عاش التونسيون في الأيام الأخيرة وتحديدا منذ أحداث 4 ديسمبر فترة صعبة بل وعسيرة وحالة من الترقب يشوبها بعض الخوف من إمكانية عدم تجنيب البلاد الاختيار الأصعب، والاختيار الأصعب تنفيذ الإضراب العام الذي نادى به الاتحاد العام التونسي للشغل ليوم الخميس 13 ديسمبر في ردة فعل على الاعتداء بالعنف على النقابيين بساحة محمد علي بالعاصمة وذلك قبل أن ترد مساء أمس أنباء عن تعليقه بعد جلسات تفاوض ماراطونية جمعت ممثلي الاتحاد العام التونسي للشغل وممثلين عن الحكومة. وكانت المنظمة الشغيلة العريقة والأكثر تمثيلية في البلاد ستكون غير مجانبة للصواب لو تمسكت بحقها في اعلان الإضراب العام دفاعا عن النقابيين وعن اتحادهم، فليس من السهل الصمت على الاعتداءات المتكررة التي تستهدفهم والتي بلغت أوجها يوم 4 ديسمبر في ساحة محمد علي في لحظة تحمل رمزية كبيرة وتتمثل في احياء النقابيين ذكرى اغتيال الزعيم الوطني الراحل فرحات حشاد. المرحلة كانت صعبة وعسيرة لأن كل الاحتمالات والفرضيات كانت ممكنة لعل ابرزها فرضية تغليب منطق التصعيد والمواجهة التي قد ينجر عنها مزيد من الاضطرابات ومزيد من الخسائر المادية والمعنوية والزج بالبلاد أكثر فأكثر في منطقة المجهول. لكن ومهما كانت قساوة التجربة على أغلب التونسيين حيث شغل التلويح بالاضراب العام وفرضية تنفيذه وما سيكلفه للبلاد في هذه المرحلة الصعبة من خسائر اصبحت كل حركة وكل تصريح وكل موقف صادر سواء عن كوادر الاتحاد العام التونسي للشغل أو الحكومة أو حزب حركة النهضة أو مختلف الأطراف المتدخلة بالساحة الوطنية محل اهتمام شديد وملاحظة دقيقة لأن القضية تهم التونسيين عن قرب وتنعكس مباشرة على حياتهم اليومية وعلى وضع البلاد عموما. مهما كانت قساوة التجربة ومهما أثارته من مخاوف فإنه لابد لنا من أن نستفيد منها. فجميل ان نطمئن لفرضية ترجيح كفة العقل وانتصار منطق الحوار على منطق المواجهة لكن الاجمل منه أن يقع الاتعاظ من هذه التجربة وأن يتحمل كل طرف مسؤوليته كاملة. مهما كانت النتائج وأملنا بطبيعة الحال أن نخرج من هذه التجربة بأخف الأضرار، فإنه لابد من أن نستخلص العبرة مما حصل، فلا شيء يضمن لنا أن نخرج سالمين لو حدث وتكررت نفس عمليات الاستهتار بالقانون ولو لم يقع ردع الأطراف التي لا ندري من سمح لها أن تشعر بأنها أعلى من كل القوانين من قبيل أن توكل لنفسها مثلا مهام مبهمة على غرار تصحيح المسارات وكأننا في تونس ليست لنا دولة وليست لنا مؤسسات. كذلك ربما على الشخصيات المؤتمنة على مصير البلاد أن تدرك أخيرا أنها ضيعت وقتا كثيرا على التونسيين وأن تعي جيدا خطورة الموقع الذي تتبوأه وأن تفهم أنها ربما أمام فرصة أخيرة قبل أن يسحب منها البساط.