تحقيق: خولة السليتي - شهدت الأعشاب الطبية والخلطات الطبيعية رواجا بالبلاد خلال السنوات الأخيرة، ولقبها البعض ب«الطب البديل» لما لها من قدرة على معالجة بعض الأمراض التي عجز أو تباطأ الطب العصري في معالجتها. لكن عادة ما يكون لبعض هذه الخلطات مضارا على صحة الفرد، وهو ما حدث مع الشابتين منى وراوية اللتان كانتا ضحية الاستعمال العشوائي لهذه الخلطات، وحدثتا «الصباح الأسبوعي» عن تجربتهما ونسبة الضرر الناتجة عن ذلك الاستعمال، وهو ما دفعنا إلى التجول في بعض المحلات المختصة في بيع هذه المنتوجات والاتصال بممثلين عن وزارتي التجارة والصحة العمومية لمعرفة دورهما في الحدّ من البيع العشوائي لهذه المستلزمات وفي حماية المواطن العادي ذي الوعي البسيط والذي يسهل التلاعب به وحثه على استعمال المنتوج، لكن يبدو أنّ تغافل السلطات المعنية عن هذا القطاع وراء تزايد عدد بائعي الأعشاب والخلطات الطبيعبة مجهولة الهوية ووراء تضرر فئة من المستعملين، وهو ما سنبينه في التحقيق التالي. «عشبة ذيل الحصان، مخ الخنزير، لسان الثعلب، زيت القضوم، خلطة صابون الغار،غذاء ملكة النحل، جال السكر، نبات عنب الدب»...هي أسماء تبدو غريبة وربما خيالية لمن يجهلها، لكنها في الواقع أسماء حقيقية لمنتوجات وخلطات طبيعية وجدناها في بعض المحلات المختصة في بيع هذا النوع من المنتوجات. لا يمكننا أن ننكر دور الحشائش وبعض الخلطات الطبيعية الناجع في التداوي من بعض الأمراض، لكن أحيانا يكون الفرد ضحية لهذا الاستعمال فيجد نفسه مجبرا على معالجة نفسه من داءين عوض داء واحد. ضحايا الخلطات الطبيعية راوية شابة في السادسة والعشرين من عمرها تعرضت منذ فترة إلى حرق بالماء الساخن على مستوى فخذها. وخلال زيارتها المستمرة لمستشفى الحروق بالعاصمة للعلاج، قابلت امرأة كبيرة في السن(تعرضّ ابنها هي الأخرى إلى الحرق) نصحتها باستعمال «زيت القضوم» لكونه «القادر الوحيد على إزالة آثار الحرق». فقد ذكرت راوية ل«الصباح الأسبوعي» أنّ المرأة المسنة لم تكن الوحيدة التي قدمت إليها تلك النصيحة مما دفعها إلى التوجه لأحد المحلات المختصة في بيع الخلطات الطبيعية لشراء زيت القضوم. سكتت راوية برهة ثم واصلت حديثها: «ليتني لم اسمع كلام السيدة وليتني لم أتوجه إلى ذلك المحل لأن صاحبته «غشتني فيه»، مما تسبب في تدهور موقع الحرق وفي بقاء آثار الحرق على مستوى فخذي إلى اليوم».وأكدت راوية أنها لم تكن الوحيدة التي عملت بنصيحة المرأة واستعملت «زيت القضوم» بل العديد من المصابين بالحرق والذين قابلتهم بالمستشفى استعملوا ذلك الزيت وكانت له نتائج إيجابية، «لكن من سوء حظي أن وقع غشي من قبل صاحبة المحل وحصلت على منتوج منتهى الصلوحية»، على حدّ قولها. لكن راوية لم تكن الضحية الوحيدة لاستعمال الخلطات الطبيعية، فمنى شابة في الثالثة والعشرين من عمرها قامت بقصّ شعرها «coupe garçon « بسبب الاستعمال العشوائي. تقول