تتوالى تباعا ومنذ إزاحة النظام السابق شهادات السياسيين والشخصيات الوطنية على حقبات مهمة من تاريخ تونس المعاصر وخاصة الفترة البورقيبيّة التي كان قد ضرب حولها حصار طيلة حكم بن علي مما يجعل كل شهادة وكل مساهمة في هذا المجال محل فضول كبير لأن أغلب الشخصيات السياسية وخاصة من جيل الإستقلال وجيل المناضلين وبناة دولة الإستقلال ظلت صامتة لعقود من الزمن لأسباب موضوعية وذاتية وبدأنا نشهد رفع الحصار منذ انتصار الثورة الشعبية. وقد خرجت احدى هذه الشخصيات مؤخرا عن صمتها وفق ما أعلنته دار سيراس للنشر بتونس متحدثة عن الكتاب الجديد الصادر عن هذه المؤسسة مؤخرا والذي يحمل توقيع المنجي الكعلي المدير السابق للحزب الإشتراكي الدستوري. الكتاب صدر باللغة الفرنسية ويحمل عنوان" في خدمة الجمهورية تحت إشراف بورقيبة" AU SERVICE DE LA REPUBLIQUE , sous l'égide de Bourguiba ". وينبه الكاتب إلى أنه ليس مؤرخا ولا يدعي كتابة التاريخ, تاريخ تونس لعقود من الزمن وإنما هو يكتفي بالتعليق على أحداث عاشها شخصيا. الكتاب عبارة عن شهادة عن العصر باعتبار أن صاحبه عاش أحداثا هامة شهدتها بلادنا كما أنه عرف الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عن قرب بما أنه كان من رجالات الدولة التي عول عليها الرئيس بورقيبة. لكن الكاتب يصر ومن منطلق الصرامة الأدبيّة على أنه يكتفي بالأحداث التي كان على دراية بها موضحا في هذا السياق أنه مهما تعددت مسؤولياته في الدولة وفي المواقع السياسية فإنه من المستحيل أن يكون المسؤول على علم بكل شيء وخاصة ما يدور بالكامل بكواليس الدولة. يتعرّض الكتاب إذن إلى الأحداث البارزة التي عاشها الكاتب على امتداد مسيرته في الحياة والعمل السياسي وهو يتعرض مثلا إلى فترة النضال الطلابي في إطار الإتحاد العام لطلبة تونس وفترة النضال ضد المستعمر الفرنسي وإلى المسؤوليات التي تحملها في الدولة أو في الحزب الحاكم سابقا الحزب الإشتراكي الدستوري. تظل بطبيعة الحال الشهادات حاملة لشحنة كبيرة من الذاتية ذاتية أصحابها لكنها تبقى مهمة بما أنها تقترح على القارئ بعض العناصر الجديدة التي من شانها أن تساعد المهتمين في عملية البحث عن الحقيقة. وللإشارة فإن المنجي الكعلي المحامي والسياسي من مواليد مارس 1930 بقصر هلال من ولاية المنستير. وقد تلقى تعليمه الثانوي بالمعهد الصادقي بالعاصمة وهو خريج كلية الحقوق بباريس. وقد تولى عدة حقائب وزارية من بينها وزارة الصحة العمومية وقد تولى منصب مدير الحزب الحاكم السابق من1980 إلى غاية 1984. وقد بقي يحمل صفة الممثل الشخصي للزعيم بورقيبة إلى سنة 1986بالتوازي مع احتفاظه بصفته كعضو في الحكومة.