أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود تراجع تونس4 درجات في سلم الحريات خلال2012 مقارنة بسنة2011 اللافت للانتباه أن تقرير المنظمة لا يعزو سبب التراجع فقط إلى تزايد وتيرة الاعتداءات على الصحفيين والتي بلغت ذروتها خلال السنة الماضية وتضييق الخناق عليهم، وتضاعف عدد المحاكمات والقضايا المنشورة ضدهم، وتصاعد التصريحات الهجومية والمجيشة ضد الإعلام والإعلاميين من قبل شخصيات سياسية.. لكن التقرير يشير أيضا إلى أن من أسباب هذا التراجع إبقاء الحكومة المؤقتة على حالة الفراغ القانوني بتعطيل تفعيل المرسومين115 و116 المنظمان لوسائل الإعلام، رغم مرور أكثر من عام على صدورهما بالرائد الرسمي. ورغم وعود الحكومة بتفعيل المرسومين ومحاولة ايجاد ارضية تسهم في دفع مسار التفعيل من خلال اصدار الأوامر التطبيقية للمرسومين، أو الإسراع بتشكيل هيئة وقتية مستقلة للاتصال السمعي البصري..إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. فالمرسوم115 المتعلق بالصحافة والنشر لم يتم تفعيله، لعدم اقتناع الجانب الحكومي بمضمون عدد من الفصول، وخاصة بالفصل المتعلق بلجنة اسناد بطاقة الصحفي المحترف المكونة مناصفة بين ممثلين عن الهيكل النقابي الأكثر تمثيلية للصحفيين، والهيكل النقابي الأكثر تمثيلية للمؤسسات الإعلامية، على أن يترأسها قاضي. وإلى اليوم لم تشكل اللجنة وفقا للمرسوم، لكن لجنة وقتية تم التوصل الى تشكيلها العام الماضي في انتظار تفعيل المرسوم واسندت البطاقات الصحفية لمستحقيها، وها أن نفس الاشكال يتكرر، فقد مددت الحكومة في وقت سابق في صلوحية بطاقة الاحتراف إلى آخر جانفي الحالي، وسارعت مؤخرا إلى تمديد صلوحية البطاقة إلى آخر شهر مارس المقبل، مع تواصل غياب اية مبادرة لتشكيل لجنة وقتية او التقيد بمضمون المرسوم115 بحذافيره. وما يدعو للاستغراب هو أن النيابة العمومية مثلا تقوم بإحالة عشرات الصحفيين في قضايا نشر وفقا للمرسوم115 على غرار ما حدث في قضية الزميل صابر المكشر، وعدد غير قليل من الصحفيين من مختلف المؤسسات الإعلامية.. في حين أن المرسوم يضمن حصانة للصحفيين خصوصا ضد الاعتداءات المتكررة من اكثر من طرف ماديا ومعنويا..والحال ان عشرات القضايا رفعت في حق عديد الصحفيين تعرضوا للشتم والقذف والاعتداء المادي واللفظي ولم يتم احالتها على التحقيق.. نفس الشأن بالنسبة للمرسوم 116 المحدث للهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري التي لم ترى النور بعد، بسبب خلاف بين نقابة الصحفيين من جهة، ورئاسة الجمهورية من جهة اخرى على طريقة اختيار ممثلي الهيئة من خلال الفصلين7 و47 من المرسوم. لكن الاشكال يكمن في طغيان هاجس المحاصصة الحزبية على تركيبة الهيئة، وهو ما نبه اليه خاصة كمال العبيدي رئيس الهيئة اصلاح الإعلام والاتصال. مما حال دون انتصاب هيئة وقتية تشرف على القطاع السمعي البصري إلى حين تنظيم الانتخابات الموعودة.. كما برز تباين واضح في رؤية نواب المجلس التأسسيس