تونس الاسبوعي: بعيدا عن الأرقام والمعطيات الرسمية فإن المواطن التونسي أصبح يعتقد جازما في تطوّر ظاهرة الاجرام في بلادنا خلال السنوات الاخيرة الى حد جعله يشعر بالخوف ويسعى لتحصين نفسه قدر الامكان.. لكن هل يكفي ذلك امام جرائم النشل والسرقة والاعتداء بالعنف التي عادة ما تحدث في غفلة منه.. وكيف خرجت مثل هذه الجرائم من التخفي الى التكشف في وضح النهار.. وماذا يرى للحدّ منها.. فيما يلي ما قالوه: لا اشتكي... واخاف الانتقام هكذا تحدثت مروى او هذا ما ارادت تبليغه اذ قالت: «اثق في العدالة التونسية لكن ذلك لا يمنع اني اؤاخذها بعض الشيء حول الاحكام الخفيفة الصادرة عنها في ما يتعلق بقضايا الاعتداء بالعنف والنشل. واضافت الاحكام المخففة شجعت المارقين على مواصلة اعتداءاتهم السافرة على بقية خلق الله لان اغلبهم يعتبر السجن متنزها، كيف لا وهم يرتكبون ما يرتكبون ولا يقضون في السجن اكثر من ثلاثة اشهر.. صدقني لم اسمع ان نشالا نال اكثر من ستة اشهر سجن لقاء ما اتاه في حق شاب او فتاة او سيدة لا ذنب اقترفه غير انه نزل الى الشارع لقضاء شؤونه. هذه الدرجة من الاحكام في اعتقادي جعلت زمام الامور يفلت وتتحول شريحة من شبابنا الى ذئاب شرسة تهدد سلامة المواطن وممتلكاته» وتضيف مروى قائلة: «لقد تعرضت أكثر من مرّة للنشل وافتك مني بعض المنحرفين بعض الحلي أو الاموال أو الجوّال وتعرضت للتهديد باسلحة بيضاء ولم ارفع الامر للسلطات الامنية الا في مناسبة واحدة وهي المرة الاولى التي استهدفت فيها واحسست ان الخطر يتهددني لاني علمت ان النشال لم ينل الا ثلاثة اشهر سجنا وبعودته الى عالم الحرية صرت مستهدفة للانتقام وهو ما يخيفني. واذا لم يقع ايجاد الاطر القانونية للتشديد في العقوبات الردعية وجعلها تبلغ درجة الزجرية فان القادم لن يكون أفضل». المدينة... الغابة واذا كانت مروى تخاف الانتقام ولا تتجرأ على رفع الامر الى السلطات الامنية فان الخالة حليمة وهي سيدة تجاوزت الستين من العمر اصيلة ولاية باجة قدمت واستقرت في العاصمة منذ اكثر من عقدين تقول: «في السنوات الاخيرة اصبحت حريفة لدى السلطات الامنية نتيجة تكرر استهدافي من طرف النشالين ولم ينل الواحد منهم اكثر من ستة اشهر سجنا لعدم توفر عنصر الترصد عند اقدام السارق على خطف ممتلكاتي. وهناك اشياء كثيرة يجب ان نضع امامها علامات استفهام فالسارق او النشال عندما ينظر اليه القانون على انه لم يترصد ضحيته بتعلة عدم اثبات معرفة سابقة بينه وبين الضحية فكيف يتمكن من السرقة وربما الاعتداء بالعنف على الضحية اذا لم يضع شخصا بعينه هدفا؟ وللتأكيد فإن كل تجاربي مع الخطف والنشل وبعضها مشفوع بالتهديد والاعتداء بالعنف تم النظر فيها على اساس عدم توفر عنصر الترصد باعتبار ان السارق ارتكب السرقة على سبيل الصدفة ولم تتوفر لديه نية السرقة بشكل مسبق الا بعد رؤيته الحلي او الاموال لدى الضحية. وبهذه الطريقة يجد المارقون الغطاء القانوني المناسب لتكرار هذه العمليات واحترافها وهم واثقون ان مدد عقوباتهم لن تطول ليعاودوا الرجوع الى عالم الحرية وطبعا الى عالم الانحراف. ووفقا لهذا المبدأ ايضا استفحلت هذه الظاهرة المخيفة في المجتمع فاصبحنا لا نشعر بالامان ونحن في قلب المدينة التي تحولت شيئا فشيئا الى غابة وحوشها بشر يستهدفون البشر. ولتخليص المجتمع من هذا المرض العضال الذي يهدد توازنه لابد من الحكم باقصى العقوبات التي سنها المشرع بخصوص هذا الباب من القضايا وعدم الالتجاء الى