عاد صيّادو ميناء القراطن بقرقنة أدراجهم بعد مفاوضات شاقة أدارتها جهات أمنية من الحرس البحري وعسكرية من قوات خفر السواحل بعد الوعود التي تلقاها راكبو أخطار رحلة الموت والحرية التي ضمّت زهاء ال100 زورق كان على متنها بحّارة وربابنة وأفراد من عائلاتهم آلوا على أنفسهم أن يخوضوا غمار البحر دفاعا عن كرامتهم ومصدر قوتهم بعد أن شحّت موارده بفعل إجحاف "الكياسة" والاعتداء على الثروة البحرية وحقوق الأجيال القادمة في البقاء وطيب العيش الكريم. "الصباح" ومتابعة منها لما انفردت به في عدد الثلاثاء من رصد لأصداء عائلات البحارة وقوى المجتمع المدني وأهالي قرقنة اتصلت بعدد من المبحرين جهرة صوب الضفاف الإيطالية وتحديدا موانئ لمبادوزا لرصد ظروف الرحلة ومخاطرها والمفاوضات وترتيباتها واستطلاع الموقف التفاوضي بين البحارة والطرف الحكومي المتحول إلى صفاقس اليوم وربما قرقنة. ظروف مناخية صعبة.. ووعود تفاوضية الشاب أحمد السويسي وهو الذي أبحر رفقة فريق اعلامي مصوّر لقنوات تلفزية تونسية أكّد ل"الصباح" أنّ الرحلة كانت من المشقة بمكان في ظروف مناخية صعبة بفعل هبوب الرياح عطلت المراكب والزوارق في مقصدها باعتبار أنها غير مجهّزة للإبحار في الأعماق. وبفعل بنيتها الخشبية كانت غير قادرة على مواجهة الأمواج العاتية والرياح القوية فضلا عن أنّها مراكب صيد ساحلي غير معدة لمثل تلك الرحلة، غير أنّ روح التحدّي ونبل الرسالة في الدفاع عن لقمة العيش زادت من اصرار راكبي رحلة "الموت والحرية". على أنّ الإنهاك والتعب هو من خصائص مهنة الصيد البحري والملاّحين ولا سيما القراقنة "بحرية ورياس" غير أنّ المستجد في هذه الرحلة أنّ عديد صيّادي قرقنة اصطحبوا نساءهم وأطفالهم ولم يثنهم عن ذلك متغيّرات الأحوال الجوية وهم الأعلم بمخاطره في مثل هذا الوقت وهذا الفصل من السنة. واعتبر السويسي أنّ انسداد أفق التفاوض ومدة الإمهال للسلط من أجل التحرّك الجدّي جعلتهم يخوضون البحر رغم العلم المسبق بسوء الأحوال الجوية والتيارات الهوائية المواجهة لزوارق ومراكب محدودة التجهيز.. بعد 5 ساعات من الرحلة -يضيف محدّثنا- "تدخّلت وحدات من البحرية الوطنية بالإضافة إلى زوارق الحرس البحري المصاحبة للمرتحلين منذ مغادرتهم ميناء القراطن وبعدما تجاسرت بعض الزوارق لتجاوز منطقة الفنارات المحدّدة لمياهنا الإقليمية تأهّبا للدخول في المياه الدولية، وحيث أنّ التهديد المناخي والطقس غير المواتي كان ظرفا موضوعيا لإمكانية التراجع فضلا عن النداءات الصادرة عن بوارج البحرية التونسية عبر اللاسلكي إلى بعض الزوارق المجهّزة بخدمة الراديو البحري وهي محدودة ولا يتجاوز عددها ال6 مراكب من جملة الأسطول المهاجر".. وبعد وعود تلقاها المبحرون، لاحت بوادر انفراج محدود بعد الإعلان عن فتح باب التفاوض مع وزير الفلاحة حسب وعود اللحظة، وحسبما تردّد عبر وسائل الإعلام وفي ضوء الوعود بالاستجابة إلى مطالب الملاّحين الموضوعية، حسب تصريحات السويسي، قفلت جل المراكب أدراجها صوب منطلقها في سواحل القراطن وتعاقب توافدها بين السادسة مساء وما قبل منتصف ليلة رأس السنة الإدارية للعام2013. استفزازات "الكيّاسة" رمزي زريدة شاب آخر أخذه العزم والحمية من أجل الدفاع على قوت أبناء جلدته وأجواره عبّر عن امتعاضه مما شاهده خلال الرحلة من تعمّد "الكياسة" الصيد في واجهة الأسطول البحري المهاجر في شكل استفزازي يعرَي في نظره التواطؤ الأمني، الذي ورغم علمهم بموعد الرحلة لم يقم بمسح ميداني يمنع كل أشكال الصدام مع غرماء صيادي قرقنة الذين واجهوا أعداءهم بكل رفعة ومسؤولية باعتبار نبل المقصد. وحسب رواية زريدة، فقد تم ضبط زورقين لبحّارة "الكيس" تبيّن بعد التحرّي معهم أنهم أقاموا بالمكان منذ 4 أيام وتم ضبط كميات متفاوتة من ثمار الصيد ب"الكيس" فيما أُطلق سراحهم منعا لكل تشويش على الرحلة. مطالب البحارة قبل التفاوض "الصباح" استجلت مطالب البحارة التي يعتزمون طرحها وكانوا قد عبّروا عنها قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض مع وزير الفلاحة في جلسة مرتقبة صباح اليوم حسبما هو معلن أو تمّ الوعد به وهي التوقف النهائي لظاهرة الصيد العشوائي عبر "الكيس" وغيرها من الأدوات المهددة للتنوع البيئي والبيولوجي وأماكن التفريخ للأحياء البحرية التي ضبطتها الاتفاقيات الدولية خاصة في حوض خليج قابس باعتباره من أهم المناطق المتوسطية التي تقصدها الأسراب السمكية من أجل التفريخ والتكاثر الطبيعي. كما يُشدّد صيّادو قرقنة على ضرورة تعويض البحارة عن خسائرهم الفادحة الناجمة عن هذا السلوك الطائش من بعض الصيادين المتنكّبين عن القانون علاوة على الدعوة إلى تطبيق القانون وحماية سيادة الدولة من هؤلاء الذين لا يتوانون عن التلاعب بمستقبل الأجيال القادمة وحقوقهم في العيش والبقاء كما تضبطه الاتفاقيات الدولية للحقوق الاقتصادية الاجتماعية والمدنية منها ومنع كل أشكال الفساد والرشوة التي ضربت البعض ممّن باعوا ضمائرهم من "حماة السواحل وحرس البحر ومغانمه" حتى لا نضطرّ إلى رفع شعارات "أقوى حكومة من بلادنا طردونا.. و إن عادوا عدنا". مصدر أمني عليم أفاد ل"الصباح" حسب معاينته لأطوار "رحلة الموت و الحرية" أنّ فريقا مختصا من وحدة الصقور قوامه 4 زوارق للحرس البحري اختارت أن تتابع الرحلة حماية لأرواح المبحرين خاصة في ظل وعورة الظروف المناخية غير المنتظرة، و قد أدار رئيس منطقة الحرس البحري كمال هميلة العمليات بنفسه على متن احدى الزوارق حيث تلخّص دور الفريق في المرافقة والمعاينة والمفاوضة والإقناع رغم ضعف الإمكانات المادية والتجهيزات وعدم الأهلية للمفاوضة السياسية التي هي بعهدة أصحاب القرار.