دير ياسين ترفض السقوط من الذاكرة وتتمسك بالبقاء حية في الاذهان لتشهد على فظاعات اسوا انواع الاحتلال الاستيطاني الممتد منذ القرن الماضي ... ستون عاما تمر اليوم على ذكرى مجزرة دير ياسين يوم سجلت الذاكرة الانسانية دخول عصابات الهجانا والشترن الصهيونية قرية دير ياسين على مشارف القدس غداة استشهاد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني لتتسلل تحت جنح الظلام وتستبيح دماء نسائها واطفالها وشبابها وشيوخها وتنسف البيوت على رؤوس اصحابها وتدشن بذلك بداية مسلسل طويل من المجازرالمقترفة في حق ابناء الشعب الفلسطيني منذ التاسع من افريل 1948 واستمرارها على نسق خاص على مدى ستين عاما من نشاة الكيان الاسرائيلي فتكررت بذلك عناوين الجرائم وتعددت مواعيدها وبقي المجرم واحدا... قد لا تكون دير ياسين سوى حلقة اولى من حلقات المجازر الكثيرة المدونة في تاريخ الدولة العبرية الوليدة من مجزرة قبية الى كفر قاسم والليطاني والطنطورة واللد والدوايمة والقدس والخليل وعين الحلوة وصبرا وشاتيلا وغزة وغيرها ولكنها تبقى بالتاكيد الاكثررسوخا في الاذهان فقد شكلت دير ياسين منعطفا في تاريخ القضية الفلسطينية وكانت منطلقا لتنفيذ بقية مخططات الاحتلال والتوسع الاسرائيلي وهو ما اكده ميناحيم بيغين قائد عصابات الهغانا عندما صرح لاحقا بان دير ياسين مهدت الطريق لكسب معارك حاسمة في ساحة القتال اذ بدون دير ياسين ما كان بامكان اسرائيل ان تظهر...و الامر طبعا مرتبط بما اقترفته تلك العصابات الصهيونية من جرائم ابادة وعمليات تصفية لعائلات باكملها من اهالي القرية الذين لم يكن عددهم انذاك ليتجاوز السبع مائة وما افرزته ممارساتهم وانتهاكاتهم من خوف ورعب في صفوف من كتب لهم النجاة فاثروا بذلك الهرب والرحيل عن قريتهم وبيوتهم التي سرعان ما استولى عليها المستوطنون اليهود واستوطنوها ليكون لهم موطئ قدم حول القدس وعلى مشارفها... اسباب كثيرة وراء تمرد مجزرة دير ياسين وبقائها حية في الاذهان لتروي للاجيال المتعاقبة جزء من ملحمة شعب قاوم حتى الموت من اجل حريته وكرامته قبل ان يحاصر وتقطع عنه الذخيرة والمؤونة فيسقط ضحية لمجموعات مسلحة جاءت من خلف الحدود لتهدد وجوده ولتشتت صفوفه وتبدا تنفيذ اول مخطط احتلالي توسعي على ارض فلسطين . ولعل في عودة هذه الذكرى الفلسطينية اليوم مع الاستعدادات العملاقة للسلطات الاسرائيلية والقوى الكبرى في العالم التي كانت وراء اعلان قيام اسرائيل لاحياء الذكرى الستين لقيام دولة اسرائيل ما يدعو واكثر من أي وقت مضى لتكون ذكرى دير ياسين حدثا راسخا في الاذهان يرفض الذوبان والنفي والتهميش يصرعلى ضرورة عدم اسقاط الجريمة بالتقادم ويطالب بمحاسبة من بقي من الجناة ومحاكمتهم لاسيما وان ارتكاب مجزرة ديرياسين كان بعد اسبوعين فقط على توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنين اليهود مع مشايخ القرية قبل ان ينكثوا العهد ويغدروا بالاهالي ويكشفوا بذلك تواطؤ الانتداب البريطاني وافلاس الصليب الاحمرفي وضع حد لمسلسل الاعتداءات التي كانت امتدت الى اربع مائة قرية فلسطينية... ولاشك ان جريمة امس التي كان مسرحها هذه المرة مدينة نابلس التي شهدت مقتل طفل يرعى اغنامه دهسته حافلة للمستوطنين ما يؤكد ان مسلسل الجرائم الاسرائيلية ليس قريبا من نهايته وان الخيال الاسرائيلي في مجال جرائم الابادة الجماعية والتصفية سيواصل مفاجاة العالم بقدراته على المخادعة والتنصل من المسؤولية مع اختلاف مهم في الاحداث وهو ان الدعم البريطاني الذي ارتبط بمجازرالقرن الماضي قد ترك مكانه للدعم الامريكي...