في المطلق قد لا يعنينا حدث انتخابي ينتظم في كوريا الجنوبية أو على الأقل لا يعنينا مباشرة فلا تفصل بيننا الأميال الكثيرة فحسب وإنما العادات والتقاليد والمعتقدات المختلفة جدّا ولكن الإنتخابات الكورية الجنوبية تعنينا هذه المرة وعن قرب ولدينا ما يؤكد ذلك. كوريا الجنوبية تحتل اليوم المرتبة 13 في قائمة القوى الإقتصادية الكبرى في العالم وتعتبر هذه المرتبة مشرفة جدا لبلد كان منذ وقت غير بعيد لا يختلف عن العالم النامي في شيء فإذا به يتحول إلى قوة ضاربة ومنافسة شديدة لاقتصاديات القوى العظمى في العالم على مستوى عدد من القطاعات المهمة وخاصة في مجال التكنولولجيات الحديثة. ولكم أن تسألوا من هو أكثر حظ في الفوز في هذه الإنتخابات؟ ببساطة يتعلق اللأمر بامرأة. إنّها "بارك جين هيي" مرشحة حزب الجبهة الجديدة المحافظ وابنة الزعيم الكوري الجنوبي "بارك شانغ هي" الذي حكم كوريا الجنوبية فيما بين1962 و1979 ويعود له الفضل في تحقيق بلده لقفزة نوعيّة على المستوى الإقتصادي حتى وإن شهدت كوريا في عهده انغلاقا تاما على المستوى السياسي وعلى مستوى الحريات. المرأة اليوم تتقدم بحظوظ وافرة للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية خاصة وأنها انتصرت في الإنتخابات التمهيدية في حزبها بأكثر من80 بالمائة من الأصوات. وإذ تشير الصحافة العالمية التي ترصد أخبار هذه الإنتخابات إلى أن نتائج استطلاعات الرأي ترجّح فرضيّة فوز مرشحة حزب المحافظين فإنّها تؤكد كذلك على الثّقة التي يمنحها الشعب الكوري إلى امرأة لتقود البلاد في الفترة القادمة وهي فترة غير يسيرة. فإضافة إلى أنّ كوريا الجنوبيّة تعتبر من بين أبرز البلدان التي تعيش تحدّيات جيّوستراتيجيّة كبيرة فهي الجارة لكوريا الشماليّة الشّيوعيّة وهي في قلب صراعات القوى العظمى على غرار الولايات المتّحدة والصّين واليابان فإنّها مطالبة بالحفاظ على المكاسب الإقتصادية بالتّوازي مع علاج الأزمات الناتجة عن تحوّلات العصر إلخ... هذا بالنسبة لكوريا الجنوبيّة أمّا بالنسبة لألمانيا فإن قدر البلاد (ومنذ سنة 2005) بين يدي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة حزب الإتّحاد المسيحي الدّيمقراطي وهي تترأس الإئتلاف الحاكم بألمانيا وقد انتهى حزبها للتو(4 ديسمبر) من تنصيبها مجددا رئيسة فيديرالية بحصولها على أكثر من90 بالمائة من الاصوات. وقد أعلنت قبل ذلك عن نيّتها الترشّح مجدّدا لمنصب المستشارة في الإنتخابات القادمة التي تنظم بعد حوالي عشرة(10)أشهر. ربما لا نحتاج للتعريف بألمانيا اليوم فهي القوة الإقتصاديّة الضاربة في أوروبا(الأولى) وفي العالم وهي من البلدان الفاعلة في الإتحاد الأوروبي بعد أن كانت واحدة من المؤسّسين له. ألمانيا تحكمها منذ سبع سنوات امرأة بقبضة من حديد وقد حققت في عهدها انتصارات اقتصادية كبرى جعلت العالم يصفق لانجازات هذا البلد ويزيد من شعبية انجيلا ماركل في بلادها. ولعلّنا لا ننسى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية القوة العظمى الأولى في العالم كادت أن تضع مفاتيح البلاد في يد امرأة ذلك أن هيلاري كلينتون التي قادت الديبلوماسية الأمريكية خلال الأربع سنوات الأخيرة كانت من أشرس خصوم الرئيس باراك أوباما خلال الإنتخابات التمهيدية لحزب الديمقراطيين في الإنتخابات ما قبل الأخيرة التي فاز بها كما هو معروف أوباما الذي فاز مؤخرا بمدة رئاسية ثانية للولايات المتحدة. هيلاري كلينتون زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون امرأة من النساء اللواتي سجلن اسماءهن في التاريخ بأحرف من ذهب قادت هي أيضا ديبلوماسية بلادها بقبضة من حديد وفرضت لونها ومصلحة بلادها بدون أدنى تردد. وغير بعيد عنا وتحديدا في إيطاليا هذا البلد الذي يعاني من مشاكل خطيرة خاصة على المستوى الأمني بوجود المافيا والعصابات المنظمة لا تتردد الحكومات في وضع ثقتها في المرأة وتمنحها حقائب الدفاع والداخلية وفي اسبانيا اليوم تتولى امرأة وزارة الدفاع. وترأس حاليا امرأة فرنسية صندوق النقد الدولي دون أن ننسى أن الحكومة الفرنسية الحالية بقيادة "جون مارك إيرو" تعتمد على التناصف الكامل حتى أن الناطقة باسم الحكومة امرأة (نجاة فالو بلقاسم ذات الأصول المغربية) والقائمة تطول في الغرب للنساء اللّواتي تتقلدن مفاتيح البلاد أو هن تتولين حقائب وزارية هامة وسياديّة بالخصوص أما نحن في تونس وحتى لا نتكلم عن كامل المنطقة العربية حيث أن مكانة المرأة في هذه البلدان تحتاج إلى شرح كبير, نحن في تونس وقد كنا بالأمس القريب نباهي بمجلة الأحوال الشخصية نضع فكرة التناصف موضع تساؤل والرفض في أحيان كثيرة يأتي من المرأة نفسها وقد صرنا نتحدث عن دور تكميلي للمرأة في مشروع دستورنا الجديد الذي هو من المفروض يكرّس المكاسب ويدعمها وينفتح أكثر على روح العصر ومتطلباته ومن أبرزها المساواة الكامل بين الجنسين. اليوم نحن في تونس نعيد النظر حتى في الأمور البديهية دون أن نتكلم عن ظواهر اجتماعية تبعث على الحيرة حول تمثل المجتمع للمرأة, تمثّل تطغى عليه قراءات متزمّتة وحرفية للنص الديني. صرنا كثيرا ما نشاهد المرأة في حالة غريبة وعلى هيأة مفزعة. فأين نساؤنا من نسائهم؟