قدم الكاتب في الجزء الاول بسطة عن الانظمة السجنية فتوقف عند النظام الجمعي فالنظام الفردي او البنسلفاني او الفيداليفي ويواصل شرح الانظمة في الجزء الثاني وينطلق بالنظام الأوبيروني : يرتكز هذا النظام على فرض الزنزانات الفردية خلال الليل و العمل و الطعام الجماعي خلال النهار. ومن مزايا النظام الأوبيروني حسب وجهة نظر أنصاره، أنه تكرار للمجتمع بالذات، حيث تتكاثف وسائل المراقبة و المتابعة التي تفترض المحافظة على الخشوع بواسطة قاعدة الصمت، وهكذا يصبح المساجين ينظرون الى القانون بكل وسائله المسخرة للمراقبة وكأنه حكمة مقدسة تؤدي مخالفتها إلى انتقام عادل شرعي. وتتجسد المراقبة في هذا النظام في النقاط التالية : - المراقبة والمتابعة الفردية خلال الليل عن طريق الأعوان والإداريين وعيونهم المنتشرة. - المراقبة خلال النهار والتي تتخذ الشكل الجماعي، و تمتد من الباحة الى المشغل الى المطعم.. - المراقبة الداخلية عن طريق قاعدة الصمت، الذي يقوي لدى كل فرد هاجس المراقبة والمحاسبة ... كما أن النظامين الأمريكيين السابق ذكرهما:"نظام اوبورنAuburn " و" نظام فيلادلفيا philadelfia"، يركزان فعلا على عزل المسجونين ماديا و معنويا، ليلا و نهارا، حيث تكون العزلة هي الشرط الأول للطاعة الكاملة. وأثارت قضية العزلة العديد من النزاعات والاختلافات بين المختصين و من منطلقات متباينة، فمن الناحية الطبية و النفسية أفرزت النزاعات بروز الأشكال التالية : هل العزلة الكاملة تؤدي إلى الإصلاح أم إلى الجنون؟، ومن الناحية الدينية والأخلاقية طرح التساؤل التالي: هل العزلة والقطيعة تولد الإصلاح والاهتداء إلى طريق الصواب أم الانتكاس والنقمة على المجتمع وقواعده القانونية؟ أما من الناحية الاقتصادية فقد أثيرت إشكالية التكلفة "أين هي الكلفة الأقل؟ في عزل المساجين أم في تجميعهم؟" * النظام التدريجي: إذا كان سلب الحريّة في النظامين السابقين هدفا في حدّ ذاته فإنّ الأمر يختلف في النظام التدريجي الذي يجعل من سلب الحريّة وسيلة من أجل التدرج بالسجين نحو الإصلاح والحياة الطبيعيّة؛ حيث يقع تقسيم مدّة العقوبة إلى مراحل وفق برنامج إصلاحي ويبدأ السجين بالسجن الانفرادي أين تقع دراسته ودراسة قابليّة تأقلمه مع النظام السجني ودرجة انضباطه ثم على ضوء نتائج الدراسة التي تتواصل طيلة فترة السجن يقع تحديد المرحلة المواليّة والتي تسير في اتجاه الحريّة الكاملة. ويعتبر سجن نورفولك Norfolk بجزيرة نورفورك بالقرب من استراليا هو أوّل مؤسسة سجنيّة تطبّق هذا النظام وأوّل من طبقه هو "إلكسندر ماكونوشي" وذلك سنة 1840 . ولكنّ "الميجور والتر كروفتون" تمكّن بعد ذلك من تطبيقه بنجاح في إيرلندا الشيء الذي جعل تسميّة النظام بالنظام الإيرلندي ثم انتشر تطبيقه في العديد من الدول ومهّد لبروز أنظمة سجنيّة أكثر تقدّما. * النظام القائم على الثقة: هو عبارة عن امتداد للنظام السابق أي النظام التدريجي الذي يقوم أساسا على نتائج دراسة السجناء ودرجة انضباطهم. وهذا النوع من النظام لا يطبّق على كل المساجين وكل الفئات بل يقتصر على الفئة التي تكون محل ثقة ولا يخشى من هروبها من السجن. ونلاحظ وجود ثلاثة أنواع من الأنظمة