رغم اعتراض العديد من النواب على شروع لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي مساء أمس في مناقشة مشروع قانون تحصين الثورة، ورغم المؤيدات القانونية الكثيرة التي قدموها، ورغم المبررات العديدة التي استجمعوها، فإنهم لم يوفّقوا في محاولة تأجيل هذا النقاش أو العدول عنه، نظرا للضغط المسلط من قبل نواب كتلة حركة النهضة الذين حضروا بكثافة. وساد هذه الجلسة التي ترأستها النائبة كلثوم بدر الدين، الكثير من التوتر والتشنج الذي وصل حد المشادات الكلامية بين النواب كريم كريفة واياد الدهماني وعبد المنعم كرير من جهة، وعدد من نواب كتلة حركة النهضة وخاصة جمال بوعجاجة وكمال بن عمارة ونجيب مراد من جهة أخرى.. في حين كانت مداخلات النائب محمد قحبيش(من الكتلة الديمقراطية) بمثابة صب الماء على النار، فبأسلوبه الرصين والهادئ، خفف من توترهم، ودعاهم لتحكيم العقل بدلا من العاطفة.. وسبق لنواب الكتلة الديمقراطية وفق ما ذكره النائب اياد الدهماني أن عبروا لمكتب المجلس الوطني التأسيسي، عن احتجاهم على برمجة مشروع تحصين الثورة مع مشروع آخر كان اقترحه نواب كتلة المؤتمر حول تنقيح المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الاحزاب. وبينوا أن لجنة التشريع العام برمجت مناقشة مشروع قانون تحصين الثورة على خلفية العريضة التي مررها نواب كتلة النهضة مؤخرا للمطالبة باستعجال النظر فيه. كما أشاروا إلى أن مكتب هذه اللجنة لم يتعامل بحياد مع مشاريع القوانين التي اقترحها النواب طبقا للفصل 108 من النظام الداخلي للمجلس، إذ أن رقم المشروع الذي قدمته كتلتهم وهو يتعلق بالعدالة الانتقالية، ويصب في نفس خانة المشروعين اللذين تمت برمجتهما، هو 47، وبالتالي فإنه سابق لمشروع تحصين الثورة رقم 85. توضيح وفي توضيح لملابسات هذه الاشكالية، أكدت رئيسة اللجنة كلثوم بدر الدين ل "الصباح" أنه تم تأجيل مشروع القانون الذي قدمته الكتلة الديمقراطية حول العدالة الانتقالية في انتظار المشروع الذي أعدته الحكومة حول نفس الموضوع، ولم يصلها مشروع الحكومة إلا يوم أمس الأول. وأضافت أن اللجنة رأت أن مشروع تحصين الثورة مرتبط ارتباطا وثيقا بمشروع قانون عدد 8 لتنقيح المرسوم عدد 87 لتنظيم الاحزاب لذلك تقررت مناقشتهما معا.. ونفت تأثر اللجنة بالعريضة سالفة الذكر أو عدم الحياد.. وعن سؤال يتعلق بالمشروع الخاص بتطهير القضاء والمحاماة بينت أنه تم تقديمه أيضا من طرف 10 نواب من كتلة المؤتمر، طبقا لأحكام الفصل 108 من النظام الداخلي وأحيل منذ 15 ماي الماضي على لجنة التشريع العام ولجنة الحقوق والحريات، فهو يهدف لتحقيق العدالة الانتقالية ولمحاسبة القضاة والمحامين الذين أخطأوا في حق الشعب والمال العام في الفترة الممتدة بين 7 نوفمبر 1987 و14 جانفي 2011وقد شرعت اللجنة في دراسته. كما قالت بدر الدين: "نحن نريده قانونا تحصينيا لا إقصائيا تسلطيا، وهو ليس للتشفي والانتقام كما قيل، لذلك لا بد أن يكون قانونا عميقا لا تطعن فيه المحكمة الدستورية لاحقا". واعتبر النائب نجيب مراد أن "هذا القانون هو قمة التحضر تجاه من اجرموا في حق الشعب.. والهدف منه ليس تعذيبهم كما عذبنا نحن في السابق بل منعهم من المشاركة في الحياة السياسية وأرى أن سنه تأخر كثيرا ولا بد من التعجيل في مناقشته وعرضه على الجلسة العامة".. وحذر النائب ناجي الجمل من أن إرساء العدالة الانتقالية يتطلب سنوات، ولكن الثورة في حاجة الآن إلى التحصين ومن واجب النواب تحصينها، وذكر النائب جمال بوعجاجة أنه لا بد من تحصين الثورة نظرا لبروز ثورة مضادة وقال :"نحن لن ننصب المشانق لكننا نؤكد على أن للثورة استحقاقات تتمثل في الانتصار لها ممن تورطوا في العهد السابق".. وأكد أن الشعب هو من يطالب بتعجيل النظر في هذا المشروع. في حين احتج النائب اياد الدهماني بشدة على تصرفات اللجنة ثم غادر القاعة. ودعا النائب سمير بن عمر لتجنب التشنج والنقاش الثنائي والخضوع لقاعدة الأغلبية.. وذكر أن الهدف من المشروع هو استبعاد من افسدوا الحياة السياسية وبالتالي فهو يختلف عن مشروع العدالة الانتقالية.. وقال النائب محمد قحبيش :"نحن نريد ارساء مبدا العدالة والحق بعيدا عن التشفي والانتقام".