مشهد الاطباء والمسعفين الفلسطينيين وهم يسابقون الزمن لانقاذ حياة طفل او رضيع فلسطيني اصيب برصاص قوات الاحتلال الاسرائيلي او خلال عمليات القصف العشوائية المتكررة على غزة لم تكن هينة على من تتبعها وهي بالتاكيد لن تزول من الذاكرة قريبا وستسجل معها ذلك الصراع التاريخي المستمر من اجل البقاء والوجود... في ازيائهم البيضاء الملطخة بدماء الضحايا النازفين كانوا يلهثون في صمت وحيرة واضحة بين سيارات الاسعاف التي نقلت المصابين وبين سراديب تلك المراكز الاستشفائية في غزة بما توفر فيها من معدات وادوات طبية وامكانيات متواضعة. لم يعبا احد منهم بعدسة الكاميرا التي تسللت الى المستشفى لترصد حركاتهم الدقيقة وعمليات الانقاذ التي كانوا يخوضونها في امل وخوف رافضين الاستسلام للموت بتلك الطريقة الوحشية .... بايد مرتعشة كانوا يتلقون الرضيع من ايدي والديه الملتاعين او اقاربه الذين نقلوه في محاولة يائسة لانقاذه من موت محقق وكانوا يتشبثون باعادة الحياة الى تلك الاجساد البريئة التي مازالت ترتوي من صدور امهاتها ولم تملك بعد القدرة على قطع خطواتها الاولى بتوزان ناهيك عن استيعاب مختلف حروف الهجاء... وفي احدى الغرف تمتد يد احد المسعفين الى الة التنفس اليدوي الفاسدة قبل ان تلقيها بغضب وعصبية وتبحث عن غيرها مرة اخرى يرفض الاستسلام والقبول بالقدر المحتوم ويصرخ هذه المرة طلبا للتنفس الاصطناعي للمصاب , غير بعيد عن الصراع من اجل البقاء بين اروقة المستشفى استمر المشهد تحت جنح الظلام اب تائه بين انقاض ما بقي من مسكن عائلي يستصرخ العالم "اطفالي ياعالم " وعلى مقربة منه ام ثكلى لم تدم فرحتها بمولودها الجديد الذي لم يحتضنه والده المبعد بعد وعائلة تحمل ما امكن حمله وتسير دون هدف واضح بحثا عن مكان تمضي فيه بقية الليل. مشهد ماسوي اعلن في طياته انطلاق موسم وأد الطفولة الفلسطينية في ابشع وافظع مظاهره في ظل صمت شابه صمت القبور لولا دخول قناة الجزيرة على الخط لتنقل صرخات اهالي الضحايا وتتسبب في ازعاج راحة من اختاروا لغة الحياد في انتظار نهاية موسم الفرجة الذي يبدو انه سيطول هذه المرة فكل المؤشرات تؤكد ان الالة العسكرية الاسرائيلية لن تعود الى ثكناتها قبل استكمال تنفيذ التهديدات التي تداول على اطلاقها كبار السياسيين والعسكريين الاسرائيليين باقتراف المحرقة الاكبر في غزة تلك المحرقة التي بدات اطوارها مع عصابات الهغانا والشترن لتستمر تحت اشراف الجيش النظامي الاسرائيلي ومحطمي عظام الاطفال الفسطينيين . واذا كان المراهنون خطا على تدخل امريكي قريب والاملون في تحرك دولي يضع حدا للمهزلة المستمرة قد ادركوا بعد كل هذه المشاهد وغيرها مما لم تنقله اعين الكاميرا ان الدم العربي اقل وابخس من ان يحرك الضمائر أو يدفع الى اعادة اولويات زيارة رايس الى المنطقة او يدعو إلى التعجيل بعقد لقاء وزراء الخاريجية العرب فان ما لم يدركه هؤلاء ان هذه المشاهد وغيرها ستبقى وراء ترسخ تلك المقولة الشهيرة التي كان الرئيس الجزائري بومدين اطلقها مرددا سنبقى مع فلسطين ظالمة او مظلومة وهي مقولة لا مجال معها للحياد الذي يفقد كل معنى له امام حملات الابادة الجماعية التي تؤكد مرة بعد اخرى ان فلسطين لا يمكن ان تكون ظالمة وان الذين حرصوا على اختفاء صور الاطفال الشهداء من الفضائيات والصحف العربية وتغييب اسم محمد الدرة وايمان حجو وغيرهما بدعوى الرغبة في القضاء على مشاعر العداء والرغبة في الانتقام انما يساعدون الاحتلال على تبييض وجهه وتخفيف وقع جرائمه في الذاكرة البشرية...