يعد المخرج أنيس الأسود من أبرز الأسماء السينمائية الشابة في بلادنا التي تمكنت من التميز عن سرب كبير من التقنيين والمخرجين.. أنيس الأسود خير المغامرة السينمائية على انتظار دعم عمومي غير أكيد أو منتج بشروط مجحفة تشوه الفن الذي يحلم بتقديمه... انطلق من تراث جهته بشريط أول يوثق ل "عرائس السكر بنابل" ثم خاض تجربة الفيلم الروائي في "صابة فلوس" وتتالت الأعمال والأفلام وأحدثها "صباط العيد" و"المعارض" وهما فيلمان تميز في كل مشاركاتهما الدولية ومازالا يخوضان منافسات عديد المهرجانات في الأشهر القليلة القادمة. الصباح التقت أنيس الأسود في حوار يفتح أبواب السينما على مصراعيها انطلاقا من العراقيل، التي تواجه المخرج التونسي الشاب في تجسيد أعماله وصولا إلى المحسوبية وسوء تسيير القطاع مرورا بمشاركته في المهرجانات الدولية وأهمية التبادل السينمائي بين صناع هذا الفن في الغرب وإفريقيا فكان الحديث التالي: اخترت مواكبة أحداث الثورة التونسية وثائقيا من خلال فيلم "المعارض" فكيف تقدم هذا العمل في البداية؟ - مع انطلاق الثورة التونسية خامرتني فكرة النزول للشارع ونقل هذا الحدث سينمائيا وذلك مع السيناريست شمة بن شعبان في البداية صورت مظاهرات العاصمة ومنها يوم هروب بن علي في 14 جانفي 2011 لكن في قرارة نفسي كنت أدرك أن الثورة ليست في شارع الحبيب بورقيبة وقررت العودة لأرض الشرارة الأولى، مدن القصرين وسيدي بوزيد وانتقلت للبحث عن فكرة الفيلم في قرى عديدة سبق وأن زرتها خلال تصوير أعمال سابقة إلى أن التقيت وهناك قابلت مع شمّة بن شعبان ملامح عديدة من المواطنين من الشباب والعاطلين والثائرين إلا أن قابلنا محمد الطاهر الخضراوي في مدينة القصرين وحينها وجدنا ظالتنا وفكرة العمل الوثائقي الذي أطلقنا عليه المعارض. لماذا محمد الطاهر الخضراوي وما الذي أغراك في هذه الشخصية حتى تكون رمزا أو ملمحا من الثورة التونسية؟ - هدفنا كان انجاز فيلم وثائقي يحمل الكثير من المصداقية عن حدث استثنائي في بلادنا ويترك بصمته في أرشيف الثورة ومع محمد الطاهر الخضراوي وجدنا مبتغانا فمن الناحية الإنسانية والاجتماعية يرمز اسم هذا الرجل للطهارة وللمبادئ والقيم فيما يحيلنا لقبه (الخضراوي) لتونس الخضراء وهو خريج كيمياء من الجامعة العراقية وعاطل عن العمل وهو في سن الأربعين..محمد الطاهر الخضراوي كان نموذجا مناسبا لشريحة مهمة في مجتمعنا درست في العهد البورقيبي وعايشت استبداد بن علي ونظامه كما أن هذه الشخصية تنتمي لمدينة القصرين وهي محطة أثرت كثيرا في سير انتفاضات ما قبل 14 جانفي 2011 وساهمت في اندلاع الثورة التونسية أمّا من الناحية السياسية فمحمد الطاهر الخضراوي هو ابن وحفيد مناضلين (من الفلاقة الذين شاركوا في حركة التحرير الوطني) كما أنه معارض وخاض انتخابات 23 أكتوبر تحت راية الحزب الديمقراطي التقدمي –سابقا- وقد قمنا بمرافقة هذه الشخصية انطلاقا من الأيام الأولى للثورة إلى غاية خروج نتائج الانتخابات وهزيمة حزبه وطرحنا خلال مشاهد العمل عديد الإشكاليات أهمها كيف يكون الشخص معارضا ولماذا يختار هذا التوجه رغم كل الضغوط وكيف يتكون إحساس المعارضة داخل الانسان وما الفرق بين المعارضين الذين في القاعدة وبين قيادته. واستطعنا من خلال متابعة شخصية "المعارض" في الانتخابات اكتشاف كواليس اللعبة السياسية التي تعد جديدة على الأحزاب التونسية خاصة وأن بعضها كان محضورا وبعضها الآخر كرتونيا وشخصيا أعتبر أن الفيلم حقق أهدافه وحضي بترحيب كبير من قبل متابعيه ومن قبل المهرجانات التي شارك فيها على غرار مهرجان كينيا الدولي للأفلام ومشاركته في كل من الأردن ورام الله إضافة لعرضه أمام البرلمان الأوروبي في 15 نوفمبر الماضي. علمنا أنه تم اختيار شريطك الروائي "صباط العيد" في الدورة 23 لمهرجان الفسباكو ببوركينافاسو؟ - صحيح سأكون حاضرا بهذا الشريط في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة انطلاقا من الثالث والعشرين من فيفري الحالي و"صباط العيد" سبق وأن شارك في عديد المهرجانات واللقاءات منها عرضه في افتتاح أيّام السينما العربية بمعهد العالم العربي بباريس يوم 22 سبتمبر الماضي ويروي الفيلم حكاية نادر الطفل الذي يرغب في امتلاك حذاء سعره مرتفع لكن والده لا يملك ثمنه لاحظنا في أعمالك السينمائية طغيان النمط الوثائقي هل هو خيار أم أن كلفة الأفلام الروائية تجعله مؤجل في مسيرتك؟ - الطرح هو ما يحدد توجهاتي للوثائقيات أو للأفلام الروائية ولا فرق بالنسبة لي بين كلا النمطين المهم الفكرة والكتابة السينمائية الجيدة والمغايرة وخلال مسيرتي قدمت النوعين وفي الحقيقة الفيلم التسجيلي أثر في أفكاري وجعلني قادرا على تقديم أعمال روائية جيدة وقريبا سأخوض تجربة أول عمل روائي طويل في رصيدي. إذن فالعمل مع قناة الجزيرة الوثائقية لم يؤثر على مشاريعك الروائية أو يعرقل انجازها؟ - قناة الجزيرة الوثائقية كانت المنتجة لعدد من أعمالي الوثائقية وهي أعمال أعتز بها وأتمنى أن توجد في تونس قناة مثل الجزيرة تدعم السينمائيين الشباب فأنا لا أقدم أفلاما تحت طلب الجزيرة بل هي تترك لي مساحة وهامش من الحرية للعمل على فيلمي وصورت مع هذه القناة عديد الأعمال في تونس واليمن والجزائر وموريتانيا تطرح قضايا الطفل وتثري مسيرتي والأرشيف السينمائي التسجيلي. هناك نبرة حزن في كلامك على حال السينما التونسية؟ - القطاع السينمائي التونسي في حاجة لوقفة جادة من السلطة العمومية المشرفة على تسييره وإلى تكاثف جهود أهل المهنة إلى التعاون أكثر من أجل الارتقاء بالمادة السينمائية المقدمة خاصة وأننا نملك في تونس من الكفاءات الكثير في هذا المجال وعلى كل الفاعلين في القطاع تحمل مسؤولية هشاشة السينما التونسية لأن ثغراتها تعد حلقات مترابطة من التكوين الأكاديمي للمهنة و تعامل وزارة الثقافة مع مسألة الدعم والتوزيع إلى ظاهرة غلق قاعات السينما. تستعد مع رفاقك في جمعية "أحباء السينما بنابل" إلى تقديم النسخة المغاربية من مهرجان "ليالي السينما بنابل" هل تبحث من خلال هذا التوجه عن انتشار أكبر للمهرجان السينمائي؟ - في البداية أرغب في الإشارة إلى أن جمعية "أحباء السينما بنابل" أسست سنة 2005 وبعث الفاعلون فيها مهرجان ليالي السينما بنابل وسنة 2006 نظمنا دورته الأولى وذلك بهدف ترسيخ الثقافة السينمائية بمدينة نابل غير أن محاولات بعض المسوؤليين في تونس ما قبل الثورة بالاستحواذ على أفكارنا وبرامجنا لأننا رفضنا المشاركة في احتفالات سنة السينما في 2010 وأسسوا لمهرجان الفيلم العربي بنابل جعلنا نفكر في تطوير خياراتنا ونحن نبحث عن الإضافة للمشهد السينمائي بالجهة باعتبار أن هدفنا البناء لا الهدم وقررنا تحويل تظاهرتنا لمهرجان الفيلم المغاربي بنابل وستكون الدورة القادمة في سبتمبر 2013 ونحن نستعد منذ فترة لبرمجة عديد الأعمال الفنية وتنظيم الورشات السينمائية واستضافة عدد هام من أبرز الوجوه الفنية الفاعلة في القطاع إلى جانب عرض أعمال لمخرجيين من أصول مغاربية ويعشون في أوروبا أو في الشرق.