للأسف، لا يمكننا القول أن ما تشهده مصر هذه الأيام من تطورات دراماتيكية سواء على المستوى الأمني أو على المستوى السياسي لا يعدو أن يكون سوى أزمة عابرة "طبيعية" في بلد مازال يتحسس خطاه نحو إقامة ديموقراطية على الطراز الغربي في أعقاب ثورة شعبية. بل إن الأمر يبدو هذه المرة على درجة غير مسبوقة من الجدية والخطورة خصوصا بعد رفض المعارضة الليبرالية بمختلف أطيافها عرض الرئيس محمد مرسي إجراء حوار وطني ودعوتها إلى التظاهر بكثافة يوم الجمعة المقبل "لإسقاط النظام"، ما يجعل احتمالات اندلاع مواجهات عنيفة كبيرة مع عدم استبعاد إمكانية تطورها -لا قدّر الله- إلى حرب أهلية بين نصفي المجتمع المصري، أو فسحها المجال مجددا لعودة العسكر إلى الحكم، وهو ما ألمح إليه بوضوح القائد العام للمؤسسة العسكرية وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي من خلال دعوته أمس عبر شبكة الفايسبوك ل"كافة الأطراف إلى معالجة الأزمة السياسية في البلاد تجنباً لعواقب وخيمة تؤثر في استقرار الوطن وقد تؤدي إلى انهيار الدولة". إن هذا المستوى من الخطورة الذي بلغته التجاذبات السياسية بين الحكم الذي يسيطر عليه الاسلاميون والمعارضة الليبرالية في مصر لا يجعلنا نخشى على مستقبل الثورة التي خطها بدمائهم الزكية شهداؤها فحسب، بل وعلى مستقبل هذا البلد العربي الكبير ذي الحضارة الممتدة في التاريخ، والتعايش السلمي الذي ظل سائدا حتى اليوم بين أبنائه كافة رغم كل الاختلافات سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالانتماء السياسي أو الإيديولوجي. ولهذا لا بدّ من القول صراحة أن دقة الموقف تفرض على كل الأطراف والأطياف السياسية المصرية دون استثناء التحلي بقدر كاف من المسؤولية وتغليب مصلحة الوطن العليا على ما عداها من الاعتبارات "السياسوية" الأخرى، لتفادي المحظور، وبشكل خاص وأساسا الرئيس مرسي الذي كان إصراره على ارتكاب الخطإ تلو الآخر والسعي للاستفراد بتقرير مصير كل المصريين سواء الآن أو في المستقبل وما بدا من توجهه نحو فرض نموذج مجتمعي معين عليهم خارج الإجماع المطلوب وبما لا يتفق مع المبادئ العامة للديموقراطية والحقوق والحريات الفردية ومع مبدإ مدنية الدولة التي تتوق إليها شريحة واسعة من المواطنين المصريين، وراء تصعيد التوتر إلى هذا الحدّ غير المعقول والخطير.