تتلاحق الأعوام بسرعة مذهلة حتى لكأن العام لم يعد في حساب هذا العصر يساوي أكثر من بضعة أيام وما عاد إحساسنا بالوقت مثلما كان من قبل. ولكن ولئن كانت السرعة المذهلة التي تطوي الأيام طيا سببا من أسباب التوتر الذي يعانيه الإنسان اليوم فإن عزاءنا أن كل عام جديد يحمل معه كما من المواعيد التي ألفناها تماما مثلما نألف زائرا خفيف الظل ما نكاد نشتاق له حت يطل علينا من جديد. ومهرجان الجاز في قرطاج الذي تنظمه مؤسسة سكوب للإنتاج وتدعمه شركة تونيزيانا منذ انبعاثه صار من بين هذه المواعيد المألوفة. وكان من حسن الحظ أننا نواكب هذا المهرجان منذ اللقاء الصحفي الأول الذي تم خلاله الإعلان عن تظاهرة موسيقية جديدة في العاصمة تستجيب للذائقة الفنية وتسد شيئا من الفراغ الذي تعيشه العاصمة على المستوى الثقافي والتنشيطي خلال المواسم التي تقل فيها الأنشطة الثقافية. إذ أن البون شاسع بين ما تعيشه تونس من مهرجانات ومن حركية ثقافية عموما خلال فصل الصيف وبين ما تشهده بقية الفصول خاصة خلال الفترة الإنتقالية بين فصل وفصل آخرمن هدوء. ماذا يبحث كل شخص أو كل هيئة عادة عندما تقدم على مشروع ثقافي جديد موجه للجمهور ؟. أولا الجمهور الذي بدونه لا يستقيم أي مشروع ثم المادة التي تقترحها على هذا الجمهور. وجل من شهد ولادة مهرجان الجاز بقرطاج وقف عند مسألة الإقبال الجماهيري وعند جودة العروض حيث كانت بعض السهرات ليال مشهودة نشطتها آساطير حية في دنيا الجاز. لا بد من الإقرار أيضا أنه مع كل دورة جديدة يتدعم حضور هذه التظاهرة الموسيقية في أجندة جمهور مغرم بمختلف أصناف الموسيقى العالمية. لا ندري بالطبع إن كانت الريح الطيبة ستتواصل دائما. لننتظر دورة 2008 للمهرجان وثم نرى. لكن قبل ذلك قد يكون من المفيد نقل رسالة المنظمين إلى الجمهور رسالة يؤكد فيها السيد مراد المطهري صاحب مؤسسة سكوب وهو يعلن عن الدورة الجديدة للمهرجان الذي هو على الأبواب أن قرطاج أصبحت الفضاء الأقرب إلى موسيقى الجاز العريقة والأصيلة، الموسيقى التي تحسن التعبير عن الأوجاع دون أن تحرم الجمهور بمختلف أصنافه متعة تذوق الفن. موسيقى دائما متجددة ولا تعرف الحدود والربيع في قرطاج حسب رأيه لن يكون ربيعا بدون الجاز. مع وعود ببرمجة تجمع بين القيمة الفنية العالية وبين مختلف ألوان الجاز والموسيقى المتفرعة عنه. برمجة تجمع بين الجاز العتيق المحافظ على الطرق التقليدية في الآداء والجاز الذي خضع لروح العصر. إلخ... " كيف يكون الربيع ربيعا بدون الجاز " ؟ تنطلق إذن الدورة الرابعة لمهرجان الجاز في قرطاج يوم 10 أفريل وتتواصل إلى غاية 19 من نفس الشهر هذا فيما يخص السهرات بنزل " البارسيلو" بضاحية قمرت الذي تقام به أيضا نوادي الجاز أما قصر النجمة الزهراء بسيدي بوسعيد الذي يشارك في التظاهرة ويشجعها فيحتضن تظاهرة موازية يطلق عليها الجاز بطريقة أخرى تكون مفتوحة خاصة للمواهب المحلية. هناك طرف آخر نشيط في المهرجان الأمر يتعلق بالمعهد العالي للموسيقى بتونس الذي يحتضن ورشات العمل" الماستر كلاص ". وتقام كل هذه التظاهرات الموازية فيما بين 5 و26 أفريل القادم. هذا إضافة إلى المعارض ذات الصلة بهذه الموسيقى. هكذا لا يكون المهرجان مجرد سلسلة من السهرات الغنائية بل عبارة عن كرنفال مليئ بالألوان. من بين البلدان التي تشارك في المهرجان نجد على رأس القائمة الولاياتالمتحدة حيث هناك ولدت هذه الموسيقى في أوساط السود الذين كانوا وكما هو معروف يجدون فيها تنفسا ولحظة تمكنهم من الهروب من وضعهم كمستخدمين مستعبدين في حقول الأثرياء ثم ما فتئت أن انتشرت وصار الجاز ملكا مشاعا بين الناس بقطع النظر عن ألوانهم وأجناسهم وقومياتهم. وهكذا سيكون ضيوف المهرجان من عدة بلدان من القارة الأمريكية ومن القارة الأوروبية ومن افريقيا ومن تونس طبعا. وعلى ما يبدو فإن المشاركة التونسية لن تكون فقط من أجل تسجيل الحضور وذلك أولا لأن التونسيين يبرعون في هذه الموسيقى وهناك من بينهم من تخصص في موسيقى الجاز ونجح فيها بتونس والخارج وثانيا لأن مشاركة ظافر يوسف تبدو مثيرة لأن الرجل حقق انتشارا كبيرا خارج تونس بموسيقاه الروحية وهو الأمر الذي جعل لجنة التنظيم تعلن بافتخار عن العرض الخاص بهذا الفنان التونسي قبل أن تعلن حتى عن العروض العالمية. جمهور مهرجان الجاز في قرطاج لعلهم بدأوا العد التنازلي في انتظار ضربة البداية لدورة جديدة يقول عنها منظموها أنها واعدة لكن من بين ميزة هذا المهرجان أنه لا يحتفظ فقط بجمهوره وإنما يوسع أيضا قاعدته الجماهيرية مع كل كل دورة جديدة. هكذا عودنا على الأقل خلال دوراته الماضية.