- في خاتمة الجزء الأول من مقاله قال الكاتب إن بدايات الربيع العربي انطلقت عام 2006 عندما صعدت الى قيادة دولة فلسطين حركة حماس عبرصندوق الانتخاب فكان من نتائج ذلك النجاح ان قسمت فلسطين الى"دولتين: وفي الجزء الثاني من المقال يقول الكاتب : 'ودون العودة إلى الوقوف على الأطلال وندب الحظ اللذين انبنت عليهما كل الخطابات العربية بجميع ألوانها القومية والليبيرالية والدينية ذلك لأن العودة لم تعد مجدية إذ الأحداث غيرالأحداث والواقع غير الواقع بحكم بلوغ مخططات الغرب نقطة اللاعودة لتصبح واقعا فعليا بحكم ما آلت إليه أوضاع المنطقة العربية الدالة على قرب انقراض العرب كمشاركين في العالم المتقدم، تقدم طال كل أبعاد الحياة الإنسانية لدى الغرب، يتضح يوما بعد آخرأن ثمنه " أعراب" المنطقة الأمرالذي لم يخطر على بال المثقفين العرب الذين يقدمون أحيانا بالمفكرين الاستراتيجيين خصوصا هذه الأيام وبالرغم من إحساس البعض منهم بالهزيمة ومرارة التخلف فإنهم لا يتجاوزون في ذلك ردود الفعل محمولة في بعض خطاباتهم العقيمة منهجا ومضمونا وأن أكثرهم استنارة وتمدنا كما يقولون عن أنفسهم- لا يتجاوزون في تحليلاتهم استدعاء نظريات اجتماعية" سيكولوستاكية" وما تحتويه من مفاهيم ومصطلحات جوفاء بحكم استنفاد مضامينها من قبل مبدعيها بالغرب المبدع لمضامين ثقافية وحضارية قطعت منذ قرون مع ما نريد نحن العرب المحافظة عليه لا بل العودة إلى أصوله وأسسه المنهجية والمعرفية القديمة وشعارنا ضمنا أوصراحة "الاقتداء بالسلف" لكونه صالحا لكل زمان ومكان دون أي اعتبارلمعنى قانون التطورالجارف الذي يشمل كل أبعاد الإنسان المادية والفكرية وبالتالي القيمية وهي اشكاليات أوهمتنا العديد من جامعاتنا ومدارسنا بتدريسها لناشئتنا بهدف تكوينها تكوينا علميا وعقلانيا سرعان ما يتم التخلي عنه تحت ضربات مطرقة التفسيرالديني لكل ما كان الطالب أوالتلميذ قد دوّنه في دفاتره لحظة كان يستمع لأستاذ مادة الفيزياء أومادة العلوم الطبيعية بالقاعة المجاورة وأحيانا بنفس القاعة ذلك لأن أستاذ مادة التربية الدينية أكثر قربا من وجدان الطلبة والتلاميذ بحكم السيطرة شبه الكلية على وعي الجميع، وعي تضرب جذوره في الوعي الجمعي الساذج والبريء للعامة شبه الأمية ولكنه يتخذ كآلية للتحكم من قبل الدولة التي جعلت من ذاك الوعي المشارإليه أعلاه يرتقي إلى مؤسسة دستورية بها تحكم رعاياها الطييعي الانقياد لها بما هم به مؤمنون والذي يعاد صنعه يوميا عبرطقوس العبادة ومأسسة سلوكيات الشعائرالدينية أهمها الأعياد الدينية والحج إلى الأراضي المقدسة في وعي المؤمنين والتي لاشبيه لأشكال تدنيسها من قبل سلطة الدولة ممثلة في إبداعات الحكومات المتتالية بنفس الإيقاعات التي تداربها المسرحيات البهلوانية وخصوصا في بعض المناسبات التي يقال عنها وطنية مثل أعياد التحررمن المستعمر،أعياد ظل يتغنى بها أبطالها عقودا وعقودا يمنون فيها على رعاياهم ما وفروه لهم من كرامة وحرية وتقدم في الطبابة والتعليم؛ خطابات انتهت بموت العديد من الرعايا جوعا ومرضا يحاول البعض منهم الفرارمنه ولوكلفهم ذلك أرواحهم غرقا وهم يعبرون إلى الضفة الشمالية للمتوسط بحثا عن وطن بديل بعد أن تبخر في مخيلتهم ووجدانهم الوطن الأصل الذي ضحى في سبيله أباؤهم وأجدادهم." غيرأن هذا الوطن البديل والمنشود من قبل معظم هؤلاء الرعايا فهو علاوة على عدم احتضانه للمهاجرين إليه بدأ يشجعهم على العودة سيما وأنه شرع في وضع البنية الأساسية البديلة في أوطانهم لنمط اجتماعي يؤمّن لهم ما يبحثون عنه بالغرب مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كما لوكان الموت غرقا بالمتوسط كان