اليوم بات لزاما علينا أن نواجه الحقيقة, حقيقة أنّ الخطر المحدق ببلادنا لا يتأتّى بالضرورة من الخارج وإنّما من جانب من أبناء هذا الوطن الذين سمحوا لمشاعر البغضاء والتفرقة أن تسيطر عليهم إلى درجة أنهم حوّلوا مسيرة سلمية إحياء لذكرى رحيل الزعيم النقابي والوطني فرحات حشاد الذي كان قد سقط على يد الإستعمار الغادر(5 ديسمبر 1952) إلى لحظة دمويّة مؤلمة ومحبطة لكل من آمن بهذا البلد وبقدرته على صنع الربيع رغم امكانياته القليلة ورغم حجمه الجغرافي الصغير. لم يكد الرأي العام والمواطنون يخرجون من صدمة أحداث سليانة الدموية حتى كتبت صفحة أخرى بدم التونسيين في ساحة محمد علي بالعاصمة التي تحولت يوم أمس إلى ساحة للوغى وخرجت العصيّ والغازات المشلّة للحركة والأسلحة المتنوعة لتستعمل ضد من؟ ضد التونسيين ومتى؟ في لحظة كان من المفروض أن تكون مناسبة للتأمل والتمحّص واستخلاص العبر. ربما لا يفيدنا في شيء اليوم أن نتهم هذا وذاك فالخطر محدق بالجميع وبالتالي ربما حان الوقت الذي علينا أن ننادي فيه الناس بأسمائها لنضعها أمام مسؤوليتها في هذه اللحظة الحاسمة والخطيرة في تاريخنا. نناديهم بأسمائهم ونقول لهم أنتم أيها النخب السياسية خاصة من منحكم الشعب ثقته ودفع بكم إلى أعلى سدة الحكم وأنتم أيها النشطاء السياسيون في الأحزاب المعارضة باختلاف ألوانكم السياسية... يا من منحكم الشعب فرصة الوجود بحرية بعد أن كان النظام السابق يقطع عنكم حتى مجرد التنفس. وأنتم أيها المناضلون النقابيون وخاصة قادة وكوادر الإتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الوطنية العريقة التي قدرها أن نجدها دائما في طليعة المدافعين عن التونسيين وعن حقهم في العيش الكريم. وأنتم يا نشطاء المجتمع المدني أنتم يا من منحتكم الثورة حرية ما كنا لنحلم بها نهيب بكم جميعا أن تتعالوا على كل شيء وأن تضعوا مصلحة تونس فوق كل اعتبار... نهيب بكم ان تترفّعوا عن الخصومات وعن الضغائن وعن الحسابات الضيقة وأن تتقوا الله في هذا البلد.. أنتم يا من لا يفوتكم أننا بلغنا في بلادنا مرحلة الخطر, مرحلة بات فيها مستقبل أبنائنا مهدد, مرحلة أصبحنا فيها فرقا ومللا ونحلا بعد أن كنّا جسدا واحدا انتفض في وجه الديكتاتورية وأسقطها وأذهل العالم بذلك.. أنصتوا إلى صوت الحكمة وثوبوا إلى رشدكم وأعيدوا السيوف إلى غمدها. فإن كان لا بد من التضحية من أجل تونس فليكن الأمر كذلك وإن كان لابد من التنازل من أجل تونس فليكن الأمر كذلك وإلا فإن التاريخ لن يرحمكم وستجدون أنفسكم تلحقون بالسابقين الذين ألقى بهم الشعب الثائر في مزبلة التاريخ.