كما تونس فإن مصر بدورها، وفي الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، تبحث عن ثورتها وعن الشعارات التي رفعت رايتها عندما تحركت مطالبة باسقاط الظلم والفساد والاستبداد وتحقيق العدالة والحرية والكرامة. مصر ومنذ فترة ليست بالقصيرة تعيش كما عاشت تونس في الذكرى الثانية لثورة 14 جانفي قبل أسبوعين على وقع دعوات مفتوحة واستعدادات للمواجهة فرضت حالة استنفار قصوى في البلاد حتى أنه ليخيل لمتابع المشهد في هذا البلد وهو يستعد للموعد أن الساحة السياسية رهينة عود ثقاب سيحرق الاخضر واليابس في لحظات... سيذكر المصريون غداة الذكرى الثانية للثورة وبعد أن يتخلص الشارع المصري من كل الدعوات لإلغاء وسحق هذا الطرف أو ذاك وسقوط كل الدعوات الحاقدة وكل أصوات الفتنة، أن مصر سترفض السقوط في فخ الانقسامات وستسحب البساط من تحت أقدام كل المراهنين على الدفع بشعبها الى الحريق الذي يتطلع اليه الكثير من أصحاب العقول الضيقة ومروجي الفتاوى المهلكة على طريقة حاخامات اسرائيل المتطرفين ممن لا يتقنون غير لغة الشعوذة والسحر وتجميد العقول. كما تونس في الذكرى الثانية للثورة، فإن مصر بدورها تستقبل هذه الذكرى، ليس من دون مرارة وألم على الوقت المهدور والفرص الضائعة للمضي قدما باتجاه انجاح المرحلة الانتقالية وتحقيق المصالحة الوطنية المغيبة في أجندات وأولويات أصحاب السلطة الشرعية الجدد الذين شغلتهم لعبة المناصب على استباق الخطر القادم وتفادي الانقسام والتشتت الذي يزحف على المجتمع ليفرق صفوفه ويضعف موقفه في الداخل والخارج. وكما أجج موت البوعزيزي مشاعر الثائرين في تونس فإن مقتل خالد سعيد بدوره أدخل مصر في منعرج جديد ودفع بها الى طريق اللاعودة في التخلص من قبضة الدكتاتورية وسرعان ما وجدت شعارات الحرية والعدالة والكرامة التي رفعها شباب تونس المنتفض على الظلم طريقها الى مصر، ليستمر التواصل عبر الفايسبوك وامتداد لهيب الثورة العابر للحدود والذي لم يعد بالإمكان ايقافه... طريق تونس ومصر ارتبط في أكثر من مرحلة بين خطاب بن علي الاخير وكلمته الشهيرة "فهمتكم" وبين اعلان مبارك تخليه عن الحكم، ولا شك أن الارتباط الاهم سيقترن، لا بحاضر البلدين فحسب، ولكن بمستقبلهما، بمعنى أن التونسيين والمصريين الذين راهنوا على أنفسهم لإسقاط الفساد والاستبداد ليس أمامهم غير مواصلة نفس الطريق والرهان على إمكانياتهم لتجاوز كل العثرات والازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة والخروج من حالة الاحتقان وانعدام الثقة والشكوك الحاصلة بين الطبقة الحاكمة والعامة والتي باتت تنذر بكل السيناريوهات... مصر الجريحة اليوم بسبب الفقر والخصاصة والأمية والبطالة وتكرر حوادث القطارات وسقوط المباني المعدمة على رؤوس أصحابها بسبب الغش والفساد المستشري، لا تبتعد عن تونس العليلة بسبب صراعات أبنائها وغياب خارطة طريق تساعد على الحد من ارتفاع موجة البطالة والركود الاقتصادي، وشباب مصر كما شباب تونس الذي كان في مقدمة ثورة شعبية تلقائية لا يجد له موقعا أو دورا في المشهد الجديد فيصنع لنفسه عن وعي أو عن غير وعي دورا جهاديا في سوريا وفي الصومال ومالي والجزائر... جرعات التسكين فقدت مفعولها وازدحام المشهد السياسي وكثرة الاقوال وغياب الافعال والنتائج فرضت حالة من التوتر المرجح للانفجار... من المفارقات ان الثورة المصرية التي اشتركت مع الثورة التونسية في أكثر من عنوان لم تفترق عنها كثيرا في موعدها الثاني، وكما أن ثورة 14 جانفي لم تبح بعد بالكثير من أسرارها وظلت العديد من حلقاتها التي سبقت هروب المخلوع الى السعودية مجهولة في انتظار أن يكشف عنها يوما، فإن فصولا أيضا من الثورة في مصر قد لا تُعرف قبل وقت طويل لا سيما ما تعلق بتدخلات وتوسلات تل ابيب والرياض لإنقاذ مبارك وقمع الثورة واصرار الرياض على توفير الحماية لبن علي بدعوى اغاثة المستجير... وكما في تونس، فإن لدى أغلبية المصريين قناعة بأن الديموقراطية لا تتوقف عند صناديق الاقتراع، والشرعية لا تعني إطلاق العنان ليد السلطة الجديدة دون رقيب أو حسيب، فكل الديموقراطيات التي استطاعت أن تشق طريقها الى التعددية والحرية تنتخب رؤساءها ومسؤوليها وهي تعلم أن هناك مؤسسات اعلامية وحقوقية ومدنية تراقب أداءها وتتولى محاسبتها ومساءلتها متى اقتضت الضرورة، وكل الديموقراطيات الحقيقية تعرف أن كل رئيس أو مسؤول منتخب سيعود بعد انتهاء ولايته إلى حياته العادية ككل الناس. الرهان الحقيقي ليس في الدوحة ولا في واشنطن ولا في باريس أو غيرها من العواصم... الرهان الحقيقي للثورة بين أيدي أبنائها في تونس وفي مصر وليبيا واليمن وسوريا عندما يتوقف نزيف الدم...