لا يختلف اثنان حول الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بشتى أنواعها، وحول جملة المواد الأخرى التي اتفقت الحكومة على " تعديل" أسعارها لأكثر من مرتين في أشهر قليلة مثل ما حصل مع المحروقات. كما لا يختلف اثنان حول ما آلت إليه المقدرة الشرائية من تدهور وما بلغته قيمة " قفة" المواطن من تكاليف باهضة بلغت حد عجز العائلات على تأمين ضرورياتها الأساسية اليومية من تلك المواد. هذا الواقع رمى بثقله على كافة الفئات الاجتماعية وأثقل كاهلها بشكل جعلها تتبرم مما يجري من انفلات للاسعار وسكوت الحكومة أو عدم اهتمامها بهذا الواقع الذي بلغ حدا لم يعد يسمح بالقدرة على مجابهته في ظل تجميد متواصل للأجور وعدم تحريك حتى للزيادات في الأجور التي تم الاتفاق بشأنها في الأسابيع القليلة الماضية دون صرفها لحد الساعة. ولعل الغريب في الأمر والذي لا نجد له تفسيرا هو أن الحكومة ماضية في ممارسة سياسة العهد البائد حيث إنها تبرم اتفاقا مع اتحاد الشغل بخصوص سلم اجتماعية لكنها في ذات الوقت تعمد إلى الترفيع في الأسعار دون احترام هذا الاتفاق الذي قام في الأساس على الضغط على الأسعار وعدم اللجوء الى مجالات تعديها. إن هذا التذبذب يكشف في الحقيقة عن سياسة اقتصادية غير واضحة تعكس عجز الحكومة وحيرتها في تسيير الدواليب الاقتصادية التي أفلتت من يدها بالكامل وآل مصيرها إلى التجار والمضاربين والمحتكرين الذين عبثوا بالسوق ومسالك التوزيع داخله وأمعنوا في الربح السريع واللامحدود الذي فرضته حالة عدم القدرة على مراقبة السوق والإحاطة به، ولجم كل الدخلاء داخله. هذا الواقع ما انفك يحتد يوما بعد آخر وتتزايد مظاهره في المدن والقرى والأرياف وداخل الأسواق اليومية والأسبوعية حيث غاب الأمن والمراقبة الاقتصادية، ووجد المواطن نفسه عرضة لنهش التجار والمضاريين الذين غاب عنهم الحس الاجتماعي وباتوا من أرباب أثرياء الثورة الذين ينتهزون الفراغ السياسي الذي فرضه واقع البلاد ليمعنوا في كنز الأموال والربح غير الشرعي على حساب المواطنين البسطاء. فإلى متى سيتواصل صمت الحكومة وعجزها على الاهتمام بالواقع الإقتصادي الذي تدهورت معه القدرة الشرائية لجل الفئات الاجتماعية؟ وإلى متى سيتواصل سعيها إلى " تعديل" الأسعار الذي يمثل هروبا إلى الأمام وربحا للوقت دون التفكير في أن هذه السياسة ستؤول بالجميع إلى مستنقع خطير؟