"من من التونسيين لا يعرف "حبّوني ودلّلت" و"قتلك ودليلك ملك" و"با با هتر" و"في بو دفّة" "ياخبيثة يا دبوزة"و"احسن نوّارة تقطفها" "فرّادي من التّايبين عمل وليمة" " مرتي ولولاد والقفة"و"جميع الحروبات وفات" "ديما نضحك ديما زاهي" من منا لا يتذكر ولا يعجب بكم الأغاني والأزجال التي تركها لنا المرحوم الفنان صالح الخميسي الذي قد نحتفل بداية من يوم 13 دسيمبر الجاري بمرور مائة عام على ولاته. صالح الخميسي هذا الفنان المونولوجيست كان شاهدا على عصره ونقد في أغانيه مجتمعه حيث عاش في ما بين 1912 و1958 وعرض علينا نماذج من الحياة الثقافية والاجتماعية لثلاثينات وأربعينات القرن الماضي بكلمات خفيفة وايقاعات قريبة من النفس وعالج على طريقته الخاصة بعض الظواهر السياسية لعصره فأثار تحفّظات بورقيبة وبعض وزرائه عندما غنى"في بودفة " التي وصف فيها ظروف السجون التونسية آنذاك. هذا النقد اللاذع وهذا الوصف الكوميدي الدقيق لما كان يشاهده ويعيشه جعل اغلب أغانيه تبقى وثيقة تنير طريق الباحث لا تقل قيمة عن تلك الوثائق التي تركها لنا جماعة تحت السور خاصة وانه غنى لكل من على الدوعاجي والهادي العبيدي ومحمود بورقيبة وحسين الجزيري وأحمد خيرالدين. بدا الخميسي كعازف للناي في الرشيدية ولكنه ومنذ غنى أولى أغانيه أمام الجمهور(أنا عمري ما سكرت) استحوذ على إعجاب جمهورها مما دفع محمد التريكي إلى ضمّه للتخت كمنولوجيست وكعازف ناي بصفة رسمية. واشتهر بالقدرة على ابتكار كلمات مركبة على أغاني معروفة وتسمى"بالمعارضة"والتندر والتفكه وتقليد أصحابه. وبقيت أغانيه صالحة إلى يومنا هذا. لعل هذا ما جعل تونس تكرمه في بعض التظاهرات التي أقيمت بدار الثقافة باب العسل بمناسبة مرور50سنة على رحيله سنة 2008 باعتبار انه من مواليد الحلفاوين بباب سويقة وكذلك تطلق اسمه على مهرجان وصل إلى دورته التاسعة سنة 2009(أيام الفنان الفكاهي صالح الخميسي) الذي كان يقام في شهر جويلية من كل سنة على التوالي. والحقيقة أننا انتظرنا وفي إطار الاحتفال بمائويات أعلام تونس ورجالها المتميزين في مختلف الاختصاصات بما فيها الفنية-حيث سبق ان احتفلنا بمائوية الهادي الجويني مثلا- وباعتبار ان الخميسي من بينهم انتظرنا ان يتم هذه السنة الاحتفال بمائويته ولكن يبدو ان للوزارة رأي آخر لعلها تتجاوزه وتعترف بقيمة ما تركه لنا هذا الفنان من وثائق نقدية لظواهر اجتماعية حتى ان اختلفت معه في طريقة بسطها او في تطرقه لبعض الأغراض (الخمر مثلا) فقد عاش الرجل مظلوما رغم ما قدمه للفن في تونس ولا باس في أن يكرم بمائوية قد تقدم للساحة الفنية الدفعة التي تحتاجها اليوم لتستفيق من سباتها وقد تكون دافعا لتحريك سواكن الغناء الفكاهي الهادف.