اعتبر بعض المهتمين بالشأن العام أن تصريحات بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي قد يثير جدلا كبيرا يسهم في الإعلان عن الهيئة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال والمزمع الإعلان عنها يوم 10 ديسمبر القادم. فقد اعتبر البعض أن مهمة تعيين رئيس الهيئة العليا المستقلة للإعلام تعود بالنظر إلى رئيس الحكومة والحال أن المرسوم 116 يسند هذه المهمة إلى رئيس الجمهورية. من الناحية القانونية يعتبر أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد في تصريح ل"الصباح" أن الجدل تقريبا هو ذاته الذي صاحب قضية البغدادي المحمودي مشيرا الى ان هذا المرسوم جاء في ظل تنظيم مؤقت سابق (23 مارس 2011) وجاء بعده القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية (ديسمبر 2011) واليوم فان تنازع الاختصاص وتأويل النصوص القانونية يجب أن يتم وفقا لتاريخ ديسمبر 2011. مشيرا إلى أن الاختصاص المسند لرئيس الجمهورية هو مسند على وجه الحصر وبقية السلطات التي لم تسند لرئيس الجمهورية صارت من اختصاص رئيس الحكومة وهو نقاش وجدل يحصل من حين لآخر جراء تضارب النصوص. واعتبر سعيد أن الوضع يعد اليوم مختلفا إذ لا بد من حصر الصراع ليس بالتأويل لكن عبر نص قانوني صريح تجنبا لمثل هذه الأوضاع التي تستجد من حين لآخر. تغليب الأعلى وأوضح سعيد انه في صورة ما تواصل التضارب مع وجود نص قانوني ونص آخر أعلى منه فانه يجب تغليب النص الأعلى على النص الذي دونه درجة وفي هذه الحالة لا بد من تغليب التنظيم المؤقت للسلط لأنه بمثابة النص الدستوري. أما إذا كان الاتجاه بإسناد رئيس الجمهورية مثل هذا الاختصاص فعلى المجلس التأسيسي أن يدخل تعديلا على القانون التأسيسي. قراءتان من جانب آخر يبين أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أن المسألة تحتكم إلى قراءتين واحدة رئاسية وأخرى حكومية. وأوضح في هذا السياق أن القراءة الرئاسية تعطي صلاحية تعيين رئيس هيئة إصلاح الإعلام لرئيس الجمهورية بمقتضى نص ثوري الهدف منه هو القطع مع سياسة الماضي وهي متمسكة بهذا المرسوم. أما القراءة الحكومية فهي لا تستند إلى هذا المرسوم استنادا إلى أن القانون التأسيسي عدد 16 يعطي صلاحية تعيين الوظائف العليا المدنية السامية لرئيس الحكومة على أن يتشاور مع مجلس الوزراء. واعتبر محفوظ أن هنالك نزاعا قانونيا وكان الأجدر بالطرفين أن يرفعاه إلى المجلس التأسيسي بمقتضى الفصل 20 على أن يطلب المجلس التأسيسي رأي المحكمة الإدارية مشيرا إلى أن مسألة التعيين تبقى شكلية غير أن القضية الكبرى تبقى داخل الائتلاف الحاكم الذي ليس قادرا حتى على التوافق على نتيجة معينة على أن الأهم هو الاتفاق على شخصية معينة ولا سيما أن الموعد المحدد لا يفصله سوى أيام معدودات. وفاق من جهة أخرى يرى زياد الهاني عضو نقابة الصحافيين التونسيين انه من الواضح أن الإشكالية القانونية مطروحة وجدية والحل يكمن في التوصل إما إلى الوفاق بين رئيسي الدولة والحكومة أو استخدام آلية الفصل في تنازع الاختصاصات داخل المجلس الوطني التأسيسي والمنصوص عليها بالدستور الصغير في حالة الفراغ الموجودة والتي اتفق الجميع على خطورتها خاصة بعد محاولة الحكومة توجيه المكلف العام بنزاعات الدولة لاستصدار حكم قضائي يمنع بث حصة تلفزية وهو أمر لو حصل لكان من شأنه أن ينسف ضمانات حرية الإعلام. وقال الهاني: "ما كنا لنجد أنفسنا في هذا الوضع لو تمّ تفعيل المرسوم عدد 116 لسنة 2011. وإحداث الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري. وأضاف: "ما ننتظره اليوم من الرئيس حمادي الجبالي صاحب السلطة التنفيذية المسندة له دستوريا ومن الرئيس محمد منصف المرزوقي الذي فوضه الفصل 47 من المرسوم عدد 116 تشكيل الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري أن يتفقا على كلمة سواء تراعي مصلحة البلاد وتضع حدا لحالة الفراغ الهيكلي التي قد تتسبب في كوارث. من جانب يعتبر هشام السنوسي مدير مكتب المادة 19 بتونس انه من المفروض وفقا للموجود في المرسوم 116 وحسب الفصل 47 فان صلاحية تعيين رئيس الهيئة تعود إلى رئيس الجمهورية حسب الفصل 7. ولكن من حيث المبدأ وبعيدا عن الجدل القانوني يجب أن نوضح أن رئيس الهيئة لا يمثل من يعينه سواء كان رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة ونفس الشيء بالنسبة لبقية الهياكل التي تقترح بقية الأعضاء. وقال: "تركيبة الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري ليست تركيبة تمثيلية بل هي قائمة على معايير الكفاءة والخبرة والاستقلالية وهي تمثل الصالح العام والدليل على ذلك هو أن من يعين ليس له الحق في العزل وإنما العزل هو رهين شروط موضوعية موجودة في المرسوم 116". منطق المحاصصة أعرب السنوسي في نفس السياق عن استغرابه من هذا الهوس بمسألة التعيين وهذا الإمعان في احتلال المواقع وقال: "كنا نتمنى لو أن السيد حمادي الجبالي بادر بتفعيل هذا المرسوم مع اننا نعلم انه يسعى إلى ذلك ولم يستطع" وقال: "عندما تصدى اليوم رئيس الجمهورية لهذه المهمة عدنا إلى المربع الأول وابتعدنا عن جوهر هذه الهيئة التعديلية التي تنتظرها مهام كبيرة وعدنا إلى منطق المحاصصة وان كان لا يستقيم في هذه المسألة". وفي انتظار التوصل الى التوافق المنشود هل يدفع الإعلام ضريبة هذه التجاذبات؟