لا تزال مسألة التحوير الوزاري تلقي بظلالها على المشهد السياسي في البلاد وقد بدا واضحا ان اكثر من معيق يحول دون التقدم في هذا الاتجاه. ولئن بدا واضحا موقف المؤتمر وحركة وفاء من مسألة التحوير المطالبتين بالتواجد بقوة ضمن التشكيلة الحكومية المنتظرة، فإن مواقف التكتل أخذت منحى "ثوريا" من خلال التهديد بالانسحاب وهو ما اربك الائتلاف الحاكم بشكل واضح. وإضافة الى ان اسئلة كثيرة تحوم حول موقف النهضة الذي بدا فيه شيء من الغموض ومن التشدد احيانا فإن كثيرا من المؤشرات تبين ان رئيس الحكومة حمادي الجبالي غير راض على تهميش دوره في التحوير على اعتبار ان نقاش هذا الامر يبقى من اختصاص رئيس الحكومة بدرجة اولى في حين ان كلمة الفصل هذه المرة كانت من طرف اعضاء مجلس الشورى التابع للحركة. وهو ما يحيلنا الى طرق باب التأويل بالقول أنه قد تكون هناك مساعي لشل وجود الجبالي وتحجيم دوره في مؤسسات الدولة، بعد ان بات التحوير خاضعا بدرجة كبيرة الى منهج حسابات وأجندات انتخابية خاصة بحزبه. اما الاشكالية الاخرى التي يبدو انها قد تعطل التحوير فهي مصير الوزراء المغادرين للحكومة اذ يبدو ان هناك بعض التخوف من ان يلتحق المنسحبون لاسيما المستقيلون الى جبهة المعارضة لان اقالتهم في هذا الظرف تاتي وكانها عدم رضى عن ادائهم او تتنزل ضمن باب العقوبة لفشلهم في اداء مهامهم الحكومية اضافة الى ما قد يتهدد بعضهم وهم خارج الحكومة من قضايا قد ترفع ضدهم خاصة وان كثيرين ينسبون اليهم بعض التجاوزات. وامام كل هذا يبدو الجبالي في وضع العاجز عن امساك كل الخيوط فهو داخل الحركة يجد معارضة شديدة فيما تلقى مبادرته بالانفتاح على القوى الاخرى العرقلة من قبل متشددي حزبه. بين المنزلتين نقطة اخرى طغت على سطح الاحداث في الآونة الاخيرة حيث كثر الحديث عن احداث منصب "بين المنزلتين" اي منصب قد يسهم بشكل مباشر في تحييد دور حمادي الجبالي داخل الحكومة مقابل سيطرة صاحب المنصب الجديد على كل خيوط اللعبة السياسية بها. فقد تناقلت الساحة السياسية وجود نية لتعيين وزير الفلاحة محمد بن سالم منسقا عاما للحكومة يتمثل دوره في التنسيق بين الوزراء ومتابعة أعمالهم وهي خطة موازية لدور رئيس الحكومة الذي لن يبقى له سوى التشريفات والإمضاءات وهو ما يمثل انقلابا جديدا على القانون المنظم للسلط العمومية . غير ان السؤال المطروح بعد هذا التحول في مستوى الطرح الحكومي الجديد هو هل ستتخلى الحكومة عن دور الكاتب العام للحكومة؟ ويرى العديد من المحللين أن احداث هذه الخطة وإدراجها حكوميا قد يغير من موقف النهضة تجاه الحقائب السيادية بمعنى ان النهضة قد تتنازل عن الخارجية والعدل لفائدة شريكيها في الائتلاف الحاكم مقابل قبولها بإدراج "منسق عام للحكومة". ومن ابرز التساؤلات المطروحة حاليا هي أسباب ادراج النهضة لهذه الخطة واسنادها الى محمد بن سالم بالذات خاصة ان الرجل محسوب على الجناح المتصلب بالحركة في وقت كان من المفترض على الاقل ان يتم طرح اسم شخصية مشهود لها بالمرونة في التعامل مع بقية المكونات ولم لا شخصية