منى ل«الصباح الأسبوعي»: «عانيت لفترة من تساقط مستمر للشعر، فنصحني العديد ب«الدواء العربي» نظرا إلى نجاعته، وهو ما دفعني إلى التوجه نحو إحدى المحلات، وما أن طرحت مشكل شعري على صاحبة المحل حتى قدمت لي وصفة مؤكدة أن العديد استعملها وبأنها ناجعة، لكن حدث ما لم أكن أنتظره». تقول منى: «ما أن بادرت باستعمال هذا الدواء حتى تكاثفت عملية تساقط شعري خاصة على مستوى فروة الرأس فوجدت نفسي مجبرة على قصّه كليا علّه يعود كما كان بالأول». وما جلب اهتمامنا في منى أنها لم تكن شديدة التأثر بفقدان شعرها كليا. وبطرحنا هذا السؤال عليها، علمنا أنها عادة ما تقوم بقص شعرها كالرجال «فذلك مظهر اخترته لنفسي ولذلك لم أتأثر كثيرا بفقدان شعري لكن مع ذلك آمل أن يعود كما كان، فهذه المرة الأولى التي لا أحدّد فيها موعد قصه كليا". صحيح أن منى لم تكن شديدة التأثر بفقدانها شعرها نظرا للأسباب السابق ذكرها، لكن يكفي تخيل شابة متعودة على طول شعرها فتجد نفسها دون شعر بين يوم وآخر. جولة في سوق البلاط إنّ شهادتي منى وراوية دفعتنا إلى التنقل نحو سوق البلاط (سوق شعبي وسط العاصمة عرف ببيعه جميع أنواع الأعشاب). وبتجولنا بين المحلات الموجودة في السوق، قابلنا العم محمد رجل في عقده السبعين تبرز على وجهه ملامح حبّ مهنته والتمسك بها. وما أن سألناه عن مدى إقبال المواطنين على السوق وتحديدا على شراء منتوجاته، حتى أجابنا: «منذ عقود وأنا أمارس هذه المهنة لكن رغم أن العديد يقر بتغير الزمن، فأنا أقر بعدم تغير علاقة التونسي بالمنتجات الطبيعية، فإلى اليوم لا يزال سوق البلاط وجهة للتونسيين الذين سئموا الأدوية وكذلك الذين لا يملكون أموالا كافية لشراء الدواء المقترح من قبل الطبيب». لكن جولتنا لم تقتصر على بعض محلات سوق البلاط، بل تنقلنا إلى بعض المحلات الموجودة بالعاصمة والمختصة في بيع الخلطات الطبيعية. وفي إحدى المحلات التي زرناها، لم نقدّم أنفسنا بصفتنا الصحفية وإنما تظاهرنا بكوننا مواطنة عادية تعاني من تساقط مستمرّ للشعر. وما أن طرحنا المشكل على صاحبة المحل، حتى بادرت بعرض عدد من الوصفات علينا إلى درجة عدم قدرتنا على التمييز بين الأسماء الغريبة للمنتوجات وفوائدها. وتظاهرا منا بالتخوف من استعمال خلطة طبيعية، أكدت محدّثتنا أنها خلطة طبيعية 100% وأنها أفضل بكثير من الدواء الموجود في الصيدليات لكونه يحوي مواد كيميائية. ما لاحظناه خلال جولتنا هو أنّ القاسم المشترك بين المختصين في بيع الأعشاب الطبية والخلطات الطبيعية يكمن في قدرتهم الفائقة على الإقناع وتقديم المنتوج في أحسن صورة وكأنه القادر الوحيد على العلاج، هذه القدرة في التلاعب بالعبارات واستخدام الآيات القرآنية من شأنها أن تؤثر في المواطن العادي ذي الوعي البسيط الذي يجد نفسه مقتنعا تماما بقدرة ذلك الدواء على العلاج.. فيقوم فورا بشرائه وهو ما سبق وأكدّته لنا الشابتان راوية ومنى.