ظروف التخفيف». مسرحة الجريمة وليس بعيدا عن رأي الخالة حليمة يرى لطفي: « ان الناس يعيشون حالة من الخوف والارتباك نتيجة تزايد ظاهرة الاجرام» ويقول: «الجريمة في تونس اصبحت واقعا اجتماعيا مريرا وكنتيجة لما اعتقد انه تساهل للقانون مع المنحرفين انطلاقا من الاحكام الخفيفة التي تصدرها المحاكم ظهر واقع اجرامي جديد يسميه الباحثون عصر مسرحة الجريمة حيث خرجت الجريمة من الاركان المنزوية جدا الى قلب الشارع وتخلصت من ستار الظلام لتظهر ببشاعتها الى وضح النهار ولكم ان تحصوا عدد ضحايا جرائم القتل كل يوم او لنقل كل اسبوع وتتبينوا ملابساتها فما تنشره الصحافة ليس سوى القليل مما يصلها. واعتقد ان اسباب استفحال ظاهرة الاجرام في تونس وهي عنصر مستجد في مجتمعنا تعود بالاساس الى الاحكام التي تصدرها المحاكم في القضايا التي تعتبر بداية عوامل احتراف الجريمة ويرى لطفي «ان الحل المناسب للحد من ظاهرة استفحال الجريمة حسب تعبيره هو الحاق قضايا النشل والسرقة والاعتداء بالعنف والتشويه بقائمة القضايا الجنائية واصدار وتنفيذ احكام تفوق الخمس سنوات سجنا مع خطايا مالية مرتفعة وبهذه الطريقة يستخلص الذين تسول لهم انفسهم ارتكاب مثل هذه القضايا العبرة عسى الامن والطمأنينة يعودان الى الناس». يا حسرة... اما الهادي فيرى ان الخوف أصبح مسيطرا على الافراد خصوصا خلال السنوات الاخيرة حيث اصبح المواطن يشعر انه مهدد في سلامة جسده وممتلكاته وحياته، فعندما يتجول في الشارع يشعر انه مستهدف في كل لحظة ويعتبر الاخر دائما عدوا متربصا به. وشخصيا لا اجد لهذا الاحساس من تفسير غير نقص في الرقابة الامنية في الشوارع ووسائل النقل العمومي والاحياء الشعبية التي تعتبر المصدر الاول للجريمة ولا مناص لنا اذا رمنا الحد من الظواهر السلبية في مجتمعنا الا الترفيع في العقوبات او بالاحرى القضاء باقصى العقوبات التي سنها المشرع. السجون تصدر متخصصين العم بشير يختلف مع رأي الهادي رغم انه يتفق معه في بعض النقاط اذ يقول. السجون بشكلها الحالي لا تستجيب لحاجات اصلاح المجتمع ذلك انها امتلات بما فيه الكفاية من شبابنا واختلط فيها الحابل بالنابل فاصبحت تصدر متخصصين في ضروب الجريمة بينما جعلت لاعادة تأهيل المنحرفين واعادة ادماجهم في المجتمع وربما يعزى تراجع ادائها لهذا الدور الى ارتفاع التكاليف... واعتقد ان الحل لاعادة الطمأنينة للمجتمع هو الترفيع في قيمة الغرامات المالية والخطايا التي سنها المشرع في ما يتعلق بقضايا مثل السرقة والنشل والاعتداء بالعنف. رجل امن لكل مواطن؟ وترى السيدة محرزية ان. المجتمع التونسي يعيش في امن وامان يحسد عليهما غير ان بعض المارقين الذين تعوزهم الروح الوطنية وهم اساسا من المتواكلين الذين يعملون على زعزعة ما ننعم به من امن بارتكابهم اعتداءات سافرة في حق ابناء وطنهم... ونظرا للظرف الراهن الذي بات يعيشه المجتمع التونسي اصبح من الضروري مراجعة القوانين والاحكام بهدف ايجاد الاطار القانوني الملائم لحماية المجتمع وتخليصه من اسباب استفحال الظواهر السلبية التي تعيق تقدمه... ورغم حزم اعوان الامن فان الانفلات وارد اذا لم تتم مراجعة القوانين والاحكام، فهل يعقل ان يكون لكل مواطن رجل امن يحرسه ويراقبه؟؟ نتاج طبيعي هكذا كان نبض الشارع التونسي وككل المجتمعات التي بلغت أشواطا هامة من التقدم كان لابد من افرازات مماثلة ولكن رغم ذلك يظل تطوير الوسائل الوقائية والردعية لمجتمعنا اليوم من اوكد الواجبات. تحقيق: الحبيب وذان