إلى وضع الهيئة المستقبلي في الدستور ومهامها وكيفية تشكيلها.. بسبب تناقض الفصل المتعلق بإحداث الهيئة في مشروع الدستور، والمرسوم116.. في الواقع يكمن الاشكال الاساسي في مقترح مسودة الدستور حسب ما بينته النقابة الوطنية للصحفيين في المزج بين وظيفتين مختلفتين هما وظيفة التعديل ووظيفة التعديل الذاتي. فالإعلام السمعي والبصري يخضع للتعديل(بمعنى أن تتضمن الهيئة أعضاء لا ينتمون بالضرورة بشكل مباشر للمهنة) والهيئة المستقلة التعديلية المتكفلة بذلك هي عبارة عن محكمة من الدرجة الاولى على شاكلة مجلس المنافسة لهذا تخضع قراراتها الى الاستئناف لدى المحاكم العادية. أما بالنسبة للصحافة المكتوبة فهي تخضع للتعديل الذاتي والهيكل الذي يشرف على ذلك ليس له صبغة تقريرية بقدر ما له سلطة معنوية. لهذا يتهم هذا الفصل بأنه محاولة لإعادة احياء وزارة الاعلام.. ويصر الصحفيون وأصحاب المؤسسات الاعلامية واتحاد الشغل(نقابة الثقافة والإعلام) على أن يكونوا من ضمن تركيبة الهيئة والحال أن النص الوارد في المسودة يشير الى "انتخاب الاعضاء بالكامل من قبل مجلس الشعب" مما سيحولها الى شكل من أشكال المحاصصة السياسية بينما تسعى الهيئة الى تحقيق الاستقلالية تجاه مراكز الضغط السياسي والمالي. واقترحت نقابة الصحفيين تعديل الفصل المحدث للهيئة في مسودة الدستور ليصبح كالآتي:" تتكفل هيئة الاعلام بتنظيم قطاع الاعلام السمعي البصري وتعديله وتطويره في سبيل ضمان حريته واستقلاليته وإرساء مشهد إعلامي تعددي، متنوع ونزيه. ترشح الهياكل المهنية المنتخبة اضافة الى الهيكل القضائي الاكثر تمثيلا ، مع مجلس الشعب ثمانية عشر عضوا مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة يقع انتخاب نصفهم من قبل مجلس الشعب وفق قانون لفترة واحدة مدتها ست سنوات مع التجديد الجزئي." الغريب في الأمر أن بعض النواب طالبوا خلال مناقشة باب الهيئات الدستورية بإحياء وزارة الإعلام من جديد وهي التي كانت سيف الرقابة الأول المسلط على الصحفيين وعلى المؤسسات الإعلامية، بتعلة أن الإعلاميين "لا يتركون فرصة للنواب او المجلس التأسيسي الا وشوهوا صورتهم وقللوا من نشاطهم وانتقدوا سلوكاتهم داخل وخارج المجلس".؟ لكن في المقابل ما انفك سياسيون وخبراء في الإعلام يتمسكون بحرية الإعلام وعدم تقييدها مع السعي إلى الإصلاح والتعديل، على أساس أن اعلاما حرا مع أخطاء، احسن واضمن من اعلام مكبّل وجبان تقيده قوانين زجرية، وقد ينبئ ذلك بعودة الرقابة الذاتية ويمهد لعودة الاستبداد والدكتاتورية. ومعلوم أن الدكتاتورية تجد لها منفذا قويا من خلال السيطرة على وسائل الإعلام وعلى مراقبة مضمونه، باعتبار أن تلك السيطرة هي الباب الأول لتكميم الأفواه وضرب حرية التعبير، وعدم السماح لأية وظيفة نقدية، وسعي السلطة القائمة -عبر الإعلام- لتصفية حساباتها مع معارضيها وتثبيت اركان حكمها ...الخ يبدو أن الحكومة والأحزاب منشغلة حاليا بالتحوير الوزاري أكثر من تفعيل المرسومين 115 و116.