في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد التونسية حذر عدد من خبراء الاقتصاد أن الأمر ينعكس سلبا على الطبقة الوسطى في تونس التي بدأت تتضرر ويتراجع حجمها. الأرقام الرسمية قبل الثورة كانت تشير إلى أن حجم الطبقة الوسطى في تونس يصل إلى نحو 80 % رقم لم يقنع خبراء الاقتصاد الذين رأوا فيه أجندة سياسية أكثر من مؤشر يعكس حقيقة الواقع الاجتماعي في تونس. واليوم ترتفع الاصوات المحذرة من تراجع كبير سيشهده حجم الطبقة الوسطى في تونس إذا واصل الاقتصاد التونسي على نفس الوتيرة، دفعت بالآراء الأكثر تشاؤما إلى الحديث عن أن تونس يمكن أن تتحول إلى مجتمع تهيمن عليه الطبقتان الغنية والفقيرة بدل الطبقة الوسطى. ناقوس الخطر يتواصل ارتفاع التضخم المالي الذي بلغ في موفى جانفي 6% إلى 10% في نهاية السنة الحالية كما يؤكد ذلك الخبير الاقتصادي معز الجودي ل"الصباح الأسبوعي" وما ينتج عن ذلك من ارتفاع الاسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطن إلى جانب الترفيع في الآداءات، كل ذلك يمثل أعباء تتكبدها الطبقة الوسطى في تونس بالأساس وتؤدي إلى تراجع حجمها في المجتمع التونسي. إلا أن الجودي يوضح أن الطبقة الوسطى في تونس بدأت تتآكل قبيل الثورة وقد تراجع دورها في الاقتصاد التونسي منذ 2007 و2008 بالرغم من أنها كانت نقطة قوته قبل ذلك. كما أن لنسبة البطالة تأثيرا في حجم هذه الطبقة، كما يوضح الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان ل"الصباح الأسبوعي" فمثلا إذا فقد شخص ما عمله فإنه سيفقد مدخولا شهريا يمكنه من قضاء حاجياته وبالتالي لا يستطيع الحفاظ على نفس مستوى العيش وهذا يعني أنه بدل أن يكون مصنفا في الطبقة الوسطى يصبح من الطبقات الضعيفة. حجمها الحقيقي غير معروف يشير دكتور علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي مراد الرويسي إلى أنه في كندا مثلا يتحدد انتماء الفرد لطبقة اقتصادية معينة انطلاقا من مساهمته في دفع الأداءات فالمواطنون الذين لا يدفعون الجباية لا يصنفون على أنهم من الطبقة الوسطى نظرا إلى أن دخلهم لا يسمح لهم بأن تطالبهم الدولة بدفعها، في حين أن المواطنين الذين يدفعون نسبة جباية مرتفعة من مدخولهم السنوي قد تصل إلى 50% أولئك يصنفون على أنهم من الطبقة الغنية. أما في تونس فمن غير الممكن تطبيق هذه المعادلة، لأن الاقتصاد اللاشكلي يحظى بنصيب كبير من الاقتصاد التونسي وفي هذه الحالة لا يمكن معرفة حجم الدخل الحقيقي للأفراد الذين لا يدفعون ضريبة ايضا، ولذلك يعني حسب الرويسي عدم قدرتنا على معرفة الحجم الحقيقي للطبقة الوسطى في تونس. لكن الرويسي يتفق مع خبراء الاقتصاد ممن يؤكدون أن حجم الطبقة الوسطى لا يمكن أن يصل في تونس إلى 80% ويؤكد دكتور علم الاجتماع أن حجمها لا يمكن أن يتجاوز 50% وهو رقم تقريبي غير دقيق بالضرورة في ظل غياب بقية المؤشرات والأرقام الدقيقة الأخرى. كما أن تواصل المؤشرات الاقتصادية السلبية وعدم اتخاذ إجراءات تعمل على دعم الطبقة الوسطى وحمايتها سيؤدي بالضرورة إلى تراجعها حسب الجودي وهو ما سينعكس سلبا على مختلف المجالات. فالمؤشرات الاقتصادية المتراجعة التي دفعت بالطبقة الوسطى إلى التآكل ستتضاعف بتراجع دور هذه الطبقة. انعكاسات سلبية على المجتمع يؤدي تآكل الطبقة الوسطي في مجتمع ما إلى تزايد عدد من الظواهر الاجتماعية السلبية، فهذه الطبقة تعد عامل استقرار في كل المجتمعات، حسب ما يؤكده سعيدان. والنتائج الاجتماعية لتآكل الطبقة الوسطى على حد تعبير الرويسي تبرز خاصة في ارتفاع معدلات الجريمة وتراجع الأمن وتراجع المداخيل الجبائية للدولة التي ستلجأ بدورها للتداين الخارجي. هذا إلى جانب تراجع مستوى المرافق العمومية ومؤسسات الدولة من خدمات صحية وطرقات وتجهيزات.. فتراجع حجم الطبقة الوسطى في المجتمع كما يؤكد دكتور علم الاجتماع بجامعة منوبة يضرب كل مؤسسات الدولة ويهدد السلم الاجتماعي.