تعود الأزمة السياسية داخل الائتلاف الحاكم إلى السطح لتؤكد من جديد على هشاشة العلاقة الثلاثية بين الأحزاب الحاكمة. ولئن فوجئ عدد من المتابعين بالخطوة الموقف التي صدرت عن التكتل وتهديده بالانسحاب من الائتلاف الحاكم فان البعض الآخر اعتبر ان هذه الخطوة مراوغة سياسية لتحسين شروط التفاوض بينه وبين بقية شركائه سيما حركة النهضة التي تشبثت بابقاء الحقائب السيادية "على ذمتها". وقد صرح الناطق الرسمى باسم حزب التكتل محمد بالنور ل"الصباح" ان الحزب لم يلحظ أي تغيير في موقف حركة النهضة في ما يخص التحوير بل انها سعت جاهدة الى الهروب الى الامام من خلال تصريحات مسؤوليها بان حقائب الحركة لا تهم إلا النهضة في وقت عبرنا فيه نحن على ضرورة الانفتاح على بقية مكونات المشهد السياسي." وبخصوص الموقف النهائي للحزب بين بنور ان اجتماع المكتب السياسي جاء بعد مشاورات داخلية واستجابة للمصلحة العليا للوطن، على حد قوله. وعن أسباب طرح مسألة الانسحاب في هذه اللحظة التاريخية بالذات أي في الوقت الذي يستعد فيه المجلس التأسيسي للبدء في نقاش الدستور و الذي دعا فيه رئيس الجمهورية منصف المرزوقي و الاتحاد العام التونسي للشغل الى الحوار الوطني بيّن بنور " ان التكتل يسعى من خلال التحوير الوزارى المرتقب الى طمأنة الراى العام وفتح صفحة جديدة فى هذه المرحلة الحاسمة قبل اجراء الانتخابات المقبلة." و دعا الناطق الرسمي باسم التكتل الى ضرورة ان يكون التحوير في مستوى التطلعات حتى يكون دافعا للعمل الحكومي اساسا واولى لبنات حكومة الوحدة الوطنية. وفي اول ردود الافعال عن إعلان التكتل نيته في الانسحاب من الائتلاف الحاكم قلل رئيس الحكومة حمادي الجبالي خلال حضوره لافتتاح اشغال المؤتمر 15 لاتحاد الاعراف من اهمية الخبر حيث اعتبر ان الامر غير محسوم بشكل نهائي وان الشركاء السياسيين بصدد النقاش." كما اكد الجبالي في تصريح له على هامش اشغال المؤتمر "انه كان على علم مسبق بنية الانسحاب مؤكدا في هذا الاطار انه من اسس الديمقراطية احترام آراء الشركاء السياسيين و لكن المشاورات مازلت قائمة ." مناورة سياسية وفي تحليله لموقف حزب التكتل اعتبر عضو مجلس الشورى رياض الشعيبي ان هذا التصريح "يأتي في اطار الاجواء السابقة للتحوير الوزاري وذلك قصد تحقيق مزيد من المكاسب السياسية لكن المطلوب في هذا الظرف هو ان تتحمل اطراف الترويكا مسؤوليتها من خلال عملية التحوير ويكون لها استعداد بان تقبل التغييرات التي قد تشمل ممثليها داخل الحكومة. واضاف الشعيبي ان التكتل لن ينسحب من التشكيلة الحكومية وان ما يحدث هو "مناورة سياسية بالاساس". جدية الطرح ومن جهته بيّن عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية والشريك الثاني في الائتلاف طارق الكحلاوي انه من الضروري"أخذ تصريحات الاخوة بالتكتل بالجدية خاصة وانهم لمحوا لذلك ضمن الاجتماعات الخاصة بالتنسيقية العليا للترويكا". واعتبر الكحلاوي ان ما صرح به التكتل متوقع اذا لم تنجح المفاوضات حول التحوير الوزاري في التوصل الى نتيجة لان اساس التحالف قائم على اسس التحوير الجدي وتوسيع الحكومة. وذكّر الكحلاوي بموقف حزب المؤتمر الذي كان قد هدد بدوره بالانسحاب من الائتلاف الحاكم في وقت سابق. التحالفات الجديدة وفي واقع الامر فقد عرف الائتلاف الحاكم العديد من الهزات بين الشركاء السياسيين وهو ما جعل كل حزب يبحث عن تموقع جديد ضمن الخارطة السياسية من خلال البحث عن شركاء جدد لضمان موقع له في المرحلة السياسية القادمة و هو أمر عجّل بمزيد تعميق التقاش مع أحزاب أخرى في محاولة لاعادة توزيع لأوراق التحالفات وذلك انطلاقا من قاعدة أنه لا عدو دائم ولا صديق دائم. و يبدو متوقعا أن بعض الأحزاب قد تستفيد من الخريطة السياسية التي هي بصدد التشكل حاليا فقد علمنا ان نقاشات جادة تجمع بين طرف من الائتلاف الحاكم وعدد من الاحزاب الناشئة على غرار الاتحاد الوطني الحر وعدد من الكتل النيابية بالمجلس الوطني التاسيسي. فقد صرح رئيس كتلة الحرية والكرامة لاذاعة "موزاييك " أن الترويكا الحاكمة اقترحت على كتلته حقيبتين وزاريتين تتعلقان بالبيئة وبتكنولوجيات المعلومات والاتصال إضافة إلى منصب مستشار في وزارة العدل برتبة وزير. فهل تكون هذه البدائل حقيقية ام ان في الأمر "مناورة"؟