بقلم: البشير لسيود - "للحرية ثلاثة أبناء:الأول مات قبل أن يولد والثاني مات مقتولا، والثالث لم يولد بعد" يعتبر التواصل بين الشعوب والأمم عنصرا أساسيا في حياة البشر لذلك ما إن مزّق شعبنا إرب قيوده حتى بدأت تتشكل الاحزاب وتظهر الجمعيات للمساهمة في تربية هذا المولود الجديد، لكن للأسف الوعي المحدود لبعض المسؤولين عن الجمعيات او الفقر المادي لهم جعلهم محل طمع لبعض الجهات التي لا تحترم آداب الضيافة واستغلت متسع الحرية الذي تنعم به بلادنا، فأصبحت تشرف على افتتاح بعض الجمعيات سواء مباشرة او عن طريق الارشاد والتوجيه والتمويل، كما بدأت تضخ حاويات الكتب في بعض الأحياء ليتم توزيعها مجانا. هنا أتساءل لو كانت هذه الاطراف صادقة في نواياها واهدافها لماذا لا تقوم بتوزيع الملابس على المحتاجين والفقراء من ابناء المدارس المنتصبة بين الجبال وفي عمق الارياف وبين الأودية؟ لماذا لا تعطي أموالا للأيتام؟ واذا أصرت على إعطاء الكتب؟ لماذا لا تعطي الكتب المدرسية والعلمية التي نقارع بها الجهل والتخلف؟ ثم أين كان هؤلاء عندما كنا نرزح تحت وطأة الديكتاتورية ونكتوي بنار الظلم والجور؟ ألم تكن دولهم مراكز شرطة للفارين والعابرين حتى تسلمهم الى «بلادهم» في اطار «احترام الاتفاقيات الامنية المشتركة والتعاون الثنائي بين الاصدقاء والاشقاء العرب والمسلمين؟ إن البعض من الذين استباحوا ساحتنا الثقافية يرفض ولو توزيع المصاحف من الطبعات الاخرى على أراضيهم حرصا على وحدة مواطنيها في منهج القراءة والترتيل والتجويد والتفكير، وإنني لأحترم فيها ذلك وأكبره لأنها تعمل على خدمة مصلحة رعيّتها، في المقابل لا يتجرأ أحدنا على توزيع الكتب حول الثورة التونسية والديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني لديهم، ثم لماذا يتم الحرص على توزيع الكتب التي تدعو الى التفرقة والصدّام؟ ألم نستفد من درس سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ومعاوية رضي الله عنه؟ أم أن ذاكرتنا لم تعد تحتفظ بالفتنة الكبرى والخوارج والدماء التي سالت على المصاحف دون أدنى احترام للحرم المكي وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم ومقابر المبشرين بالجنة والشهداء وأمهات المؤمنين؟ اما الذين جنّدوا أنفسهم للمد المذهبي والطائفي بمختلف انواعه فلماذا لا يتخذون من العواصم الأوروبية وأدغال افريقيا هدفا لدعوتهم؟ فأولئك قد يكونون «كفارا» حقا وهدايتهم واجبة، فما هو عنصر الطرافة والإضافة في ان يكون الانسان مالكيا ليعتنق مذهبا آخر على يد هؤلاء الدعاة؟ فهو في النهاية لن يخرج عن نطاق الشهادتين ولا اعتبر ذلك إلا زرعا للفتنة في مجتمع منسجم يريد ان يداوي جراحه من عقود الظلم والتغريب والاستبداد ! إن على بعض الجهات ان تحترم آداب الضيافة لا ان تسعى الى تقسيمنا الى سنة وشيعة وسلفية وقاعدة، وهي تقسيمات لا تجلب لنا إلا الخراب والدمار. والتجربة العراقية واللبنانية والفلسطينية شاهدة على ذلك، فليس شرفا ان يتم استغلال فراغات الثورة والشباب الغرّ المندفع لخدمة بلاده لتوجهه لخدمة ترتيباتها السياسية القصيرة والطويلة ولو كان الثمن التضحية بمصالح بلاده وتحويلهم الى اعوان يعملون لفائدة الغير ومصارعين إن لزم الأمر. لذا فإن على كل وطني غيور على بلاده وعلى الأحزاب والجمعيات ان تنتبه وعلى الدولة أن تنبه من لا يريد ان ينتبه كما انه على وزارة الثقافة ألا تبخل على تمويل الانشطة والعروض الهادفة لمختلف الجمعيات الثقافية وذلك بالتقليص من الاجراءات البيروقراطية والعلاقات الزبونية الموروثة حتى لا يضطر شبابنا ومثقفونا الى التهافت على أبواب الغير الذي يعمل على خدمة سياسته ومصالحه قبل ثقافتنا ورجالاتها، بل إن حنين العودة واغتصاب الحرية والارض يبدو أنه مازال يراود البعض وانصارهم «الوطنيين» !؟