بقلم: فتحي قاره بيبان - إن جرائم القتل والتدميرالتي يقوم بها النظام السوري في حق شعبه وبلاده منذ حوالي عشرين شهرا لهذا اليوم تتجاوز قدرة كل عقل سليم على الفهم. وكل اوصاف التي يمكن أن تعطى لهذه الجرائم كوصفها بالوحشية أو عدم انسانية أو غيرها تبدو قاصرة وغير كافية. و أجد وصفا يناسب جرائم النظام السوري غير وصفها بأنها أعمال جنونية، يمكن أن تصدر إ من مجانين، إذ يمكن لبشر يملك ذرة من العقل أن تصدر منه مثل هذه اعمال. ماذا يريد أن يكسب بشاراسد وجنوده المجانين من قتل أبناء شعبهم الأعزل وقتل اطفال والنساء وتدمير وطنهم؟ هل يريدون البقاء في الحكم وهو متحوّل عنهم بطبيعة اشياء طال الزمن أو قصر؟ هل يستحق البقاء في الحكم لفترة أخرى مهما طالت أن يفنوا من أجله شعبهم ويدمروا بلادهم؟ ألا يدركون أن جرائمهم الكبرى لا جزاء لها يوم الحساب سوى الخلود في الدرك الأسفل من النار؟ ورغم أن ما يقع في سوريا يتجاوز كل منطق عقلي، فإن ردّة فعل المسلمين تجاه ذلك تثير كثيرا من الحيرة والتساؤلات. فالموقف العام للمسلمين شعوبا وحكومات وعلماء من أحداث سوريا يغلب عليه التخاذل والتهاون. وهو ليس مدعاة افتخار، بل إنه يقدم أسوأ مثل لأجيال المستقبل. ومن المؤسف أن حال اسلام في كثير من الدول اسلامية بقي كما وصفه محمد عبده منذ حوالي قرن: حيث نجد مسلمين ولكن نجد إسلاما، أي نجد العمل باسلام بين المنتسبين إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إيمان إ بعمل و عمل إ بإيمان» (أخرجه اللالكائي). ومن الفرائض التي فرضها اسلام على المسلمين التناصرفيما بينهم، وهو أن يقدم كل منهم العون خيه المسلم ليدفع عنه الظلم إن كان مظلوما، ويرده عن ظلمه إن كان ظالما. والظلم في اسلام هو كل فعل لا يوافق ما أمربه الله ورسوله. قال الله تعالى: « وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (الأنفال 73). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصرأخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإنّ ذلك نصره» (أخرجه البخاري). وقال عليه الصلاة والسلام: «من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادر على أن ينصره أذلّه الله عزّ وجلّ على رُؤوسِ الخلائق يوم القيامة» (أخرجه أحمد بن حنبل). وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : «نصر المظلوم فرض واجب على المؤمنين على الكفاية، فمن قام به، سقط عن الباقين، ويتعيّن فرض ذلك على السلطان، ثمّ على كلّ من له قدرة على نصرته، إذا لم يكن هناك من ينصره غيره من سلطان وشبهه». وقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» (أخرجه البخاري). وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائرالجسد بالسّهر والحمّى» (أخرجه مسلم(. إن علاقة المسلمين ببعضهم تبدو اليوم أبعد ما يكون عن توصيف الرسول صلى الله عليه وسلم لما يجب أن تكون عليه. فبعض المسلمين في غفلة عما يلمّ بالبعض الآخر، ولا يألمون لما يألم له بعضهم، ولا يجيش لهم جأش رغم أن الإسلام يأمرالمسلمين بالتناصر بينهم سواء كانوا أفرادا أو جماعات أودولا. فالتناصر واجب عند كل ظلم يلحق بالمسلمين مهما كان مصدره من خارج أرض الإسلام أو من داخلها. وقتل النظام السوري لأبناء شعبه الأبرياء وتدميره لديارهم لا يختلف في شيء عن العدوان الذي تقوم به إسرائيل هذه الأيام على قطاع غزة. وإن كان تناصر المسلمين واجبا تجاه أبسط المظالم، فما بالك إن كانت هذه المظالم تتعلق بإزهاق أرواح بشرية بغير حق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لزوال الدنيا أهون على الله عزّ وجلّ من سفك دم مسلم بغير حق» (أخرجه البيهقي). ويقول الله تعالى: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (النساء 92). وإني أتساءل إلى أي شيء تصلح منظمة التعاون الإسلامي التي تضّم أكثرمن خمسين دولة مسلمة يبلغ عدد سكانها حوالي مليار ونصف، وإلى أي شيء تصلح الجيوش الجرارة لهذه الدول إذا لم تكن قادرة كلها على نصرة المظلومين من المسلمين في سوريا وغيرها من بلاد الإسلام؟ إن التناصر بين المسلمين لا يكون بالضرورة بالقتال واستعمال الأسلحة. فعدم السكوت على الظالمين وتوجيه الرسائل المستمرة لهم، وتهديدهم إن لزم الأمر بالجيوش الإسلامية وبوسائل أخرى، وتسليط العقوبات عليهم، والعمل على إحباط مخططاتهم وأعمالهم الإجرامية، كلها من الوسائل الممكنة لردع الظالمين ونصرة المظلومين. فالمهم هو أن لا يكون المسلمون سلبيين تجاه المظالم وأن يردوا الفعل بما يستوجبه الحال. إن التناصرهو فرض كفاية، أي أنه واجب على كل المسلمين القادرين عليه، ويسقط هذا الوجوب بفعل البعض له، ولكن يأثم الكل إذا تركوه. وإنّ أخشى ما يمكن للمرء أن يخشاه -أمام تقاعس المسلمين وعجزهم عن نصرة إخوانهم في سوريا- أن يصبح كل واحد منهم حاملا لبعض وزرالدم الذي لا يزال يراق غزيرا في هذا البلد المسلم.