هناك في زحمة الجمعيّات الكثيرة النّاشطة اليوم في تونس جمعيّة بعينها يودّ الواحد لو أنّها تنجح في أن تتّخذ لنفسها مكانة في هذا الزّخم الكبير وهذا النسيج الواسع من الجمعيّات التي استفادت من مناخ الحريات الذي تيسّر بعد الثورة الشعبية فتوالدت وكثرت حتى بات من الصعب أن نحصيها أو نحدد أهدافها والمجالات التي تنشط فيها. هذه الجمعية هي الجمعية التونسية للتربية والثقافة التي عرفت النور منذ 9 أفريل 2012 والتي يرأسها المربّي رضا الكشتبان. وإذ تلفت الجمعية الجديدة الإنتباه فلأنها تضع مجالين هامين بل وأساسيين في تونس في قلب اهتماماتها والأمر يتعلق بطبيعة الحال بالتربية والثقافة. فنحن في تونس نعوّل كثيرا على المدرسة في تربية الأجيال كما نعوّل على المدرسة على تهيئة المستقبل. وكانت تونس ومنذ فجر الإستقلال قد راهنت على التعليم الذي يضمن تسليح المواطنين بالمعارف ويغرس فيهم الوعي بقيم المواطنة والقيم الكونية وتضمن توازن المجتمع وتقيه من محاولات الإجتثاث التي تحوّل البشر إلى عجينة طيعة يمكن استعمالها لغير صالح المجتمع. ولا يخفى على التونسيّين أن منظومة التربية والتعليم تعاني تراكمات هائلة من المشاكل الموروثة عن اخفاقات الكثير من السيّاسات التربويّة التي حوّلت المدرسة إلى مؤسّسة في أغلب الأحيان فاقدة للرّوح إذ أصبحت تؤدّي وظيفة بشكل شبه آلي. التصحر الثقافي من جهة أخرى لم يرحل النظام السابق دون أن يترك الأرض قاحلة خاصة في المستوى الثقافي. لقد ترك تصحرا في العقول جراء الفراغ الثقافي والجهل الذي كان مستفحلا لدى مختلف الفئات الإجتماعية بما فيها الفئات المتعلمة والمتخرجة من الجامعات. فمنظومات التعليم المتعاقبة لم تحل دون افراغ التعليم بمختلف مراحله من جوهره وتفقيره حتى أنّنا صرنا نرى أجيالا تتخرج وهي مفقرة تماما ثقافيا حتى وإن أحسنوا التعامل مع تكنولوجيا الإتصال الحديثة. وإن كان هناك من أمل في تكوين أجيال جديدة مثقّفة ومتشبّعة بالقيم الكونيّة ومؤمنة بالأخلاق السامية فإن هذا الأمل سيكون في مدرسة جديدة تجعل من الثقافة بمختلف ألوانها جزء مهما في عملية التربية. أغلب مدارسنا إن لم نقل كلها تعاني من فقر مدقع في الأنشطة الثقافية التي تعتبر حاسمة في التربية والتكوين. ثم إن علاقة التلاميذ بالأماكن الثقافية وخاصة بالأروقة الفنية وبالمتاحف تكاد تكون مفقودة لذلك نحتاج كثيرا إلى نشطاء في المجتمع يحاولون أن يحيوا علاقة المدرسة بالثقافة. وبناء على قاعدة من البيانات في هذا الصدد نشأت الجمعية المذكورة والمحدثة مؤخرا والتي أعلن عن تأسيسها بالرائد الرسمي التونسي بتاريخ 14 جوان 2012 ويعد رئيسها بالإنصات إلى حاجة التونسيين إلى تعميق الوعي الثقافي وهي حاجة ملحة وعاجلة. وهو يعد بان يكون العمل على تعميق الوعي الثقافي وترسيخ قيم التعايش والتسامح والإختلاف وتوثيق الصلة بين الأجيال وإقامة الجسور بين إطار التدريس (ثانوي وجامعة) وجمهور الطلاب وعلى اكتشاف المواهب في المجال الثقافي والعمل على صقلها وفتح المجال أمام المبدعين الشبان من بين ابرز اهداف الجمعية التونسية للتربية والثقافة. أوجاع القطاعين وإذ يعتبر السيد رضا الكشتبان مؤهلا لرعاية الجمعية فلأنه يجمع بالخصوص بين الجانبين التربوي والثقافي فهو من رجالات التعليم (28 سنة تجربة بالتعليم الثانوي) وقد سبق له أن ألف كتبا مدرسية ونظم تظاهرات ثقافية من بينها احتفالات بمائوية الشابي والفاضل بن عاشور بمركز المنزه السادس بالعاصمة كما نظم في جانفي من العام الجاري تظاهرة حول التعليم والثقافة في مسار الثورة. وهو وربما الأهم من كل شيء متحمس جدا لإصلاح المنظومة التربوية ومشفق على تونس من حالة الفراغ الثقافي التي يعاني منها أغلب الشباب والتلاميذ. وهو يقول في سياق الإجابة عن سبب بعث جمعية للتربية والثقافة"كان لزاما على أرباب الفكر والثقافة والمثاقفة التنادي ليختطوا مسالك من شأنها تحصين ثوابت المعرفة وأرصدة الثقافة ومراجعة منظومة القيم وتعهدها بالمساءلة بعيدا عن ضوابط المؤسسة السياسية وطواحين المشهد الرتيب وتشنجاته". وقد أكد لنا على هامش الحديث عن الجمعيّة الوليدة أن عدة قامات ثقافية وجامعية في البلاد شجّعت المشروع ودعمته بالأفكار وتعهدت بالمساهمة في النشاط في إطار الجمعية مباشرة أو برعايتها. مع العلم وأن باب الإنخراط بالجمعية مفتوح وقد اتخذت لها مقرا بالمركز العمراني الشمالي برج المكاتب. ( الطابق الأول المكتب عدد 12 تونس 1082). ولعله يصعب علينا أن نطلع على ما ترومه الجمعية وخاصة "الإفادة والإنارة بدون صرامة أكاديمية وفي غير ما انصراف إلى مناهل الترفيه والإحتفالية غير محسوب" دون أن ترانا نقرّ بأن نوايا طيبة وراء هذه الجمعية وأهدافها نبيلة عسى أن تتوفر لها الإمكانيات والعزيمة على تنفيذ برامجها وتعهداتها خدمة للتربية والثقافة ولعلهما من أكثر القطاعات التي تعاني اليوم وجعا أكثر من غيرها.