التونسية هي تلك التي تخفي وراء نعومتها ورقتها روح كفاح ونضال تكاد تشتعل وتتأجج نارا في وجه الظلم والقهر. هذا تقريبا موضوع فيلم"نساء الثورة" للمنتجة هاجر بن نصر الذي توجته الدورة الخامسة عشر لمهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية بالجائزة الأولى في مسابقة الوثائقيات التلفزيونية. وهاجر هي من أول المنتجين التونسيين الذين راهنوا وغامروا بالاختصاص في إنتاج الفيلم الوثائقي الذي ظل يعاني من التهميش وعدم العرض وقلة الاحتفاء به وبمنجزه رغم الاقتناع بصعوبة إنجازه. استهواها العمل الإعلامي عموما والتلفزيوني بصفة خاصة لكنها أجلته ودرست الحقوق نزولا عند رغبة والدها ثم وبعد ان تزوجت في سن مبكرة تفرغت لدراسة الصحافة وقررت اقتحام تجربة الإنتاج والتوجه إلى كل ما له علاقة بالصورة. جوائز في اغلب المهرجانات سبق لهاجر المهوسة بتحسين صورة المرأة التونسية خاصة والعربية عموما أن أنتجت أفلام"الرحالة الصغار" و"مها وفرح" و"أوراق خضراء" الموجهة للأطفال ولكنها تركز في مسيرتها على جملة من لأشرطة الوثائقية ذات الصبغة الاجتماعية ك: " جميلة مهما كان الثمن" و" امرأة من كيرانيس" الحائز على الجائزة الثانية للأشرطة الوثائقية في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون سنة 2005 وجائزة أحسن شخصية في مسابقة "أناسي و"سما دبي" للأشرطة الوثائقية سنة 2008 وجائزة أحسن عمل تلفزيوني للمرأة سنة 2005. ويروي هذا الشريط مسيرة امرأة تعيش في جزيرة قرقنة مكافحة تتحدى مصاعب الحياة وسلطة العادات والتقاليد وتشتغل في مجال الصيد البحري كواحدة من آلاف التونسيات اللائي تفخر وتزخر بهن تونس. أرادت هاجر من خلاله التحسيس بأهمية دور المرأة التونسية خاصة والعربية عامة ونضالها في سبيل المساهمة في نهضة ورقي أمتها. وشريط "عائدة عبق الماضي وإشراق الحاضر"الذي تناولت فيه حياة مهندسة في الإعلامية دخلت ميدان صناعة الشاشية باعتبارها وريثة أمين هذه الصناعة السابق فطورت العمل بفضل تمكنها من العلم الحديث وفتحت أسواقا جديدة خارجية باستعمال تكنولوجيات الاتصال واستطاعت تحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة. وشريط "أنامل الخير" الذي يروي قصة شابة تونسية وظفت العلم الحديث لتطوير فلاحة والدها، فأصبحت ضيعتها ضيعة نموذجية تقصدها الوفود الأجنبية وبعض الطلبة المختصين في العلوم الفلاحية للاستفادة من تجاربها المتطوّرة. نضال التونسية جذوره ضاربة في عمق التاريخ وفي فيلم"نساء الثورة" تواصل هاجر وان كان بأكثر حرفية وتمكن الحديث عن المرأة التونسية وتكرمها فتعمل على إبراز دورها في صنع ثورة 14 جانفي 2011 ومساهماتها في صنع ربيع تونس الذي أعطى المشعل لربيع العالم العربي منطلقة مما رصدته في لقاءاتها المباشرة واستجواباتها وشهاداتها الحية وأبحاثها في كتب التاريخ من آثار وبصمات تركتها المرأة التونسية في كل شبر في التراب التونسي عبر عصور كافحت فيها من اجل تحقيق أهدافها التي تنوعت باختلاف الحقب التاريخية التي عاشت فيها. حيث انطلقت حكايات النضال في الفيلم من عليسة مؤسسة قرطاج والجازية الهلالية.. والسيدة المنوبية.. وعزيزة عثمانة.. وأم البنين الفهرية.. مرورا بالمناضلات ضد المستعمر الفرنسي وصولا إلى المناضلات اللائي ساهمن في صنع ثورة تونس. وقد اختلفت ملامح المناضلات حسب كاميرا هاجر بن نصر في ثورة تونس بين الحقوقية والفنانة والصحفية صاحبة الفكر والقلم والمدونة وأمينات الأحزاب.. ومنهن أيضا المواطنة البسيطة المعتصمة.. وأم الشهيد.. واعتبرتهن عينات ممثلة للمرأة التونسية ونجمات الثورة.. في فيلم"نساء الثورة"حاولت هاجر أن تبرز أن تاريخ المرأة التونسية النضالي لم يولد اليوم بل أنه ذو أساس صلب بني خلال عقود من الكفاح المشبع بالقيم والمبادئ ومؤمن بالحرية والديمقراطية. واعتمدت في هذا على فسيفساء من الشهادات الحية واللقاءات والإستجوابات. عناية موصولة بإعلام تونس أنتجت هاجر بن نصر أيضا جملة من الأشرطة ذات الصبغة الثقافية والتاريخية كشريطي عبد الرحمان ابن خلدون الذي حازت بفضله على عديد الجوائز العربية الهامة وشريط أبو القاسم الشابي الذي اقتنص بالإجماع الجائزة الكبرى في مهرجان الخريبكة بالمغرب سنة 2010. وفي مجال الأشرطة ذات الصبغة البيئية أنتجت هاجر"دجبة" و"الفايجة" و"النفايات البلاستيكية هذا الوحش الصامت" وكلها أشرطة حازت بدورها على عديد الجوائز. وكان أهمها "جبل السرج مغارة المنجم" الذي نزلت فيه كمنتجة مع فريق التصوير الى عمق120 مترا تحت الأرض لتصوير المشاهد. وتعمل هاجر على إنتاج أشرطة وثائقية تعيد فيها الاعتبار إلى أهم أعلام تونس والوطن العربي في الطب والعلوم والفقه ك(الإمام ابن سحنون، ابن الجزار، ابن الشباط الرازي والخوارزمي...) وتكرم بعض العلماء المعاصرين.