نهضاوية لم تتحمل حقيبة وزارية بحكومة الجبالي اصلا. ◗ خليل الحناشي ++++++++++++++++ لجلب الاستثمار ومكافحة تبييض الأموال ضرورة إقرار القوة التنفيذية للحجة العادلة.. وتنظيم مهنة عدول الإشهاد في الظاهر لا يبدو هناك أي علاقة بين عدول الإشهاد وجلب الإستثمار إلى تونس ومكافحة تبييض الأموال فقد نكون إزاء عالمين متوازيين، لكن يبدو أن هناك علاقة قوية بين المجالين وهو ما تم إثباته خلال الملتقى الجهوي الرابع للغرفة الجهوية لعدول الإشهاد بتونس الذي انتظم أمس تحت عنوان " ضمانات الحجة العادلة ودورها في جلب الاستثمارات ومكافحة تبييض الأموال" فأي علاقة بينهما ؟ يمكن لمهنة عدالة الإشهاد أن تقوم بعدة أدوار في عدة مجالات إقتصادية واجتماعية وقانونية، فيمكن للحجة العادلة أن يكون لها دور " في جلب الاستثمارات ومقاومة تبييض الأموال " على حد قول الأستاذ إدريس المحيرصي رئيس الغرفة الجهوية لعدول الإشهاد بتونس في مداخلة جاءت تحت عنوان " ضرورة إصلاح وتطوير مهنة عدالة الإشهاد طبقا للمعايير الدولية". فجلب الاستثمارات يستوجب توفر عدة معطيات أمنية وإقتصادية وإجتماعية وخاصة إصلاحات تشريعية منها إصلاح مهنة عدالة الإشهاد "وإسناد القوة التنفيذية للحجة العادلة وهو الذي ينقصها حاليا ويعيقها على القيام بمهامها باعتبار أن القوة الثبوتية للحجة العادلة لا تكفي لوحدها لتنفيذ الالتزامات". وأوضح المحيرصي أن "القوة التنفيذية تنفيذ جبري للالتزامات دون اللجوء إلى القضاء على أن يصبح للحجة العادلة قوة الإحكام، فالمدين الذي يرتضي بدين أمام الموثق يكون قد رضي مسبقا بالتنفيذ ضده بمقتضى المحرر الذي يعتبره المشرع سندا تنفيذيا" إلا أن المشرع التونسي على خلاف أغلب التشريعات في العالم "لا يعتبر الكتب الرسمي سندا تنفيذيا كافيا بذاته وهو ما يتسبب في بطء كبير في استخلاص الديون وإثقال كاهل المواطن بمصاريف زائدة والتهرب من خلاص الدين ومضاعفة العبء على القضاء من خلال تكاثر القضايا وتراكمها وهذا ما أفقد الحجة العادلة الدور الذي يمكن أن تلعبه في جلب الإستثمارات الوطنية والخارجية" إطار قانوني متخلف تهميش هذه المهنة كما جاء على لسان المشاركين من متدخلين وحضور يعود إلى عدم تطويرها في غياب إرادة سياسية تدفع إلى مراجعة النصوص القانونية بالرغم من المطالبة بإصلاحات جذرية وقع تقديمها منذ أفريل 2010 وتدعمت بأخرى عاجلة ومستقبلية انتهت بتقديم مشروع قانون منظم لمهنة عدول الإشهاد بتاريخ 3 ماي 2011 مازال موضوع نقاش مع وزارة العدل ذلك أن قانون 23 ماي 1994 "لم يعد مواكبا لتطلعات عدول الإشهاد وكافة المتدخلين في المجال القانوني نظرا للحركية والديناميكية غير المسبوقة التي تعرفها البلاد بعد الثورة خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وكذلك التطورات التي عرفها النظام العالمي الجديد" وذاك هو الفرق بين القيمة القانونية للحجة العادلة في تونس وبين دول أخرى على غرار فرنساوالجزائر حيث تم الإطلاع خلال الملتقى على هاتين التجربتين. استغراب في غياب الجدوى حسب التجربة الجزائرية