أي منطق تستند إليه المشاهد التي تحيل إلى الثورة؟ - قدم المخرج محمد دمق ضمن الحصص الخاصة للأفلام التونسية في عرضها العالمي الأول في الدورة الرابعة والعشرين من أيام قرطاج السينمائية شريطه الجديد"خميس عشية"، الذي تدور أحداثه حول مصطفى رجل أعمال (فتحي الهداوي) محسوب على النظام السابق، انتقد زوجة الرئيس المخلوع ليلى بن علي "الحلاقة" كما وصفت في الفيلم فكان مآله الإقصاء من المجال الاقتصادي ومحاولة القتل المغلفة في حادث سير أدخله المستشفى.. صدفة مكنت الممرضة"زهرة" - وتؤدي دورها عائشة بن أحمد في أولى بطولتها السينمائية – من تحقيق هدفها في الانتقام من الرجل لأسباب غامضة تعلنها المشاهد الأخيرة من الفيلم حين تجد زهرة أخيها منتحرا بسبب حبه لابنة مصطفى(نادية بوستة)ورفض الأب لعلاقتهما فتعمل على تحطيم العائلة وإدخال الأسى على قلب الوالد. وعنونة الفيلم ب"خميس غشية" فيها إحالة إلى الساعات القليلة التي تتخذها الممرضة زهرة للعودة لحياتها العادية والمتمثلة في لقاء الحبيب الراغب في هجرتهما وزيارة قبر أخيها المنتحر. محمد دمق وقبل انطلق بث الشريط أكد أن الفيلم كتب في سنة 2008 ونال دعم وزارة الثقافة في 2010 ولا يتحدث في مضمونه عن الثورة لكن مع بدايتها قرر إعادة تصوير مشاهد تواكب هذه المرحلة غير أن ركوب البعض على هذا الحدث جعله يغير رأيه ويحتفظ بالسيناريو الأصلي الذي نال الدعم وهذا ما وعد جمهور الكوليزي ليلة أول أمس بمشاهدته... ولكن مع بداية الفيلم تفجرت في أذهاننا أسئلة كنا نتمنى خلالها أن يتوقف عرض الفيلم ونعود بالشريط إلى اللحظات التي اعتلى فيها محمد دمق ركح الكوليزي ليخبرنا هل وافقت وزارة الثقافة في عهد المخلوع على دعم فيلم يشتم الرئيس السابق وزوجته ويظهر فيه فنان الراب صحبة وجوه برزت مع الثورة على غرار لينا بن مهني؟! "خميس عشية" شريط يحمل عديد الثغرات والإسقاطات على مستوى السيناريو (من كتابة طارق بن شعبان ومحمد دمق) ولعّله من الأعمال الفنية التي ركبت -حقا- على الثورة.. فكانت عملية تصوير لحظة القبض على مغني الراب واحتجاج الجمهور ومطالبته بالكرامة والحرية من أَضعف مشاهد العمل حتى لا نقول أنه مشهد مفتعل وحشر حشرا في الحكاية كما تعتبر الحبكة الدرامية للشريط هشة فبطلة العمل تعيش حقدا دفينا وترغب في الانتقام من رجل الأعمال الذي كان وراء انتحار أخيها فلماذا انتظرت هذه الصدفة لتحقيق ذلك!!.. وما الغاية من إبراز جمال الممثلة وهي تتذكر في اللحظات المؤلمة في حياتها بمفردها في غرفة؟؟ أو فكرة إقحام شاب فرنسي يعتنق الإسلام تتزوجه ابنة مصطفى"هندة"(نادية بوستة) ويرفض انتقالها معه للرياض عاصمة المملكة العربية السعودية؟؟. في الحقيقة عدة مشاهد وعدة أحداث هنا وهناك تبدو مسقطة ولا تحمل إضافة هادفة لمسار الشريط الدرامي.. يشعر المشاهد لفيلم "خميس عشية" أنه أمام شريط تلفزيوني مستهلك الملامح لم يعكس نضج التجربة السينمائية لمحمد دمق خاصة على المستوى الكوميدي الذي حاول المخرج أن يلون من خلاله مشاهد عمله إذ لم يصب في نواحي عديدة وكانت المواقف الهزلية جد مستهلكة.. ومن العلامات القليلة المضيئة في هذا الفيلم هي الصورة المتميزة لمدير التصوير محمد المغراوي إلى جانب أداء كل من فتحي الهداوي وفاطمة سعيدان وسوسن معالج حيث أبدع ثلاثتهم وخصوصا الهداوي الذي أضاف الكثير للعمل فيما اتسم أداء عائشة بن أحمد بالتواضع أمام أهمية هذا الدور المركب والذي يحتاج لآداء أكثرعمقا. تجدر الإشارة إلى أن عرض"خميس عشية" جلب عددا كبيرا من عشاق السينما التونسية غير أن سوء التنظيم وتدخل البعض إدخال "الأصدقاء" إلى قاعة العرض أثار السخط عند البعض خاصة وأن عددا من أصحاب التذاكر، لم يجدوا مكانا دون الحديث عن التصادم والعراك وغيرها من الممارسات التي تسببت فيها الفوضى فنرجو أن ينتبه أهل المهرجان لمثل هذه التصرفات التي لا تليق بتظاهرة عريقة وبنخبة تنادي بثقافة راقية وجادة!!