القائمة على الثقة: أوّلا، نظام العمل خارج السجن: أوّل بلد طبّقت هذا النظام هي فرنسا وذلك سنة 1824 وتحديدا في السجن المركزي لفونتيل حيث سمح لفئة من المساجين بالعمل في الهواء الطلق. ثم طبّق في سجون أخرى ولكن نظرا لتكلفته (يتطلب عددا كبيرا من موظفي الإدارة السجنيّة التي تقوم بمراقبتهم) وعدم نجاعته في اصلاح المساجين صدر سنة 1864 في فرنسا قراربإلغائه. ثانيا، نظام شبه الحريّة: طبّق أيضا في فرنسا أثناء الحرب العالميّة الثانيّة ثم وقع إقراره في قانون الإجراءات الجنائيّة الفرنسي الصادرعام 1958 ثم انتشر في العديد من الدول. ويتميّز هذا النظام عن سابقه بالتقليل من الحراسة وبالتالي من موظفي السجن، بحيث يمارس السجين نشاطه المهني أو التعليمي خارج السجن بكل حريّة ثم يعود في آخر النهارإلى السجن. ثالثا، النظام المفتوح: هو نظام يتمتّع فيه السجناء بأكثر حريّة ولا يقيمون في سجون مغلقة ولا تحاط بهم الأسوار وإنّما يوضعون في معسكرات أو مزارع كبرى يمارسون عملهم بكل حريّة وكأنّهم يعيشون في الحياة الطبيعيّة. وأوّل من طبّق هذا النظام هو "كلرهالس" في عام 1891 حين أنشأ مستعمرة زراعيّة في فيتزفل بسويسرا يديرها مجموعة من المحكوم عليهم. ثم انتقلت الفكرة إلى العديد من الدول الغربيّة كإيطاليا وانقلترا والولايات المتّحدة الأمريكيّة... وقد أفرزت هذه الاختلافات والنزاعات، العديد من النتائج والتساؤل حول مدى نجاعة هذه المؤسسة السجنية، خاصة وأنها من أقدم المؤسسات الاجتماعية التي عرفتها الإنسانية، إذ تاريخها تزامن مع وجود المجتمع ذاته. فمثلا، عزل المساجين عن بقية أفراد المجتمع نتج عنه ظهور نظرية الوصم أو ردود الفعل الاجتماعية ل Frank Tannenbaum(1938) ثم بعد ذلك Eduin M.Lemert ... كما أن عملية عزل المنحرفين وتجميعهم في مؤسسة انضباطية جعل "ميشال فوكو" يقول بأن السجن ظل أدات إنتاج للجريمة والانحراف كمؤسسة عملية، فالمنحرف العابر يتخرج من السجن خبيرا بارتكاب الجرائم الموصوفة قانونيا. * السجون الخاصة: بعد مرور المؤسسة السجنيّة بمختلف الأشكال التنظيميّة التي سبق أن تحدّثنا عنها، جاءت فكرة الخوصصة لتحلّ محل الدولة في إدارة وتسيير هذه المؤسسة وبدأ أصحاب رؤوس الأموال يفكّرون في استثمار أموالهم في سوق السجون وذلك لما فيها من مكاسب وأرباح، بل أصبحت هناك شركات مختصة في هذا المجال. وعبر السجون الخاصة وقعت نقلة نوعيّة في موقع السجين أو الموقف تجاهه، فبعد أن كان السجين شخصا منبوذا تتحمّل الدولة والمجتمع أعباءه بداية من نتائج أعماله الإجراميّة المكلّفة وصولا إلى تكلفة تنفيذ العقوبة عليه أصبح في نظام السجون الخاصة شخص مرغوب فيه ومصدر ربح لأصحاب رؤوس الأموال الذين عرفوا كيف يجنون ثمار الفساد والانحراف الاجتماعي... ومن بين أشهر الشركات المتنافسة في سوق السجون في فرنسا نذكر شركة "ايفاج" والتي كانت تحمل اسم فوجيرول" وشركة "بويغ". بل هناك شركات عالميّة وشركات متعدّدة الجنسيات تعنى باستثمارأموالها في السجون الخاصة مثل شركة "واكنهوت" (الشركة العالميّة الأولى لإدارة السجون الخاصة) والتي لها حضور كبير في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. -يتبع-