"التجارة" و"الصحة" يتقاذفان "كرة المسؤولية" ونحن نستمع إلى شهادتي منى وراوية وإلى أصحاب محلات بيع الأعشاب الطبية والخلطات الطبيعية، راودنا سؤال عن الدور الذي تلعبه وزارة الصحة في الحدّ من انتشار هذا البيع العشوائي، واعتقدنا أنّ إدارة حفظ الصحة والمحيط بوزارة الصحة مهتمة بمراقبة هذه المحلات. لكن ما إن اتصلنا بمحمد الرابحي مدير إدارة حفظ الصحة والمحيط حتى أفادنا أنّ مراقبة هذه المحلات ليست من مهام الإدارة، داعيا إيانا إلى الاتصال بإدارة الصيدلة والدواء ووزارة التجارة. من جهتنا، اتصلنا بنادية فنينة المديرة بإدارة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة العمومية التي ذكرت أنّ الإدارة لا تتولى مراقبة المحلات المختصة في بيع الخلطات الطبيعية، قائلة: «صحيح أننا نقوم بتجارب في المخبر ونعاين بعض الأعشاب لنتبين مدى صحتها ونصدر تقريرا في ذلك، لكن ليس من شأننا أن نراقب مدى صحة الخلطات الطبيعية التي تباع في المحلات التجارية، فنحن نهتم بمراقبة الأدوية المصنوعة من الأعشاب فقط، وأعتقد أنّ من شأن وزارة التجارة أن تتولى مراقبة هذه المحلات». وزارة التجارة توضّح وبعد تحميل وزارة التجارة مسؤولية مراقبة هذه المحلات وحماية المواطن، اتصلت «الصباح الأسبوعي» بفاتن بلهادي المديرة العامة بإدارة التجارة الداخلية التي نفت أن يكون من مسؤولية وزارة التجارة منح الرخص لهذه المحلات، قائلة: «إنّ وزارة التجارة لا تمنح سوى رخصة بيع المشروبات الكحولية، لكن بالنسبة إلى بقية المحلات التجارية فهي لا تتطلب ترخيصا قانونيا عملا باتفاقية الGAT التي أمضتها تونس منذ التسعينات، فكراس الشروط هو المحدد الوحيد لتقديم تصريح بالنشاط". وأضافت المديرة العامة بإدارة التجارة الداخلية قائلة: "هناك بعض النشاطات التجارية التي تتطلب تصريحا بالوجود (باتيندا) من القباضة حتى يتسنى لصاحبها فتح المحل، لكن ما أؤكّده أنّه ليست لدينا أية علاقة بالمحلات المختصة في بيع الأعشاب الطبية والخلطات الطبيعية". وذكرت محدّثتنا أنّ مراقبة تلك المحلات تتطلب وجود تقنيين مختصين، و"هذه الكفاءات غير متوفرة لدينا بوزارة التجارة، ولكن حسب اعتقادي فإن وزارة الصحة العمومية هي التي تعنى بمراقبة المنتوجات التي يقع بيعها في هذه المحلات"، على حدّ قولها. "الصباح الأسبوعي" اتصلت بكل من وزارة الصحة العمومية والتجارة للبحث في مدى حرصهما على صحة المواطن وتوليهما مراقبة هذه المحلات سواء الموجودة بسوق البلاط أو العاصمة، لكن تبين أنّهما لا يتحملان مسؤولية المراقبة، فكلّ طرف يحمّل المسؤولية للطرف الآخر، لتتزايد بذلك ظاهرة الانتشار العشوائي ويبقى المواطن ذو الوعي البسيط عرضة لاستغلال هؤلاء التجار.
اختصاص لطب الأعشاب في تونس.. لم لا؟ في اتصالنا بمولدي عمامو مدير مركز الإسعاف الطبي الاستعجالي بالعاصمة، أكد وجود نوعية من الأعشاب الخطرة داعيا إلى وجوب تقنين هذا المجال خاصة في ظل انتشار البيع العشوائي. ودعا وزارتي الصحة والتجارة إلى تحمل مسؤوليتهما والتنسيق بينهما لمنح رخص لهذه المحلات التي تعتبر نفسها طبا بديلا، قائلا: "صحيح أنّ طبّ الأعشاب لا يدرّس في تونس، لكن على الدولة أن تتولى الإشراف على هذا القطاع من خلال الإحاطة بمن لهم خبرة في إعداد هذه الخلطات حتى تضمن بذلك سلامة المواطنين".