التصريحات المفرطة في التفاؤل التي اطلقها الرئيس الامريكي جورج بوش بشان امله الواسع في امكانية تحقيق السلام في الشرق الاوسط خلال الاشهر المتبقية من ولايته الرئاسية لا يبدو انها تستند الى الواقع في شيء او انها ترتكز على تحركات او جهود ديبلوماسية مثمرة بل هي تصريحات لا تلتقي في اهدافها وابعادها بغيرتلك التصريحات المتكررة على لسان وزيرة خارجيته غونداليزا رايس التي انفردت في الاشتراك معه في هذا التفاؤل خلال مهمتها الجديدة الى المنطقة... وقد لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بان مثل تلك التصريحات لم يعد حتى بالامكان تصينفها ضمن الاستهلاك الاعلامي بعد ان فقدت كل تاثير لها في تلك الاوساط وتحولت الى مجرد خطاب خشبي لاستبلاه العقول والضحك عليها والاستخفاف بخطورة الوضع الى درجة تسويق الحلول الوهمية والترويج لها. اسباب كثيرة لا تخلو من مؤشرات مفضوحة من شانها ان تؤكد مجددا غياب ارادة امريكية صادقة او رغبة فعلية في الاستفادة من اخطاء الماضي والعودة بالعملية السلمية الى الطريق الصحيح بما يمكن ان يزيل او على الاقل يقلل من حجم الشكوك المحيطة بنوايا ادارة الرئيس الامريكي خلال الاشهر المعدودة المتبقية امامها في البيت الابيض امام براعتها في التضليل واضاعة الفرص المتاحة لتاكيد التزامها بالمسيرة السلمية وتجنيب شعوب المنطقة المزيد من الويلات والماسي. لقد تناسى الرئيس الامريكي في خضم انسياقه وراء تفاؤله المفرط احدى الحقائق الواضحة وهي انه لم يسبق لايّة حكومة اسرائيلية على مدى ستة عقود ان قبلت بالالتزام بتعهداتها او قبلت بتقديم أي نوع من الاستحقاقات او التنازلات لادارة تستعد للرحيل ومن هذا المنطلق فان كل ما يمكن لحكومة اولمرت تقديمه خلال الوقت المتبقي هوالاستمرار في الرهان على عامل الوقت ومواصلة سياسة الابتزاز وفرض الامر الواقع في انتظار الانتخابات الامريكية المقبلة . وبرغم كل المخططات الامريكية في العراق وافغانستان ولبنان فقد ظلت تصريحات الرئيس الامريكي ووعوده المتكررة بشان تاييده اقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا الى جنب مع اسرائيل حتى وقت قريب مصدر امل متجدد لدى عديد الاوساط الشعبية والرسمية في العالم العربي والاسلامي بامكانية احياء العملية السلمية قبل ان تكشف الوقائع الميدانية والاصرار على التاييد المطلق للسياسة الاسرائيلية ان تلك الوعود لم تعد اكثر من مسكن تلجا اليه الادارة الامريكية في كل مرة لتخدير الاوجاع ومواصلة سياسة الهروب الى الامام . وقد جاءت محرقة غزة لتعصف باخر خيط امل مرتبط بالمهمة الجديدة لوزيرة الخارجية الامريكية الى المنطقة تلك المهمة الصعبة ان لم تكن مستحيلة بعد ان كشفت المسؤولة الامريكية بان ما لديها من اوراق واقتراحات لا يمكن باي حال من الاحوال ان يعكس موقفا سياسيا متوازنا يدعو الى تفعيل الشرعية الدولية او يحمل اسرائيل مسؤولياتها ازاء خروقاتها وانتهاكاتها المستمرة. طبعا لا احد كان يتوقع ان تتوقف المسؤولة الامريكية لمعاينة ما حل بغزة من خراب او دمار ومن خسائر بشرية ولكن ان تعود رايس لتحمل راية الدفاع عن اسرائيل وخياراتها الكارثية في المنطقة فذلك من شانه ان يعكس قصر نظر الادارة الامريكية وعجزها ايضا. وكما ان عودة رايس الى المنطقة هذه المرة سبقها ضوء امريكي اخضر لتنفيذ عملية غزة وجهد مبذول لاجهاض محاولة ادانة اسرائيل في مجلس الامن الدولي فقد اعقبها حرص واضح من جانب المسؤولة الامريكية على تبرير الهجمة الاسرائيلية الشرسة وتسويقها للراي العام الدولي كدفاع مشروع عن النفس بما يرجح ان ما نشرته مجلة" فانيتي فاير" بشان خطة سرية اعتمدها الرئيس بوش ودعمتها وزيرة خارجيته لاثارة حرب اهلية فلسطينية لم يكن مجرد اجتهادات لا ترتبط بالواقع... الحقيقة ان اصحاب القرار في واشنطن اكثر من يدرك ان الطريق الوحيد لتحقيق السلام انما يقتضي اولا واخيرا توفر شروط النزاهة والموضوعية والعدالة في دور الوساطة الذي تنفرد به الادارة الامريكية في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وفي انتظار ان تتوفر تلك الشروط فان الفشل سيظل ملازما لجولات وزيرة الخارجية الامريكية التي ربما كان يتعين عليها الغاء هذه الجولة او تاجيلها الى موعد لاحق تكون فيه اكثر استعدادا لمواجهة الحقائق...