بالسرطان جعل إبراهيم يقرر زيارتها ورؤية ابنه"فريد" وهنا تعود الأحداث مجددا للأردن ويغوص المخرج أكثر في إشكالية شريطه منتقدا ممارسات شرقية في حاجة لقبضة صارمة من القانون... إذ تكون الفتاة ضحية لأهلها والعرف القبلي فينتهكون حقها في الحياة أذنبت أو لم تذنب.. الحكاية في"إنسان شريف" ارتسمت ببعض الغموض فالفيلم لم يحدد من هو الوالد الحقيقي لابنة ليلى لكن شفرات العمل أحالت التهمة لأخيها رياض وهو السؤال الذي طرحه إبراهيم على شقيقة زوجته واكتفت بالابتسام وسماع الموسيقى لعلّها تمنت أن تتبخر الحقيقة المرة في الأجواء الرومانسية التي جمعتها بابراهيم في وطنها بعد غياب عشرين سنة.. وكأن بجون كلود قدسي لم يكتف برصد جرائم الشرف وإنمّا أقر في عمله بأن أغلبها تكون نتيجة لاعتداءات عائلية وسطوة الرجل الشرقي على المرأة في مجتمعه فهو يخطئ وهي تتحمل تبعات نزواته.. هي حيرة عبرت عنها ابنة ليلى ذات التربية والثقافة الانقليزية حين سألت ابن خالتها فريد عن معنى الشرف في المنطقة العربية ولماذا يرتبط بجسد المرأة؟ فيلم "إنسان شريف" عمل لبناني متقن بآلياته وإيقاعاته الغربية والجمالية الفائقة التي اعتمدها مخرجه فرغم مأساة المضمون كان لفضاء الحكاية حضور طاغي بجمال طبيعته وشموخ جباله في تصوير لمايكل لاجرواي فيما أضفت موسيقى توفيق فرّوخ شاعرية على حبكة الفيلم وأداء ممثليه وكعادته تألق النجم اللبناني مجدي مشموشي في آداء شخصية إبراهيم "الإنسان الشريف" فيما يواصل الممثل الشاب شادي حداد إثبات موهبته في الساحة الفنية اللبنانية وتألقت الفنانة كارولين حاتم في دور ليلى وأبدع الفنان الفلسطيني محمود سعيد – المقيم بلبنان- في أداء شخصية "العم كامل" كما أتقن اللهجة الأردنية التي سيطرت على الحوار في شريط "إنسان شريف" ورغم أن المخرج اللبناني برّر اختياره للأردن كفضاء للأحداث لارتفاع نسب جرائم الشرف في هذا البلد العربي، الذي يتصدر قائمة هذه الممارسات إلا أن هذا السبب لا يقنع المشاهد كثيرا باعتبار أن جرائم الشرف موجودة في لبنان كذلك وغيرها من بلاد المشرق وتركيا وهي موجودة في عدة ديانات وليست حكرا على المسلمين فحسب كما أن الفيلم لم يستعن بوجوه فنية أردنية وبالتالي فإن السؤال ما الغاية من طرح حكاية أردنية بهوية لبنانية؟