في سبيل هذه القيم الجميلة لا الفقروخواء البطون وغيرها من الأوضاع المزرية التي كان من أسبابها الغرب الحروالديمقراطي نفسه. لذلك يبدوأن يقظة الضمير لديه وشعوره بمسؤوليته التاريخية التي بدأت منذ زمن طويل قد تكون بدايتها منذ أن أحرقت روما القديمة قرطاج. وبذلك يتحتم علينا مجانبة نظرية المؤامرة التي يردّدها البعض من سكان الجنوب-وأنا منهم- لكون المسألة تتعلق بشأن ضميري ووجداني عميق فاض عن عقل الغرب الفعال بأن أعاد توطين المهاجرين السياسيين إلى بلدانهم الأصلية بعد ان أنتج لهم ربيعا عربيا ليس لأشجاره واعشابه من أوراق ولا براعم ولا زهورغير تلك القيم المشارإليها سابقا (الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومدنية المجتمع....إلخ ) يسهرعلى تجذيرها كوعي اجتماعي أمراء وشيوخ من خطباء وأيمة إيذانا بإعادة إحياء نظام الخلافة الذي يقتضي أول ما يقتضي تفكيك الدولة الوطنية فعليا لصالح الأمة-الخلافة الممتدة في وعي المؤمن بها من الشيشان إلى نواق الشط . وفي هذا الإطار السياسي المخطط له منذ مدة وفي غفلة تامة من الجميع تتنزل إعادة قراءة هزائم العرب جميعها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي اعتبرت في الخطاب السياسي العلني بأنها قضية العرب المركزية الأمرالذي تكذبه الأحداث التي تعيشها المنطقة هذه الأيام إذ لم تكن للعرب مشكلة مع دولة إسرائيل منذ تشكلها وما كل الحروب التي خاضتها الأنظمة الرسمية مع اسرائيل سوى بعض المناوشات المراد منها كسب أشكال من المجد للقادة السياسيين بها كانوا يبررون استمرارهم في السلطة لقيادة رعاياهم. وقد بينت الخلافات المستجدة طيلة الفترة ما بعد سايكس بيكون بين القادة العرب هي المشكل الحقيقي والفعلي لا بينهم وبين اسرائيل التي يشترون ودها ورضاها تحت الطاولة بهدف بقائهم في السلطة، تلك الطاولة التي صعد فوقها العرب بعد أن اتضح بالكاشف أنه لم يعد لهم ما يخفونه وما يخشونه بعد زيارة السادات للقدس وما نتج عنها من اتفاقية "كامب ديفد" مرفودة بإتفاقية "وادي عربة" واتفاقية "أوسلو" وغيرها من الاتفاقيات التي لم تقبلها اسرائيل لا بسبب شططها بل لكونها محتوية على بعض الطلبات السخيفة والساذجة التي لم تفهم منها اسرائيل سوى استعداد أصحابها للمزيد من التنازل والانبطاحية كمحاورين لها من العرب الذين كثيرا ما كانوا سماسرة لحساباتهم الشخصية يكتفي البعض منهم بشيء من الكارزما الجوفاء يتم تسويقها عبرالإعلام وحضور بعض الاجتماعات الدولية مثل" أنيابوليس"حول القضية العربية التي تم التفريط فيها بمثل هذا الأسلوب في التعاطي معها منذ زمان. وأختم بما قد يبدو للبعض أن ما جاءت به كلماتي أمرا مزدريا للاتكاء على فكرة المؤامرة التي يراد بها إخفاء هزائمنا الذاتية وعدم تحمل مسؤولياتنا التاريخية. لكني أقول لهذا البعض أن المؤامرة أوالفعل التآمري بالأصح هو نتاج دراسات وتخطيطات توظف فيها منظومة من العلوم يتم تمرير مضامينها عبر الرأي العام من خلال قنوات عدة أهمها أساليب بيداغوجية وخصوصا عبر التربية والتعليم وقنوات الثقافة والفنون بما يوصل إلى المسك بالوعي العام أو(الضمير الجمعي) المستهدف أفراده بالانقياد والتبعية لواضعي المؤامرة في الوقت الذي يرفع فيه المستهدفون شعارات المجد والرجولة الجوفاء تطبيقا لما به هم مستهدفون دون وعي بهزيمتهم التاريخية التي انتهت اليوم إلى تقسيم أوطانهم على مستوى الوعي قبل الجغرافيا ثم بيعها مقابل العودة إلى مجد الخلافة الإسلامية لدى البعض ومقابل الحرية والديمقراطية والمدنية لدى الآخر. فهل هذا ما تريده الشعوب يا حضرة المثقفين؟ أستاذ مختص في الفلسفة السياسية والدراسات الاجتماعية