فإن إسناد حجية القوة التنفيذية من شأنه أن يضمن إستقرار المعاملات، فدون هذا الإستقرار لا يمكن لا التشجيع ولا جلب الإستثمار الخارجي ولا الوطني" كما أكد ل"الصباح" كل من الأستاذة مليكة بن عامر رئيسة الغرفة الجهوية لموثقي الوسط في الجزائر والأستاذ بلعابد عبد الرحمان منسق موثقين بعاصمة الجزائر، أن "القوة التنفيذية للعقد تمكن من التنفيذ المباشر للحكام دون اللجوء إلى القضاء فهو كالحكم في الجزائر مكن من التقليل في المصاريف ومن ربح الوقت ومن سرعة تحرير العقد وإنهاء النزاعات وفضها لأنه في الجزائر يعتبر قاضي للصلح ويلعب دور الوساطة القضائية وهو إجراء قانوني معمول به في الجزائر منذ سنة 1988 وعدل سنة 2006" وأضافا أنه "لولا الحجة العادلة لما تمكنا من جلب الإستثمار الخارجي" في المقابل استغربا ضيفا تونس من طريقة عمل عدول الإشهاد بتونس من ذلك اعتماد شاهدين في تحرير العقود خطيا في سجلات وهي طريقة تقليدية تتناقض وتطورات العصر وانفتاح العالم على تكنولوجيات الإتصال الحديثة متسائلان عن الجدوى من هذه الطريقة في التوثيق" كما استغربا من "تعدد الأطراف المحررة للعقود باعتبارها آليات من آليات المضرة بالمهنة وسبيلا من سبل التهميش" هذه المسألة تناولها بطريقة أعمق الأستاذ نبيل بن اللطيف في مداخلة تحت عنوان "عدالة الإشهاد بين تعدد المنافسين واضمحلال الحقل العملي"، فالمنافسون أنواع منافسون عامون تابعون لأجهزة الدولة وهم حكام الناحية، ضباط الحالة المدنية، المحررون بإدارة الملكية العقارية وإدارة المواني والسفن، أما المنافسون الخواص الفاقدون للصبغة الرسمية على حد قوله فهم المحامون، المؤسسات البنكية والمالية، الكتاب العموميون، الخبراء، عدول التنفيذ. إثارة المسؤولية الجزائية هذه المنافسة كما أكد بن اللطيف تستوجب ضرورة المواجهة والحماية اقتداء بتشاريع المقارنة وتكون مواجهة المنافسين في إطار المنافسة الشرعية لضمان الجودة والإتقان وسرعة الإنجاز، "فالإرتقاء بالمهنة نحو الأفضل يحتم ضرورة خلق حوار بناء بين مختلف الهياكل المهنية ويستوجب اقرار جملة من المبادئ أولها إقرار مبدأ القوة التنفيذية للحجة العادلة وضرورة إفراد عدل الإشهاد ببعض العقود الخاصة مع إقرار حذف الثنائية في مباشرة المهنة والتي كان إقرارها مرتبط بظرفية تاريخية معينة مع المطالبة بضبط إطار قانوني أمثل لإثارة المسؤولية الجزائية لعدل الإشهاد أثناء مباشرة المهنة لأن الإطار الحالي يفقد الثقة لا فقط في العدل المتهم بل أكثر من ذلك فهو يزعزع الثقة في أجهزة الدولة وهو ما يؤثر سلبا في المسار الإقتصادي للبلاد ككل" من أهم محاور إصلاح القضاء ضرورة إصلاح مهنة عدالة الإشهاد كما أكد إدريس المحيرصي "نظرا للخدمات التي كانت ولازالت تقدمها للقضاء خاصة في مجال تخفيف العبء عن المحاكم والوقاية من حدوث النزاعات إضافة إلى توفير مناخ من الأمن القانوني بشكل يحفظ التوازن الإقتصادي والإجتماعي بين المتعاقدين لأجل ذلك يجب تجديد المنظومة التشريعية التونسية وتطويرها بشكل يتماشى مع المقاييس والمعايير الدولية"