- سؤال: هل تقدّمت البلدان المتقدّمة نتيجة قوانين ومنظومات متقدّمة، أم تقدّمت ثمّ طوّرت وتبنّت قوانين ومنظومات متقدّمة؟ مَثَلُ سنغافورة: إستقلّت من بريطانيا سنة 1963، وانشقّت عن ماليزيا سنة 1965. إلتحقت بركب البلدان المتقدّمة سنة 1982 أو 83. عدد السّكان 5 ملايين. تتمتّع سنغافورة بثالث أعلى دخل فردي في العالم. هذا بلد خرج من الفقر والتّخلّف في أقلّ من 20 سنة. أي أنّ النّهوض الإقتصاديّ لا يتطلّب العقود والقرون الّتي نتوهّمها ونتحدّث عنها. نتيجة هذا الإعتقاد الخاطئ، المُضِلّ، ننادي بالتّأنّي، والتّدرّج، والتّحفّظ، والإحتياط والحذر... وبالرّكود وعدم السّعي في الإصلاح. هو تبرير لتخاذلنا وعجزنا... وقلّة حيلتنا. هو خذل لطموحاتنا، وتدمير لهممنا، وغلق للآفاق. المسألة بسيطة: علينا أن ننظر للبلدان النّاجحة وننسِخ قوانينها ومنظوماتها. بدون استثناء، هذه المناويل والمنظومات تعتمد على الحرّيّة، والتّعدّديّة، والتّنافسيّة والشّفافيّة السّياسيّة والإقتصاديّة. تمتاز أيضا ببِنَى تحتيّة جيّدة وخدمات عموميّة ممتازة. أي الدّولة، والإدارة، والهياكل والمؤسّسات العموميّة، والقوانين، والإجراءات، والتّراتيب في خدمة المواطن والإقتصاد، وليست ضدّه، أو موظَّفةً للعرقلة، والرّقابة، والإبتزاز. لن نصلح إقتصادنا، ونرفع نموّنا، ونحلّ مشاكلنا الإقتصاديّة، ونحسّن مستوى عيشنا، بدون إصلاحات عديدة وجذريّة لعقليّتنا، أوّلا، ولاقتصادنا، ثانيا، إذ أنّه لا يمكن الإصلاح، إذا لم يقتنع الرّأي العامّ بذلك، ويدعمه. حلّ مشكل البطالة لوحده غير ممكن، بدون حلّ المشاكل الإقتصاديّة الأخرى؛ وبدون تغيير جذريّ لنظامنا الإقتصاديّ، من خلال تحريره وفتح الأسواق، بما في ذلك سوق الشّغل؛ وبدون مراجعة شاملة، جريئة لقوانيننا ولمهامّ الدّولة ودورها فى الإقتصاد والحياة العامّة. أكثر من ذلك وأمرّ! التّشغيل، محو البطالة، ورفع الأجور هي نتيجة الإصلاحات؛ أي لا تأتي في الأوّل، أو فورا، بل في الآخر، بعد إنجاز الإصلاحات وإعطائها مهلة لتحصيل نتائجها: رفع التّنافسيّة، زيادة الإنتاج، تحسين الرّبحيّة، تزايد الإستثمار، التّشغيل، تقلّص البطالة، ترفيع المداخيل. طبيعة النّظام، تعقيد القوانين والإجراءات، كثافة البيروقراطيّة، رداءة الخدمات العموميّة، تفشّي الرّشوة والفساد، عرقلة الإدارة، نقص الحرّيّة الإقتصاديّة، تدخّل الدّولة الضّارّ في الإقتصاد وفي الأسواق، هيمنة وسيطرة الدّولة والإدارة على الإقتصاد، إحتكار الدّولة لعديد القطاعات، خسائر وعجز الشّركات العموميّة، و... و... - كلّ هذا يدلّ على أنّ المشكل هو المنظومة الإقتصاديّة، والقانونيّة، والإداريّة، والجبائيّة. بالتّالي، الدّولة هي المشكل الّذي يجب حلّه والعقبة الّتي يجب إزالتها؛ ليست الحلّ ولا تقدر على تقديم الحلّ، ما عدا إزالة العراقيل، تحسين الخدمات العموميّة، خصخصة الإقتصاد، وتفعيل القطاع الخاصّ. أي، على الدّولة أن تتوقّف عن محاولة تقديم الحلّ والإدعاء أنّ الحلّ بيدها، أو أنّها قادرة على ذلك، وتترك من بيده الحلّ (الشّعب والقطاع الخاصّ) يقوم بدوره ويحقّق أقصى قدراته. المطلوب هو مدّ الثّورة إلى المجال الإقتصاديّ والإجتماعيّ والتّشريعيّ، والتّخلّص من الوهم أنّها تنحصر في مجال السّياسة والدّستور. الإصلاح السّياسيّ، وحرّيّة التّعبير، والتّعدّديّة السّياسيّة والحزبيّة، ليست هدفا في حدّ ذاتها، ولا نهاية المطاف. هي المرحلة الأولى، السّهلة، في طريق الإصلاح الحقيقيّ، الّذي من أجله ثار المحرومون والمهمّشون، والّذي يلبّي طلباتهم ألا وهو الإصلاح والنّهوض الإقتصاديّ. لا ثورة، ولا خروج من المأزق، ولا إقلاعا إقتصاديّا، ولا رفعا للرّأس بين الأمم، بدون مراجعة شاملة وتغيير جذريّ، في كلّ المجالات. المحافظة على القديم، والخوف من التّغيير، وعرقلة الإصلاح، مع حلّ المشاكل والخروج من المأزق وتوفير الشّغل والعيش الكريم ضلال وتضليل، غشّ وسذاجة، وأوهام وجهل. سنّة الحياة أنّه لا تتطوّر بدون تغيير، بدون تعويض الرّديء بالحَسَن، والحَسَن بالأحسن. توقُّفُك وتراجعك لن يمنعا الرّكب من مواصلة سيره ومن الأحداث أن تتعدّاك. لا تلومنّ إلا نفسك. خلّ عنك من خرافات المؤامرات؛ ومن أوهام النّقص والعجز؛ ومن مغالطات عبقريّة ثورتنا، واستثناء خصوصيّاتنا، وكآبة حالنا وقدَرنا؛ ومن أعذار التّأخير والتّأجيل وقلّة الحيلة؛ ومن المماطلة والتّلاعب. وشمّر على ساعد الجدّ والعمل، إذ لا تبني البلدان إلاّ شعوبها لا دولها. الدّول توفّر الظّروف المناسبة، والشّعب يطالب بها، ويبني. الجواب على السّؤال، حسب اعتقادي، هو: تقدّمت البلدان المتقدّمة نتيجة قوانين ومنظومات متقدّمة؛ لم يكن هذا التّقدّم دفعة واحدة، لكن على مراحل، مع تحسين مطّرد، حسب الحاجة والتّطوّرات. لكن في كلّ الحالات، كان الإصلاح والتّحرّر أساس التّقدّم والتّطوّر. أمّا بالنّسبة لنا، فإنه بإمكاننا، على غرار سنغافورة، الإنتفاع بتجربة وسبقِ البلدان المتقدّمة، والتّقدّم، في مرحلة واحدة، في أقلّ من جيل، أي 20 أو 25 سنة. رجل أعمال مقيم بالخارج