الذكرى الثانية لثورة 25 يناير تحولت الى جحيم مفتوح بعد أن هانت مصر على حكامها الجدد الذين لم يستبقوا المخاطر ودفعوا بها الى حافة الهاوية. مصر الجريحة اليوم تبكي أبناءها، وشعبها يتساءل في حرقة عن مستقبل الاجيال الجديدة التي حلمت بالثورة وبنت قصورا من الأماني على وقعها وانتظرت أن تحمل لها الذكرى الثانية مزيدا من الامل وتحيي فيها ذلك الاحساس الجميل بقرب موعد الخلاص والانتصار والقطع نهائيا مع كل أسباب الاستبداد والظلم والفساد الذي ساد طويلا في البلاد ودفع بالكثيرين الى الاختيار بين البقاء والقبول بحياة القبور أو المنافي في انتظار زوال المصائب.. عندما دقت لحظات الحسم ساد اعتقاد بأن مصر كتونس باتت على موعد مع الحرية الممنوعة والديمقراطية المصادرة الا في خطابات السياسيين الغوغائية كلما آن أوان الردّ على التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية وإعلانهم رفض قبول الدروس من أيّ مصدر كان.. بالامس ولليوم الثالث على التوالي عاشت مصر من ميدان التحرير بالقاهرة الى الاسكندرية وبورسعيد أجواء قاتمة فالموت والخراب عندما يخيم على المكان لا يمكن الا أن يحمل معه كل مشاهد اليأس والبؤس والدمار في النفوس. طبعا سيكون من المبالغة والاجحاف تحميل حاكم مصر الجديد -أو من تصرّ المعارضة على وصفه بالفرعون الجديد- المسؤولية كاملة إزاء ما يحدث في مصر التي لم يفصل بين الثورة الشعبية التي عاشت على وقعها وبين الثورة في تونس غير أسبوعين لتثير بدورها أنظار العالم الذي وقف على ارادة شعبها واصراره على الحرية والعدالة والكرامة شأنه في ذلك شأن كل شعوب الارض التي اختارت هذا الطريق.. ولكن الواقع ايضا هو أن النظام الجديد في مصر الذي فرضته الشرعية الانتخابية في أول انتخابات حرة من نوعها لم يحرص على تجنب الأسوأ ولم يدرك تطلعات وطموحات جزء اساسي من المصريين الذين باتوا يرددون بأنهم تحولوا الى غرباء في وطنهم وان الراعي الجديد للامة الذي يفترض أنه راع لكل شعبه بمختلف انتماءاته الدينية والسياسية لم يتبين الخط الابيض من الخيط الاسود وتناسى ان نحو خمسين بالمائة من الناخبين لم يختاروه وأنه بالتالي، وبدل أن يستعيد ثقة ذلك الجزء من الناخبين ويتصرف على أنه حاكم لكل الشعب، فانه لم يجد الى ذلك سبيلا فكانت النتيجة غضب على غضب واحتقان على احتقان وأحكام في غير توقيتها منحت الفرصة إلى المتوثبين للإلقاء بعود الثقاب وتهيئة الاجواء للاقتتال وقد هانت عليهم دماء المصريين لتسيل هدرا في صراعات لم تعد خفية من أجل سلطة أذهبت العقول وأعمت البصر والبصيرة وباتت تهدّد مصر بفتنة لا مفرّ منها.. قبل يومين جلست هيلاري كلنتون لتقدم اعترافاتها أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الامريكي حول حادثة مقتل السفير الامريكي في بنغازي وذهبت كلينتون في اعترافاتها الى أن هناك في دول الربيع العربي حالة من الارتباك وأن غياب الامن زاد في خطر التطرف المسلح بالمنطقة قبل أن تؤكد وهذا الاهم وصول قادة الى السلطة ليس لهم الخبرة في ادارة شؤون الدولة واقرار الامن وتحقيق الديمقراطية وهو ما يعني أن تلك الصورة المشرقة التي حملتها الثورات العربية الى كل العالم عندما أرادت أن تنسف ما يروج خطأ بشأن تعارض الاسلام والديمقراطية وعدم تجانس طبائع الشعوب العربية مع القيم الانسانية بما في ذلك الحرية والديمقراطية بدأت تتلاشى وتتراجع ليسود بدلا منها الشك والريبة ازاء احتمالات تحوّل الثورات العربية الى ديمقراطيات حقيقية تقوم على القبول بالآخر وتؤمن بمبدإ التداول السلمي على السلطة وبأن الانتخابات تقليد أساسي في الديمقراطيات العريقة وليس طريقا للوصول الى السلطة فحسب. ستظل الذكرى الثانية في مصر عالقة في كل الاذهان ولن يمحوها سوى اعتراف بالاخطاء التي ارتكبت وصحوة ضمير يقرّ معها السلطان في مصر بأن الشعب وحده مصدر السيادة وصاحبها وأن الاعلان الدستوري الذي أقرّ له كل الصلاحيات المطلقة باطل وما بني عليه باطل وأن كل سلطة مطلقة ستكون مفسدة مطلقة إن آجلا أو عاجلا...