مرة أخرى يتراى صراع الأجنحة داخل حركة النهضة كما يحلو للبعض تسميته- بين تيار متشدّد لا يقبل ليّ الذراع آو التفاوض حول المبادئ العامة للحزب ، وتيار معتدل محاور ومنفتح على الآخر. ولعل من آخر المواقف المتباينة بين الطرفين تفاعل عدد من كوادر الحركة بشان إصرار حمادي الجبالي رئيس الحكومة على موقفه بشان تشكيل حكومة كفاءات وطنية بعيدة عن اي تحزب.كما هدّد بالاستقالة من رئاستها ان لم ينحج في مسعاه. ومن بين الدلائل على وجود هذين التيارين في الحركة مسيرة اول امس السبت بشارع الحبيب بورقيبة حيث اشرف عليها ابرز ممثلي التيار المتشدد القيادي الحبيب اللوز فيما غاب عنها «المعتدلون»على غرار سمير ديلو العجمي الوريمي وغيرهما. ففي ردة الفعل الاولى رفضت «النهضة» قرار امينها العام ورئيس الحكومة بخصوص القرار المتخذ، وقد جاء ذلك على لسان نائب رئيس الحركة عبدالحميد الجلاصي في تصريح لهيئة الإذاعة البريطاينة «بى.بى.سى» يوم الخميس «إن الحركة غير موافقة على الموقف الذي اتخذه رئيس الحكومة فى حل الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية للخروج من الوضع الحالي». وأضاف :»أن الحركة ترى أن البلاد مازالت فى حاجة إلى حكومة تضم شخصيات سياسية وائتلافية تحظى بدورها بقاعدة سياسية، نافيا علم الحركة باقتراح رئيس الحكومة تشكيل حكومة جديدة.من جهته اكد رئيس كتلة الحركة بالتأسيسي الصحبي عتيق في تصريح لقناة «فرانس 24 « أن حركة النهضة ترفض مقترح الجبالي وقراره المنفرد على حد تعبيره -، مشدّدا على أن هذا المقترح تسبب في مأزق دستوري وقانوني لأن القانون المنظم للسلط العمومية لا يسمح لرئيس الحكومة بتشكيل حكومة كفاءات وطنية وأن أي قرار يحتاج إلى تزكية من أغلبية كتل المجلس. في الصف الاخر رغم نفي كوادر حركة النهضة عدم وجود اي تيارات داخلها وان الحزب متجانس ويعيش جوا ديمقراطيا يتجلى من خلال انتخاب هياكله المكتب التنفيذي، مجلس الشورى، الهيئة السياسية..-، فان أطرافا سياسية أخرى ومتابعين يرون عكس ذلك بل ويؤكدون ان سبب التخبط الذي تعيشه الحكومة يعود اساسا الى عدم قدرتها على ادارة المرحلة وهو ما اكده الجبالي حين تحدث عن فشل حكومته في مهامها. ومن بين مواقف الشخصيات السياسية والحزبية في البلاد ما ذهب اليه محمود البارودي النائب عن الكتلة الديمقراطية في التاسيسي في تعليقه على القناة الوطنية الاولى على اغتيال الشهيد شكري بلعيد حيث قال:»من المستبعد أن يكون لرئيس الحكومة دخل في حادثة الاغتيال لكن عددا من نواب حركة النهضة و بعض الوزراء المتشدّدين في الحكومة هم من يتحمّلون المسؤولية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تصريحاتهم في وسائل الإعلام بأن المعارضة متواطئة مع جهات أجنبية وتسعى إلى تخريب البلاد». توزيع..و تداخل لم يفصل المؤتمر التاسيسي التاسع لحركة النهضة في بيانه الختامي في عدد من المسائل من اهمها الفصل بين الدعوي والسياسي فكان تارة حركة اتخذت من الشريعة الإسلامية منهجا وسلوكا وخطابا وهي تعنى بالجانب الدعوي واتضح ذلك من خلال ما اورده بعض كوادره مثل الحبيب اللوز والصادق شورو ، وطورا حزبا مدنيا يستشف عبر لغة سياسية صادرة عن البعض الاخر على غرار رفيق عبد السلام وزير الخارجية او نور الدين البحيري وزير العدل او سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية وغيرهم من وزراء الحركة ومسؤوليها. وفي حديث سابق مع «الصباح الاسبوعي» حول موضوع الفصل بين الدعوي والسياسي اكد الخبير في الجماعات الاسلامية الدكتور اعلية العلاني: «ان إبقاء الحركة على التداخل بين الوظيفة الدعوية والسياسية والإبقاء على التداخل بين الفضاءين الديني والسياسي هو الذي اوصلها الى الاحتقان مع المعارضة.فالنهضة تخشى من الدخول في مواجهة مع نصف قواعدها المحافظة جدا وتخشى كذلك من التيارات السلفية التي لا تؤمن اصلا بمدنية الدولة والنظام الديمقراطي. وهنا نفهم المازق الكبير الذي توجد فيه حركة النهضة فحتى جناحها الليبيرالي مكسور الجناح ولا يزال يشكل اقلية. كما لا تتوفر الحركة على لوبي حقيقي يستطيع ان يعدّل من موازين القوى لان مؤتمرها الاخير اعطى لرئيس الحزب سلطات واسعة جدا، حيث تقع على عاتقه عملية نجاح او فشل تجربة الاسلام السياسي وهو من سيكون منقذ الحركة بقبول نصيحة ارودوغان او المتسبب في اندثارها وخروج تيار الاسلام السياسي من الحكم لمدة طويلة اذا اصرّ على استراتيجيته الحالية» واوضح العلاني بان قبول النهضة نصيحة رئيس الوزراء التركي تعني القطع مع المرجعية الاخوانية وما يستتبعه من فصل بين الدعوي والسياسي وتحييد المساجد عن كل نشاط حزبي وسياسي وجمعياتي وحل رابطات حماية الثورة وضرورة الإبقاء على توحيد التعليم وعدم غض الطرف عن الاعتداءات التي تطال رموز الفكر والثقافة والسياسة في البلد من طرف تيارات دينية متطرفة. وفي انتظار الحل النهائي بين شقي حركة النهضة يتساءل كثيرون،الى اين ستؤول الحال داخل حزب الأغلبية في المجلس التأسيسي بين «حمائمه» و»صقوره» في قادم الايام؟ خاصة بعد ازمة الدعوة الى إنهاء عمل الحكومة الحالية من عدمه وتشبث كل تيار برايه؟.